ترجمة

الزواج من سامبا

بقلم: سوزانا بيسولي
ترجمة: أسماء موسى عثمان| عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للغات بالمنصورة في مصر

الليلة الماضية ذهبت إلى السينما بصحبة سامبا، حيث كان يقام عرض للسينما الإفريقية ولأنه كان على وشك السفر إلى السنغال ولم نكن نلتقى منذ فترة، كان بإمكاننا الذهاب إلى السينما. كان الفيلم مملاً . تدور أحداثه حول ملك إحدى البلدان الإفريقية، يغرم بفتاة قروية. كانت تلك الفتاة تحب شخصًا آخر، لكن الملك كان يريدها، فأخذها بالقوة، دون أن يعلم أنها حامل. وعندما ولد الطفل، ظن الملك أنه إبنه، وهنا تبدأ قصة من اللعنات والصراعات الرهيبة. يا له شئ ممل لكن بالنسبة لسامبا، إنه فيلم جيد، ولست أدرى إذا كان يقول ذلك فقط ليسعدني، لكن الفيلم لم يكن واقعيا، فمن المتعارف عليه أنه إذا اختطف الملك إحدي النساء تخلص من حبيبها، ليس واقعياً أن يتحول الأشخاص إلى طيور وكذلك النمر الذي يتحول إلى إنسان، على النقيض بالنسبة لسامبا، هذه أشياء عادة قد تحدث. على أية حال كنا نتكلم عن الفيلم بينما كنا نتوجه إلى منزلي سيرا على الاقدام لأنه ترك شاحنته أسفل المنزل. كم يسعدني أن أرى سامبا الآن، إنني أحسده لحظه الوافر، فأخوه خياط ماهر، يحيك له سترات في غاية الأناقة. منذ ثماني سنوات كنا قد تعرفنا أنا وسامبا ببعضنا البعض. كنا نلتقى كل صباح في الأتوبيس، وكنت أعمل ككاتبة فواتير في إحدى محال الأدوات الصحية في منطقة صناعية، بينما كان هو يبيع أشياء أمام المتجر المجاور لي . في البداية، كنا نتحدث باللغة الفرنسية، وكم كان رائعًا أن نحكي لبعضنا البعض أحلامنا باللغة الفرنسية في صباح بعض الأيام الشتوية أثناء سيرنا على الطريق المؤدي للسوبر ماركت، و عندما كانت تراسله عائلته كان يجعلني أشاهد صورهم، ويقول بالفرنسية : هذه أمي، هذا أبي ، هذه أختى . وكان هذا شيئًا جميلاً أيضًا . أذكر أننا كنا مستندين إلى حائط أسمنتي صغير، ويوجد في أعلاه ثقوب بها قطع من الثلج وبينما كنا نتكلم كنت أكسر تلك القطع الثلجية بإصبعي .
في ذلك الوقت كان هو مهاجرًا غير شرعي، وأنا لم أكن أعرف ماذا أفعل بحياتي ، فكان يبدو لي الأمر وكأنني قد أخطأت في كل شيء، وأنني سأظل في ذلك المتجر حتى الشيخوخة، أشرح للزبائن مدى سهولة إستخدام البيدية. ثم ذهب هو إلى مدرسة لتعلم اللغة الإيطالية، وكان قد تمكن من الحصول على الإقامة، وقد عرض عليه شاب إيطالي العمل معه في إحدى الشركات، وها هو الآن قد إشترى شاحنة، فهو خبير في تلميع الأرضيات، ويتجول في أرجاء المدن الثلاث التي تحمل اسم فينيسيا ويحصل بذلك على أموال أكثر مني. ولكن هنا في الشمال- الشرقي تعتبر الحياة غريبة، وهذا هو الشئ الذي كنا نتحدث عنه دائمًا. فمن لديه عمل يعمل كثيرًا جدًا و يعتقد أنه ليس لديه وقت لعمل أي شئ آخر، ولكن يرجع ذلك لكونه لا يملك الشجاعة للتوقف عن العمل کی لایشعر بالفراغ الذي حوله. في الأونة الأخيرة كنا نتحدث كثيراً أيضًا عن لم شمل الأسرة و كيف أنه من الغريب أنه لم يرى حتى الآن إبنه الذي تجاوز عمره أكثر من عام. نعم، كان سامبا قد تزوج منذ أربع سنوات. كانت لحظة فارقة في عمر صداقتنا. تلك الليلة، بينما كنا جالسين في المنطقة المكشوفة في محل البيتزا هذا،
قال إنه في الشهر القادم سوف يتزوج. شعرت على الفور بإهانة لأنه لم يحكي لي أبدًا عن أي إمرأة . فسألته أين تعرف عليها فأجاب قائلاً أنه لم يكن يعرفها . كان والداه قد اختاراها له. فكان ينبغي عليه أن يذهب ليتعرف عليها، وبعد بضعة أيام سيتزوجا. كانت فكرة الحكم المسبق قد فرضت نفسها على طاولتنا و كان على أن أتخلص منها بصعوبة كي أتمكن من النظر في عيني سامبا من جديد، قولت له:”وإذا لم تعجبك؟” أجاب:”إذا كانت تعجب والداي، فلا بأس بالنسبة لي”. ذهب، وفعل ذلك. كان أمراً غير مفهوم بالنسبة لي. لكنهما كانا يبدوان عاشقين تمامًا في الصور. وكان يبدو على وجهه انطباع خجل لم أعهده فيه من قبل. كانت هي في ريعان الشباب، وكان جمالها حاداً مثل جريس ونز. وكانت تسريحة شعرها في غاية الإتقان، وأظافرها ملونة دائمًا. في النهاية كان إحترامي لزواجه “الأعمى”، واحترامه لكوني على علاقة برجل متزوج بأخرى، وله أولاد، قد جعل من صداقتنا شيئًا قيمًا ورقيقًا بالفعل. وكان هذا يعطيني إحساسًا كمن قطع شوطًا من العمل وبدأ يؤتي ثماره . حقًا، لا أدرى كيف حدث أنه عندما وصلنا أسفل المنزل سألني: – هل تتزوجینی؟ و قال أنه منذ وقت طويل وهو يفكر في هذا الأمر، وتحدث فيه أيضًا مع عائلته. قال لي: لو لاحظتي جيدًا لوجدت أنني كنت أتى إليك على الفور في كل المرات التي كنتي تتصلين بي فيها . ربما من الأفضل أن أتخذ إمرأة أصغر سنًا كزوجة ثانية، لكنني أحبك، أنت وحيدة وليس لديك أولاد، بإمكاني أنا أن أعطيكي أولاداً، وأن أكون بجوارك في كل الليالي، فليس من الجيد أن تظل إمرأة بمفردها. كان سامبا يقول ذلك وهو متأثرًا ، فلم يكن وجهه كعادته ، فأخذني الخوف وشعرت بشيء من الألم من أن أضطر للدفع بالحجج وتقديم المبررات لمثله من الذكور الذين يزهون بأنفسهم. كان يقول، إن رغبتي، سنتزوج ولو في الحال، بينما كان ذراعاه ملتفين حول عنقى. ذكرته، حتى وإن كان الأمر يبدو غير ملح، إننى لدى صديق بالفعل. أجاب: نعم، ولكن لماذا لا تعيشان معًا، لماذا لا تنجبا أطفالاً ،بإمكاني إعطائك أطفالاً، مازلت شابا، وأنت في الأربعين من عمرك. ولدت أختى عندما كانت أمي في الخمسين من عمرها، إذا يمكننا أن ننجب إثنين أو ثلاثة. عديني أن تفكري في الأمر. وعدته أن أفكر، وفي الحقيبة كانت العلبة التي تحوى حذاء إبنه تصدر طقطقة. قلت له:” رحلة سعيدة”، و أعطيته الثلاث قبلات المعتادة ثم تركته هناك على الرصيف.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. عندما تترك الاختيار للعائله وليس لقلبك تكون النتيجه كارثيه. الكثير من المجتمعات العربيه يتبعون الاداه والتقاليد. مثل الزواج من العائله فقط او الاختيار يكون الام هي التي يجب عليها اختيار زوجه الابن. لكن بعد حين سيشعر الزوج ان القرار خطا و وكثير من الاخطاء لا نستطيع اصلاحها

  2. جميلة القصة وتحمل العديد من المعاني رغم أنها قصيرة وتتسم بالحرفية في الوصف القصير الذي يجعلنا نتخيل الموقف ونعيش معه

اترك رداً على Fatma Ahmed إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى