خيطُ القمر
عمر حمّش | فلسطين – قطاع غزة المحاصر
بيتنا في المخيم تحت القمر، والقمر تفاحة محترقة معلّقة ، خيط رفيع يربطنا به ، نهتزّ، نهتزّ، القمر جميل ، لكن لو انقطع الخيط سنهوى في الفراغ السحيق.
جاورتني على الفراش ، مشدودة معي إلى القمر ، أراها يغادرها الشحوب ، ورديةَ يغزوها الاحتراق ، أراها تفاحةً، ابنةً للقمر ، عروسا من عالم الفضاء ، محرابا يغريني أن أعبره.
مشحون أنا في تلك الليلة ، تتقدمني روحي نحو المحراب، أرى القمر يبتهج على وتر رفيع، وأنا رحى تدور، الدوران فن ياقمر ، يجعلنا نصول ونجول ، أنا فارس يحرث بحصانه الصحراء ، أو عازف يعامل آلته مثل ساحر، وخيط القمر يزداد توترا ، يصبح وترا يشدو ، يعزف دوراننا ، دوراننا نشيد يا قمر.
الليلة غافلناهم ودرنا ، كأننا لسنا هنا ، والمخيم بستان, وهم زالوا، أوماتوا , نحن في بستان , وكفى ، ندور مع القمر ، نذوب ونمتزج ، ننصهر ونختلط ، نصدح بلحن البستان ، أنا العابر صحن المحراب ، فيه أذوب ، أنا الصادح بنشيد البستان المفقود.
في لحظة انشد الخيط ، صرنا كمن يهوى ، في لحظةٍ داست أقدام على السماء ، والأرض والجدران ، والهواء ، والماء ، واليابسة ، والسائلة ، أقدام انتشرت فوق رأسي ، وصدري ، وقدميّ ، قبضت على نشيدي ، وصوتي ، ولهاثي ، وأنفاسي ، عضّت على شهيقي ، وزفيري ، ونبضي ، وضغط دمي .
الدنيا أقدام .
أقدام تدق باب البيت بجنون ، تهوى على الخيط المشدود ،أقدام تهرس قرميد بيتي، وفى معدتي تجوس .
كنت مشدودا من عنق رأسي ، معلّقا .. عاريا كنت، كما عملني الله .
حملقوا عجبين في عريي ، فأنا كنت أفعل ما يفعله الرجال .. أنا اكتشاف .
ضبطونا في أوج اللّحن ، قبل أن يكتمل اللحن ، ويصل ذروته ، لم يصل اللحن إلى ذروته .
ساقوني ، وتركوا محرابي يبكى داخل اللحاف الملفوف ، صفدوا قبضتيّ ، وعقلي ، وقلبي ، ورئتيّ ، دفعوني إلى العربة ، وقبل أن يقفلوا نصفىّ العلويّ بكيس الخيش سرقت نظرة إلى السماء ، كان القمر يهوي مذبوحا ، والخيط خلفه يجري.