الإنسان والإنسانية
عصمت شاهين دوسكي
قد يكون من الطبيعي أن أكتب عن الإنسانية فمنذ خمسون عاما وأنا أكتب والمح وأشير في قصائدي ولقاءاتي وأمسياتي الأدبية وكتبي الصادرة في أمريكا والمغرب وسوريا وبغداد وكوردستان العراق – دهوك ، عن دور الإنسان والإنسانية في الحياة ومهما كانت أسباب التجاهل واللا مبالاة بالأدب والأدباء في هذا العصر الغائر في المادية خاصة على خارطة العالم العربي ،فما فائدة المنصب والصراع على الكرسي والمال والجاه ولا تحمل ذرة من الإنسانية ..؟ وما فائدة الشهادة العليا وأنت بعيد عن الشهادة الإنسانية ..؟،إن لم تكن إنسانا بمعنى الإنسانية الخلقية والضميرية عمليا ونظريا فشهادتك الجامعية العلمية ومنصبك مهما كان ليست له أي قيمة ، ومن هذه الرؤية المتواضعة وبعد زلزال تركيا وسوريا وبعد الدمار والخراب وتشقق الأرض وسقوط وانهيار العمارات والبيوت كسقوط أوراق الشجر والخوف والرعب والقلق والموت بين الأنقاض وصراخ الأطفال والآباء والأمهات والتشرد والنوم في الشوارع في زمهرير الشتاء والبرد والثلج تجلت الرؤية أكثر استغيث مثلما يستغيثون وأصرخ مثلما يصرخون وأبكي مثلما يبكون من هول الكارثة الزلزالية ومصير الإنسان والإنسانية .
وقد ذقت معاناة الإنسان بلا بيت بلا جدران بلا سقف يحميه من صفير الرياح الباردة وهطول المطر وقشعريرة نسمات الإنجماد التي تسري في العظام والإحساس بلا مأوى بلا كرامة بلا معنى والتشرد على أرصفة الوطن بلا رغيف خبز ولا قطرة ماء ولا ملابس تحمي الجسد كأنك تحمل خيبات وضعف وانكسارات وانهيارات ومفاسد وجراحات ومكابدات وآهات وطن الإنسانية وعيون الناس العزائية والمرثية والمبكية تلوح كرايات تميل شمالا وجنوبا شرقا وغربا حيث تختصر ” الإنسان ” أخلاق ضمير حي و” الإنسانية ” الإحساس بالآخر والتعامل السليم والتواصل الكريم ومن هنا تجلى الإعلانُ العالمي لحُقوق الإنسان في ( مُنظمةِ الأُممِ المتّحدة ) عام 1948م، وَورَدت في مادّتهِ الأولى : ” يُولُد جَميعُ الناسِ أحرارًا ومُتَساوِين في الكَرامةِ والحُقُوق.. وهُم قد وُهِبُوا العَقلَ والوِجدَانَ وعَليهِم أن يُعامِلُوا بَعضَهم بعضًا برُوحِ الإخِاء” ..
بعيدا عن التطرف واللون والدين والسلالة والمكان وبلا تمييز بين هذا وذاك وبين قوم وآخر كل الناس سواسية وهذا ما جاء في جميع الكتب السماوية والشرائع علينا احترام الإنسان في ظل الإنسانية المتساوية ومن خلال هذا الأطر الإنساني هبت المساعدات الإنسانية بقوافل مختلفة من المعونات إلى سوريا وتركيا ومنها بأوامر مباشرة من الرئيس مسعود البارزاني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ومساعدة الناس أثر الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا رغم كل التناقضات والسياسات فهنا الهدف السامي إنقاذ الإنسان وتطبيق الإنسانية وكل الدول العربية والعالمية أن تكون مستعدة لهذا الحدث الطارئ الذي يمكن أن يكون في أي مكان في العالم وهذا ما قامت به بعض الدول العربية والعالمية بجسور جوية لتقديم المساعدات الإنسانية كمصر وقطر والإمارات والسعودية والبحرين والعراق وبعض الدول العالمية التي تهتم بالإنسان والإنسانية وفتح الحدود مع ارمينيا من قبل تركيا بعد إغلاق دام ” 35 عاما ” لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وحتى بعض القبائل العربية والكردية في العراق التي ناشدت وتوحدت في إرسال قوافل تحمل مساعدات إنسانية إلى سوريا والشركات التجارية والأشخاص كل حسب مقدرته وقد ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المجتمع الدولي إلى تعزيز دعمه لسوريا وتركيا بعد الزلزال المدمر. وقال إن أول قافلة مساعدات أممية، بعد الزلزال، قد عبرت الحدود عبر معبر باب الهوى إلى شمال سوريا. وقال: ” آلاف المباني انهارت آلاف الأشخاص معرضون لظروف طقس الشتاء الذي لا يرحم ،المدارس والمستشفيات دُمرت الأطفال يعانون من صدمات مروعة وللأسف، نعلم أننا لم نر بعد النطاق الكامل للدمار والأزمة الإنسانية التي تتكشف أمام أعيننا”.
