مقال

نوستالوجيا

د. أسماء السيد سامح

في الماضي كان الاقتراب من هاتف المنزل محظوراً وممنوعاً إلا على الوالدين وإذا رن الهاتف تتعالى أصواتهم من بعيد لا أحد يرد..في الماضي كان الأب عملاقاً كبيراً، نظرة من عينه تخرسنا وضحكته تطلق أعياداً في البيت.. وصوت خطواته القادمة إلى الغرفة تكفي لأن نستيقظ من عميق السبات.. في الماضي كانت المدرسة التي تبعد كيلومترات قريبة لدرجة أننا نمشى إليها كل صباح، ونعود منها كل ظهيرة، لم نحتاج إلى باصات مكيفة، ولم نخش على أنفسنا، ونحن نتجول في الحارات.. في الماضي لم تكن هناك جراثيم على عربات التسوق ولم نعرفها في أرضيات البيوت، ولم نسمع عنها في إعلانات التلفزيون، ولم نحتاج لسائل معقم ندهن فيه يدينا كل ساعتين لكننا لم نمرض.

في الماضي كانت للأم سلطة، و للمعلم سلطة، و للمسطرة الخشبية الطويلة سلطة نبلع ريقنا أمامها، وهي وإن كانت تؤلمنا؛ لكنها جعلتنا نحفظ جزء عَـمَّ و جدول الضرب، وأصول القراءة و،كتابة الخط العربي، ونحن لم نتعد التاسعة من العمر بعد.. في الماضي كان أبن الجيران يطرقُ الباب و يقول أمي تسلم عليكِم و تقول عندكم بصل.. طماطم.. بيض.. خبز إخوان في الجوار والجدار وحتى في اللقمة.. في الماضي كانت الشوارع بعد العاشرة مساءً تصبح فارغة، وفي الماضي كان الستر في الوجوه الطيبة الباسمة و كانت أبواب البيوت مشرعة للجيران والترحيب يُسمعُ من أقصى مكان وكنا نتبادل أطباق الطعام والآن نتبادل الشكوك وسوء الظن. ⁦

والآن عرفتم من هم الطيبين الذين رحلوا؟ نعم إنها الأنفس التي تغيرت وأعمتها الحضارة كما يقولون: حضارة ألبستنا أرقى أنواع الملابس، و عرتنا من القيم الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى