الكاتب _ شريف العجوز | القاهرة
(كادر)
مسلط على شهادات سطرت كلماتها بالإنجليزية ببرواز كلاسيكي أنيق معلقة على حائط داكن اللون
(الكادر) ينسحب بهدوء إلى اسطوانة سوداء توسطها صورة تدور في دائرة مفرغة وبوق جراما فون يحجب الزوايا خلفه وتشدو اديث بياف
Padam… Padam
وضعت هاتفها -بينما (الكادر) يحاول أن يتجاوز نهديها -إلى جانبه بعد مكالمة لم تستغرق سوى ثوان قالت بها
– ألو.. طيب .. في انتظارها
جلست أمام حاسوبها بساق -عار هرب من فضفاض قميصها -يعلو مقعدها بينما أبقت الساق الأخرى حيث موضعها الطبيعي
سحبت سيجارة، أشعلتها، أخذت شهيقا كبيرا وأخرجت زفير بدخان كثيف ونفس يوحي بالاستعداد والترقب للبدء
على (الواتساب) -المفتوح على الحاسوب ويزدحم برسائل سابقة عربية وأجنبية -وصلت رسالة من رقم مسجل لديها
فتحتها، دققت النظر، أطفئت سيجارتها، أشارت لكلمات على الشاشة، تحاول بها فهم فحوى الرسالة، اعتدلت في جلستها متخذة وضع صحيح للكتابة ووزعت أصابعها على لوحة المفاتيح تترجم نص الرسالة للإنجليزية …
Dear David,
عزيزي ديفيد
I am so happy to know you.
سعيد جدا بالتعرف عليك
I send the attachment of my first message to your company, identity papers and account
Number, your demands, and I look forward to cooperation…
أرسلت رفق رسالتي الأولى لشركتكم أوراق ثبوت الشخصية ورقم الحساب كطلبكم وأتطلع للتعاون مع ……
اقتربت من الشاشة بتركيز تام تترجم رسالة أولى بين هذا الشخص والشركة ويجب أن تكون حذرة في دقة الترجمة فكلمة واحد بمعنى مختلف كافية لتوصيل صورة مخالفة للمقصود فتضيع فرصة قد تكون الأولى والأخيرة لهذا الشخص
These are all the documents required to start your company’s activity here, and I will be ready for any inquiries.
هذه هي كل الأوراق المطلوبة لبدأ نشاط شركتكم هنا وسأكون مستعدا لأي استفسارات
Accept my regards
تقبل تحياتي
انتهت من الترجمة، ردتها على الرسالة السابقة
رن هاتفها قامت، أمسكت به …..
– مفيش مشكلة، خليها معاكي أما أقابلك، خليهم متحوشين … هههه… ماشي نتقابل بكرة
ساعات بين العشية وضحاها سكون يخيم على (الكادرات السابقة) وإضاءة خافتة
كادر جديد مسلط نحو الباب الرئيسي للشقة، فتحت الباب باندفاع، خلعت حذائها، ألقت به جانبا، ألقت بحقيبة يدها -كذلك -أسرعت نحو حاسوبها، فتحته، رن هاتفها ..
– أيوة حاضر حاضر … هو المرة اللي فاتت مستعجل والمرادي مستعجل! …. فاهمة فاهمة حاضر .. مع السلامة
أنهت مكالمتها، ألقت بهاتفها جانبا، وكذلك الـ (الجاكت) وصلت الرسالة، وزعت أصابعها على لوحة المفاتيح، تصببت عرقا بالرغم من برودة الجو، هذه الرسالة ستكون مصيرية بالنسبة له، ولابد أن تكون الترجمة دقيقة، سارعت عيناها تتفقد السطور محاولا اكتشاف فحوى الرسالة لتطمئن قبل الشروع في الترجمة، تمتمت، بكلمات تفهمها، تبسمت، ارتسمت شفتها بفرحة عارمة، عدلت جلستها، بدأت في الترجمة
Our dear partner
We received your letter with pleasure, it was sufficient to clarify the information, we were also pleased with what we found in your CV, and we are honored to cooperate with you and start the procedure immediately
شريكنا العزيز
تلقينا رسالتك بصدر رحب، وكانت كافية لتوضيح المعلومة، كما أسعدنا ما وجدنا في سيرتك الذاتية، ويشرفنا التعاون معك والبدء الفوري في الاجراءات
We hope to prepare a partnership contract between your office and our company, explaining your fees as a legal advisor to the company in Egypt and we wish you success
نرجو اعداد عقد شراكة بين مكتبك وشركتنا موضحا به أتعابك كمستشار قانوني للشركة في مصر ونتمنى لك التوفيق.
انتهت من الترجمة، أرسلتها، قامت، أشعلت سيجارة مبتهجة، شعرت بالبرودة، احتضنت أكتافها تتحسس برودة الجو، رن هاتفها، أجابت
– أيوة … طيب ماشي، قوليله عندك عزومة العقد الجديد وبلغيه مبرك (مبتسمة)
أنهت المكالمة مازال الجرامافون تدور أسطوانته السوداء في دائرة مفرغة، تشدو اديث بياف
Hold me close and hold me fast
ضمني قريباً منك وضمني بسرعة
وضعت هاتفها بجانبها، وسيجارتها، استلقت على فراشها، أخذت شهيقا كبيرا، اخرجت زفيرا طويلا، سلمت عيناها لسبات عميق.
رن الهاتف، مكالمة من مكتب الترجمة، فتحت عينها وثبتتهما محاولة استيعاب الاشياء حولها، انتبهت لرنين الهاتف، قامت مسرعة ، التقطته …
– صباح النور!.. حاضر .. منا اتعودت خلاص مستعجل .. حاضر ، سلام
وردت الرسالة بالعقد المطلوب في أخر رسالة ، شرعت في الترجمة ، التقطت هاتفها
– ايوة ، قوليله الكلمة دي لو ترجمنها كده هتدي معنى تاني …….. انا فاهمة إن انجليزي القانون مختلف ، لا .. لا ، مش عاوزة اكلمه ، طيب منتظراكي
قامت فتحت ستائر شرفتها، أسرعت أشعة الشمس في شوق لدخول الغرفة، تفتح لها ذراعيها، رن هاتفها، صمت، وصل الرد على (الواتساب)، أكملت الترجمة، انتهت، أرسلت العقد مر الوقت، جلست على فراشها مستجمعه ساقيها بين ذراعيها ، متكئة برأسها بينهم ويدها تستغيث من حر السيجارة التي نستها مشتعلة ، رن هاتفها ، هرولت له
– ايوة طمينني ، أنا .. لا، وههتم ليه، الواحد بس مش عاوز مجهوده يضيع، طيب حاضر، حالا
أغلقت الهاتف، وردت الرسالة
Success partner
Good day
Your contract was signed and thus you became our legal advisor, and we are pleased to meet you next week and please meet us at the airport on … the next plane in the hour
شريك النجاح
طاب يومك
تم توقيع عقدك وبذلك أصبحت مستشارنا القانوني، ويطيب لنا مقابلتك الاسبوع المقبل ويرجى استقبالنا بالمطار يوم … الطائرة القادمة في الساعة…..
تركت الحاسب، قفزت من جلستها فرحا، أدارت أسطوانتها تشدو ايدث بياف
Je revois la ville en fête et en délire
من جديدٍ. أرى المدينة هائجةً، محتفلة
حان الموعد، وقفت أمام المرأة تستعرض أنوثة كانت تخفيها وأصبحت في أتم استعدادها للقاء، هو اليوم الأول الذي ستلتقي به، ولا أنسب من هذا اليوم لمقابلته، وستكون حجتها التطوع بالترجمة، خرجت، ابتاعت زهورا تروق لها، توجهت للمطار، وسعادتها العارمة تحاول سباق الوقت إلى حيث المطار، وصلت صالة الوصول، هندمت ملابسها، سارعت حيث موعد الرحلة ومكانها، عثرت عليه، مازال الوقت مبكرا لتفتح الحديث صوت ايدث بياف في اذانها
Et perdue parmi ces gens qui me bousculent Étourdie, désemparée, je reste là …
وأبقى هناك..مذهولةً، عاجزة ، ضائعةً بين الحشود التي تدفعني
، همت إليه بابتسامة عريضة، استوقفتها ، طفلة تجري إليه وتناديه بابا ، تراجعت ابتسامتها ، قَبل طفلته ، عادت إلى سيدة ، – ترمقها وهي تريد تكذيب المشهد – تجلس بالقرب احتضنت الطفلة ، نادتها بماما ، تراجعت خطوات للخلف مسحت دموعها ، تلفت يمينا ويسارا تخاف أن يفتضح أمرها، لاحظها، عقد حاجبيه تأثرا بحالها ، أومأت إليه وهي تختم همهمتها وتحاول الابتسام ، بادلها نظرة استغراب، ولت عنه و ألقت زهورها جانبا ، عَلىَ الجرامافون في غرفتها بصوت اديث بياف
Ne me quitte pas
لا تتركني