إن الزلزال يعتبر من أقوى الزلازل التي وصلت درجته ” 7 ‘ 7 ” أحد أكبر الكوارث الطبيعية في العصر الحالي، خلف صور مؤلمة ومعاناة تفطر القلب تحتاج إلى جهود بطولية لعمال الإغاثة الذين يصارعون الظروف والوقت لإنقاذ الأرواح بعد وقوع خسارة كبيرة في الأرواح بتواصل ارتفاع عدد الوفيات فيما تتواصل العروض الدولية لإرسال المساعدات إلى أنقرة ودمشق بعد الزلزال القوي الذي ضرب جنوب شرق تركيا الاثنين 6/ 2/ 2023م وامتدت ارتداداته إلى الشمال السوري وعرض الاتحاد الأوروبي ممثلا بدول ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا تقديم يد العون وإرسال فرق الإغاثة. كما عبرت روسيا عن استعدادها لتقديم مساعدات فورية للمنكوبين ” ولنا كلمة في هذه العروض في نهاية حديثنا “. وفي ظل هذه التجليات العصرية والنكبات والمعاناة والكوارث الطبيعية تؤشر الأخلاق والصفات والأعمال والأفعال التي تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات ومن الالتزامات الأخلاقية الإحسان والتضحية والإيثار والرحمة والحنان والمساعدة والتعاون والتفاهم وقبول الآخر وهذه ترشد وتوجه الإنسان إلى سلامة وحسن التعامل مع بني جلدته ،أتعجب من البعض يطلب الإذن لتقديم المساعدة في أزمة زلزالية وبثواني طبيعية غاضبة جعلت الفقير والغني سواسية والكبير والصغير والمتعلم والأمي سواسية والمؤمن والملحد والمتكبر والضعيف يصرخوا جميعا ” يا الله ..” فأي سياسة عند البعض وأي سلوك وتصرف عند البعض لا شفقة ولا رحمة ولا احترام لمعاناة ومصائب البشر ما هي هذه السياسة التي تمنع وصول المساعدات وما دخل السياسة في معاناة ومآسي الناس ..؟ فالذي نجا وتخلص من الزلزال راح يمر بموت آخر وهو ” حي ” موت التشرد والجوع والبرد ونقص المواد الغذائية والمكانية ” السكن ” وتسمع من هنا وهناك هل مسموح أن نساعد الناس ” الإنسانية ” المنكوبة ؟!!! الإنسانية التي لا تشرى ولا تباع بل وضعها الله فينا ، فمساعدة الآخر قبل كل شيء هو واجب إنساني أخلاقي ديني ، ساعدوا مدوا يد العون للناس ولا تبثوا إشاعات كاذبة ترعب الإنسانية بوجود زلازل أخرى ستدمر المنطقة وتسونامي آخر سيجرف المنطقة ،كوارث الطبيعة كبيرة لكن كوارث البشر أكثر مأساوية قلوبهم أدهمت وأرواحهم فسدت ونفوسهم قست وعيونهم رمدت وضمائرهم ماتت ، خفف أيها ” الإنسان ” عن المنكوبين المحتاجين المتضررين الأبرياء أينما كانوا وفي أي زمن كان بكلمة طيبة ومساعدتهم والدعاء لهم وجسدوا معاني الإنسان والإنسانية .