وداعا راديو BBC عربي
الكاتب مجدي شندي | القاهرة
كنت أتمنى أن تزول بريطانيا ولا تتوقف إذاعة بي بي سي عربي ، زوال بريطانيا كان يعني كتابة الصفحة الأخيرة لقوة استعمارية عاتية نهبت مستعمراتها وطغت على أهلها وسلمت بلدانا لاستعمار آخر أشد وأطغى كما حدث في فلسطين السليبة ، أما BBC فكانت نافذة تنشر النور ، نافذة للأخبار والموسيقى وثقافات الشعوب، تحلت بقدر لابأس به من المصداقية في زمن انعدام المصداقية. أذكر يوم 6 أكتوبر 1973 (وكانت الثقة لازالت مفقودة في الإعلام المصري إثر بيانات النصر الزائفة في 1967) لم يطمئن قلبي إلا حين سمعت عبر أثير BBC أن الجنود المصريين عبروا قناة السويس ويكبدون الإسرائيليين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
كانت بي بي سي نافذة الفقراء والبسطاء للمعرفة في زمن لم تكن فيه وسائل الاتصال الجماهيري متاحة، وقتها كان جهاز الراديو ملازما لي أينما ذهبت في صحوي ونومي، وقد تكون سببا رئيسيا من أسباب حلمي العمل بالإعلام، بينما كنت أعد نفسيا لدراسة الطب والجراحة ، وفي النهاية تغلب الإعلام وكانت بي بي سي رافدا من روافد هذا التحول، وحين بدأت مداخلاتي على المحطة والمملوء يقينا بانتصار الثورة ابتداء من مساء 28 يناير 2011 وانتهاء بمساء 11 فبراير مبشرة بانتصار الثورة ورحيل مبارك ، كان ذلك إيذانا بانتهاء عهد وبدء عهد جديد .. اتضح بأثر رجعي أنه لم يكن أفضل من سابقه.
هذه آخر ساعة لبث راديو BBC ، لذلك أودعه بما يليق به. تحية واجبة لكل العاملين في بي بي سي من زملاء وأصدقاء وأساتذة على مر الأجيال ابتداء من كمال سرور الصوت الذهبي المصري الذي قرأ أول نشرة عام 1938 وانتهاء بمحمود المسلمي الذي يقرأ آخر نشرة أخبار.. وهذا ما كتبته يوم 29 سبتمبر 2002 وقت إعلان توقف المحطة.
(وفاة بي بي سي عربي عن عمر يناهز 84 عاما)
أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية الـ”بي بي سي” انها ستلغي مئات الوظائف عبر الخدمة العالمية مع إغلاق المحطات الإذاعية في إطار خطّة لإعادة هيكلة المحطة. وأعلنت الهيئة في بيان لها انه سيتم إلغاء 382 وظيفة بموجب المخطط المدروس، وإغلاق راديو “بي بي سي عربي” وراديو “بي بي سي الفارسي”.
وقالت “إن التضخم المرتفع والتكاليف المرتفعة وتسوية رسوم الترخيص النقدية الثابتة أدت إلى خيارات صعبة عبر هيئة الإذاعة البريطانية”.
وتعد بي بي سي العربية أكبر وأقدم خدمة إعلامية تطلقها بي بي سي بلغة غير الإنجليزية، وقد واصلت تطورها منذ انطلاقها في 3 يناير عام 1938 حتى صارت في مقدمة المحطات الإعلامية في العالم. وكانت تعرف منذ نشأتها وحتى التسعينات بـ «القسم العربي بـ هيئة الإذاعة البريطانية». وبالافتتاحية الشهيرة «هنا لندن: هيئة الإذاعة البريطانية» وقد أصبحت الافتتاحية في فترة التسعينات «هنا لندن: بي بي سي».
وكان من أشهر مذيعي بي بي سي العربية عبر العصور: – أحمد كمال سرور، أول مذيع يقرأ نشرة في بي بي سي العربية في عام 1938 – حسن الكرمي الذي قدم برنامج قول على قول ثلاثين عاماً متتالية – ابراهيم عبدالله – عيسى صباغ، وهو من أوائل المذيعين في بي بي سي – ماجد سرحان – مصطفى عبدالله – عمر ابراهيم الدسوقي – سامي حداد – جميل عازر – أحمد فتحي – مديحة المدفعي – افتيم قريطم -ماهر عثمان – محمد الأزرق – هدى الرشيد – سالم كايد العبادي – سلوى جراح – حسام شبلاق – أيوب صديق – رشاد رمضان – محمود المسلمي – فؤاد عبدالرازق – محمد صالح الصيد – علي أسعد – إسماعيل طه – جورج مصري – نورالدين زورقي – حسن ابو العلا – الطيب صالح – كارم محمود. وانتهاء بديمه عز الدين ونوران سلام و حسن معوض وصفاء فيصل ومحمود مراد ، وغيرهم من عشرات النجوم الزاهية.
وتعليقا على هذه الخطوة التي تحرم ملايين المستمعين العرب من خدمة ألفوها منذ صغرهم قالت فيليبا تشايلدز، رئيسة نقابة الإذاعة : تشعر النقابة بخيبة أمل لرؤية التغييرات المقترحة على الخدمات التي أعلنتها الخدمة العالمية لهيئة الإذاعة البريطانية اليوم. وتضيف: في حين أننا ندرك أن بي بي سي يجب أن تتكيف لمواجهة تحديات المشهد الإعلامي المتغير، فإن العمال هم الذين يتضررون مرة أخرى من القرارات السياسية التي تتخذها الحكومة بشكل سيئ. وتابعت: بالإضافة إلى التداعيات المحتملة على سمعة “بي بي سي” على مستوى العالم، ستؤثر هذه المقترحات بشكل مباشر على الأشخاص الموهوبين والمتفانين الذين يعملون بجد لتقديم خدمات إخبارية مهمة للأمة وخارجها.
وتقول هيئة الإذاعة البريطانية: إن عادات الجمهور آخذة في التغير وإن المزيد من الناس يصلون إلى الأخبار عبر الإنترنت، وهو ما يعني، أنه في ظل تجميد تمويل “بي بي سي” من الحكومة وزيادة تكاليف التشغيل، فإن الانتقال إلى “الرقمية أولا” يبدو منطقيا من الناحية المالية.
ومن المقرر أن تتوقف الخدمات الإذاعية باللغتين العربية والفارسية وسبع لغات أخرى، إذا تمت الموافقة على المقترحات من قبل الموظفين والنقابات.
(على المستوى الشخصي ظل لدي أمل طوال 11 عاما في زيارة مقر BBC في لندن للحصول على تسجيل لمداخلاتي من ميدان التحرير أثناء ثورة يناير 2011 ، كانت المداخلات تتم بمعدل مرتين إلى 3 مرات يوميا على مدى أيام الثورة الـ 18 ، وللأسف يخلو أرشيفي منها)