مقال

ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

خالد رمضان| كاتب مصري
الخير والشر خصمان لا يقترنان، ولا يتفقان وصراعهما أزلي منذ بدء الخليقة، فقد صرع قابيل هابيل من أجل ما ليس له بحق، ومخالف لما أمره الله به، حتى كان ما كان وما لم يحمد عقباه .
كل إنسان يكمن داخله الشر والخير ويبقيان ما بقيت الحياة، ويتصارعان ولا يتهادنان حتى يصرع أحدهما الٱخر، فلا خير محض، ولا شر محض إنما بضدها تتميز الأشياء .
لاتحزن عندما يعتريك الضعف، وتخضع لوساوس الشيطان حتى يضع أغلاله حول عنقك فلا تستطيع الفكاك، وقد تقع في وحل الخطيئة فتضيق الدنيا في عينيك، وتُنسج على عينيك غشاوة فلا تستطيع رؤية الحقيقة الواضحة حتى يتغمدك الله برحمته فتتوب وتؤوب وتسكب دموع الندم على دماء الخطيئة فتمحوها ولا تبقي لها أثرا.
هون عليك يا صديقي فلم يخلقنا الله ملائكة نورانية تسبح حول العرش، أو تظل قائمة أو راكعة أو ساجدة حتى قيام الساعة، إنما خلقنا بشرا من صلصال من طين وهو سبحانه أقرب إلينا من حبل الوريد فيعلم ضعفنا وذلنا وهواننا وخفايانا ، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، فمن مكر مكر الله به، ومن أخلص أخلص الله له، ورفع شأنه، وأخلد ذكره ، ويسر أمره، وبارك له فيما ٱتاه، وفضله على من سواه .
أما هؤلاء الماكرون المخادعون الحاسدون الذين لم يرتضوا أرزاقهم، ولم يشكروا ربهم،ولم يخلصوا أعمالهم فبشرهم بسوء عاقبتعهم ونقصان أرزاقهم وبمحو البركة من أموالهم وأبنائهم وأعمالهم لأنهم بسخطهم وحسدهم لغيرهم قد اتهموا الله تعالى بالظلم -وحاشاه تعالى أن يكون- فأصبح أحدهم كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه، أو كهذا الجمل الأعجف الهذيل الذي يرعى في مراعي الخصب والنماء ولا ينال منها إلا ما كتبه الله له، فيعيش نحيلا هذيلا وإن أخصبت الدنيا من حوله .
الحسد نار حارقة، وجمرة موقدة، ولكنها لا تحرق إلا صاحبها، ولا تكوي إلا حاملها، فلا يستقيم له أمر ، ولا تهدأ له نفس بل تغلبه طباعه اللئيمة، ونفسه الخبيثة، وفي هذا المعنى قال الشاعر:

الخير أبقى وإن طال الزمان به
والشر أخبث ما أوعيت من زاد

***

لقد أسمعت إن ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي

يروى في الأثر أن فرعون سأل إبليس: هل هناك شر مني ومنك؟
فقال إبليس: نعم
قال فرعون: كيف ذلك؟
قال إبليس: تعال معي، فأخذه حتى لقي فرعون رجلا يبكي،فسأله فرعون: ما يبكيك؟
فقال الرجل: ماتت بقرتي، وجاري له بقر كثير
قال فرعون له: أنا ٱتيك ببقرة غيرها
قال الرجل: لا ، أنا أريد أن تموت بقراته هذه.
هذا هو الحاسد الذي يتمنى زوال نعم الغير، فكأن على قلبه رانا، وفي أذنيه وقرا فلا يرى نعم الله عليه، وإنما شغلته نعم الٱخرين عما هو في يديه وبين عينيه .
ألا فلتعلم أيها الحاسد أنك لن تضر إلا نفسك، ولن يأكل الحقد والحسد إلا قلبك، ولا محالة ستموت بغيظك، وعلى حد قول المعتصم :
لله در الحسد ما أعدله
بدأ بصاحبه فقتله .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ كل ذي نعمة محسود “
هم يحسدونك لأنك فقتهم علما أو عملا أو مالا أو مكانة أو خَلقا أو خُلقا، فلا تحزن لأن هذا الحسد لن يضرك إلا بإذن الله تعالى بل قد يكون لك نافعا، ولشأنك رافعا ، وعند الله شافعا على حد قول الشاعر:

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت
أتاح لها لسان حسود

***
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيب عرف العود

ماذا جنى إبليس من حسده لٱدم إلا الطرد من رحمة الله، وسوء عقباه، وماذا نال كفار مكة من حسدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الرسالة إلا الوعد والوعيد
والجحيم الشديد، وما الذي ناله إخوة يوسف عليه السلام من حسدهم لأخيهم، وعصيانهم لأبيهم إلا الحسرة والمذلة والخزي والخذلان.
ماذا جنى الوزير يعقوب بن إسحاق الكندي حينما حسد أبا تمام على قصيدته الرائعة التي أنشدها أمام الأمير إلا الحرج والنقصان، بل ارتفع شأن أبي تمام وخلد ذكره وعلا قدره بهذه الأبيات السامقة الشاهقة التي اقتبسها من كتاب الله تعالى حينما مدح الأمير قائلا :
إقدام عمرو في سماحة حاتم
في حلم أحنف في ذكاء إياس
فحسده الوزير وقال :
أتشبه الأمير بصعاليك العرب؟!
إن الأمير فوق ما وصفت ،
فأكمل أبو تمام بقوله :
لا تنكروا ضربي له من دونه
مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره
مثلا من المشكاة والنبراس
فأسقط في أيدي حاسديه
ويقول تعالى: “ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم “
وفي الأخير ومن القلب أقول لك يا أيها الحسود: هون عليك، وأرح قلبك واشكر ربك على ما أنعم به عليك، فلا تشغل بالك بنعماء غيرك تهنأ نفسك، ويصلح عملك، ويرضى عنك خالقك، وتذكر دائما قول لقمان الحكيم:
إذا كنت في بيت غيرك فاحفظ عينيك، وإذا كنت في مجلس طعام فاحفظ وعاءك، وإذا كنت في مجلس كلام فاحفظ لسانك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى