سياسة

سموتريتش ليس فردا بل حكومة

ناصيف معلم-فلسطين

يركز الحديث الفلسطيني والعربي هذه الأيام على الأوكراني سموتريتش الذي ينفي وجود الشعب الفلسطيني، وعن بن غفير الكردي الذي حرق حوارة، كأنهما يختلفان عن باقي اعضاء حكومتهم بقيادة المتطرف البولندي نتانياهو، وتاجر الأديان الداعشي المغربي آريي درعي من حزب شاس. وهناك الكثير من هذه الموسطرة مثل نير بركات من الليكود، والذي شغل منصب رئيس بلدية القدس من عام 2008 لغاية 2018، والذي غَيَر طبيعة عاصمتنا وهَوَدَها، وهناك مير بورش من حزب يهودات هتوراة الذي يُحَرِم الحديث مع الفلسطينيين. وأيضا، هناك اُوفر سوفر من الصهيونية الدينية الذي يطالب بإقامة ما يسمونه “مملكة الله” من النيل للفرات، وهو أكثر تطرفا من رفيقة سموتريتش. لذلك، من الخطأ السياسي الاستراتيجي تجزئة الحكومة الإسرائيلية الحالية، إذ تحصل هذه التجزئة بحسن نية ممن لا يعرفون حقيقة برنامج هذه الحكومة الذي تم اقراره قبل الإعلان عنها، وهناك البعض الاخر الذي يتعامل بسوء نية ضد قضية شعبنا الفلسطيني الذي يختزل موقفه، ويرفع صوته ضد سموتريتش وابن غفير، وكأن باقي أعضاء الحكومة ناس محترمة غير متطرفة.
لا يا سادة، سموتريتش وبن غفير واضحان بتصريحاتهم عندما يتحدثون عن “مملكة الله”، وعن نفيهم لوجود الشعب الفلسطيني، وعن الموت للعرب، وعن التهجير، هذا ناهيك عن إباحة الدم، والقتل، والحرق، واغلاق الطرق، وتنظيم المستوطنين في جيش يحمل السلاح. باختصار شديد جدا، هذا هو برنامج الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة نتانياهو، والذي، حقيقة، لا يختلف عن برنامج الحكومة الإسرائيلية السابقة بقيادة لبيد، الذي بدوره أشعل هذه النيران، والذي باشر بهذه العمليات، والذي بارك تسليح المستوطنين لانزال العلم الفلسطيني في بلدة حوارة صيف العام الماضي. فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بيسارها ووسطها ويمينها هي حكومات فاشية معادية لشعبنا الفلسطيني، وتحمل نفس برنامج سموتريتش وبن غفير، إلا ان تلك الحكومات كانت تفهم في الدبلوماسية، وكانت تتقن استعمال الماكياج لتجميل وجهها البشع.
ولإلقاء الضوء أكثر، اضع بين اياديكم ملخصا لتوجهات ومواقف الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي، والتطرق لتوجهات عدد من أحزاب المعارضة ايضا:
أولا: حزب الليكود: حزب يميني متطرف لا يؤمن بالسلام مع الفلسطينيين، وهو ضد إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967، وسقف برنامجه حكم ذاتي للفلسطينيين في مناطق “أ”، وبعض مناطق “ب” فقط، وضم مناطق “ج” لدولة الاحتلال، ويرفض أصلا الحديث عن القدس، واللاجئين، والمياه، والحدود، والمستوطنات.
ثانيا: حزب شاس: هذا حزب ديني سلفي يميني رجعي، كانت اهتماماته في القرن الماضي بحُرمِة يوم السبت، وزيادة حصص الدين اليهودي في المدارس، وفصل الذكور عن الاناث، كانوا يَرَونَ ان الاهتمام بالدين وبوزارة الأديان يُمَكِنَهُم من الحصول على الغنائم المالية، لكن منذ 23 عام، تصهينوا سياسيا، وهم ضد أي انسحاب إسرائيلي من أي شبر من الضفة الغربية التي يسمونها يهودا والسامرة.
ثالثا: حزب الصهيونية الدينية: وهو حزب ديني رجعي سلفي، وسفلي يؤمن بان التوراة أعطت الحق لهؤلاء بإقامة دولة يهودية في فلسطين، ولا يعترفون لا بالشعب الفلسطيني، ولا بالحقوق الفلسطينية في فلسطين التاريخية، سواء في الداخل المحتل 1948، او في حدود 1967.
رابعا: حزب عظمة يهودية: حزب سياسي ديني يميني إرهابي، وهو امتداد لحركة كاخ التي كان يتزعمها الإرهابي كهانا، الذي أعلن شعار “الموت للعرب”.
خامسا: يهودات هتوراة: حزب ديني يهودي متشدد، يعتبر تعاليم التوراة مرجع لسياسة دولة الاحتلال الداخلية والخارجية، يدعو هذا الحزب لإقامة الدولة اليهودية التي تحكمها القوانين الدينية، وهذا التجمع الحزبي يرفض ويُحَرِم المفاوضات والسلام مع الفلسطينيين.
سادسا: حزب العمل: هو الحزب الذي اقام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وهو الحزب الذي احتل ما تبقى من فلسطين عام 1967. يتحدث هذا الحزب عن المفاوضات والسلام مع الفلسطينيين امام العالم. يتحدث عن دولة فلسطينية دون القدس، ودون اخلاء المستوطنات، ودون الأرض الذي ضمها الجدار، ودون الشوارع الإقليمية، ودون الغابات الفلسطينية، ودون حدود للفلسطينيين، ودون تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ولديه استعداد للمفاوضات حول الكيان الذي سماه ترامب دولة، أي إن هذا الحزب لا يعجبه ربع الدويلة التي اقترحها الرئيس الامريكي، بل يريدون قَصقَصَتِها اكثر ما هي مُقَصقَصَة. ..الخ.
سابعا: حزب يوجد مستقبل: حزب يسمي نفسه حزب صهيوني يساري، يمثل ويهتم في الطبقة الوسطى، اسسه رئيس الحكومة السابقة لبيد، الذي أشعل المواجهات العام الماضي في حوارة خلال معركة العلم الفلسطيني. هذا الحزب يستعمل مصطلحات مثل دولتين لشعبين امام الصحافة العالمية، لكن بعد استلامه للحكم تراجع عن ذلك، ويتحدث اعضائه عن دولة فلسطينية تشبه تلك التي يتحدث عنها حزب العمل، والتي تحدث عنها الرئيس الأمريكي ترامب، أي بلديات في الهواء اسمها “دولة”.
ثامنا: حزب إسرائيل بيتنا: تأسس عام 1999 من قبل المتطرف ليبرمان، وهو حزب يميني قومي متطرف يهتم بإحلال المهاجرين مكان الفلسطينيين، وهو يطرح التهجير للفلسطينيين.
تاسعا: الأحزاب الأخرى: وهي أحزاب دينية صهيونية متطرفة، وأخرى عربية متقاربة في مواقفها، باستثناء حزب منصور عباس البراغماتي، وهناك الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية. لن اخوض في تفاصيل هذه الأحزاب الان.
قد يسأل القارئ، ما دامت هذه الأحزاب متشابهة في سياساتها ومواقفها السلبية من الشعب الفلسطيني، فلماذا هناك معارضة في الداخل من قبل هذه الأحزاب؟ ولماذا هناك مظاهرات ضد حكومة نتانياهو؟
نعم، سؤال جيد، فالحكومة الإسرائيلية الحالية تتكون من الأحزاب الصهيونية الدينية المتطرفة الرجعية، ورئيسها “نتانياهو ضعيف-دلدول”، والقوة مع الأحزاب الدينية التي تريد اجبار شعوبها على عبادة العِجل وإقامة الدين في مالطة، يريدون الرجوع لثلاثة الاف عام، والعيش حسب المبادئ الدينية الرجعية المتخلفة، واغلاق كل شيء يوم السبت، وفصل البنات عن الأولاد، وزيادة حصص الدين في المدارس، واجبار النساء اما حلاقة شعرهن او إما تغطية رؤوسهن، واغلاق البارات والنوادي الليلية، واغلاق الملاعب يوم السبت، وغيرها من القيود الاجتماعية. اما المتظاهرين، او المعارضة، فهي أحزاب صهيونية قومية علمانية، لا تريد العيش بالتعاليم الدينية اليهودية، بل تريد العيش بانفتاح كما هو في الدول الغربية، ومعظم قيادات أحزاب المعارض إما علمانية او اما وجودية (ملحدة-لا تؤمن بالله ولا بالنبي موسى) لكنها تصبح مؤمنة ومتدينة عندما يتعلق الامر بفلسطين والدولة الفلسطينية، فيتاجرون بالخزعبلات الدينية، وعلى رأسها كذبة شعب الله المختار، وارض الميعاد، والكلام الديني الذي تم صناعته لخدمة القوقازيين الذي هاجروا الى فلسطين في الماضي وسموا أنفسهم باليهود. اما السبب الثاني لنزولهم للشارع والتظاهر، فهو حماية نظامهم القضائي الذي يريد نتانياهو تغييره للهروب من السجن، فهو فاسد، وزوجته فاسدة، ومتهمة بالسرقة أيضا.
بناء على ما تقدم، علينا ان نعي ان الحكومة الإسرائيلية الحالية هي واحدة موحدة، وسموتريتش وبن غفير ما هما سوى أعضاء في هذه الحكومة، والاستنكارات العربية، والفلسطينية لأقوال سموتريتش تأتي بسوء نية لأنها تختزل المواقف الدموية الإسرائيلية بشخص واحد، وليس بالحكومة الحالية القائمة التي لها نفس الأفكار ونفس السياسات والتوجهات والمواقف التي يتبناها سمورتيش وبن غفير.
السؤال الان، ما هو المطلوب فلسطينيا؟
= يجب ان نقرأ التوراة جيدا سواء كانت مُزَوَرة او حقيقية، ففي هذا الكتاب ذِكِر لكلمة “الفلسطينيين” 230 مرة، وحوالي 200 مرة أخرى بأسمائنا الفلسطينية الاخرى مثل الغزيين، والاشدوديين، والكنعانيين، واللطرونيين، وغيرها (راجع كتاب عبد المجيد حمدان على صفحته او من على صفحتي). فما قاله سموتريتس يتناقض عما هو مكتوب بالتوراة المزورة والحقيقية، بالتالي علينا الرد عليه هكذا وليس كما رد عليه السياسيون الفلسطينيون والعرب. لا يا حبيبي، وجودنا هنا ليس منذ مائة عام، ولا ألف عام، نحن هنا سبعة الاف عام قبل مجيء الأنبياء، فنحن بنينا اريحا قبل 10 الاف عام، وبنينا القدس قبل 3500 عام. وعلينا أيضا معرفة جذور سموتريتش، فهو اوكراني، وابن غفير هو كردي، ونتانياهو هو بولندي، وديرعي مغربي، فليرحلوا الى بلادهم، اما اليهود القدماء في فلسطين فجاءوا من القوقاز، بعد ان قذف بهم شعبهم، كانوا عبارة عن مجموعات متخلفة حضاريا، ولم يأتون هنا كما تقول الروايات الأخرى ابتداء من مصر وسيناء وجبال جلعاد في الأردن، وهذا ما كتبه العلماء والمؤرخين الذين كانوا يهودا، وتركوا دينهم بعد اكتشافهم الرواية الحقيقية.
= علينا نحن، ومن حولنا العربُ ان نفحص العشر أغو رات الإسرائيلية التي محفور عليها “مملكة الله”، من النيل الى الفرات، فمصر والأردن ولبنان والعراق وسوريا وجزء من السعودية وفلسطين التاريخية يعتبرونها دولتهم، وهذه العملة الإسرائيلية عمرها 41 عاما، وبالتالي ما جاء به سموتريتش ليس جديدا، بل تأكيد على أفكار كل الأحزاب التي ذكرتها سابقا.
= هناك تغيرات في العالم علينا استيعابها على مستوى النظام الدولي الجديد، فلا يعقل ان نستمر برمي أوراقنا في حضن واشنطن، لا يعقل ان نرى ذنب الفيل ولا نرى الفيل نفسه. فهناك الصين وروسيا اللتان يَكِشون الملك الأمريكي من قيادة النظام الدولي العالمي، وسَيَكِشونه من الشرق الأوسط، علينا تغيير تحالفاتنا، فالأمريكان ليسوا رعاة لعملية سياسية، فهم طرف مع إسرائيل.
= ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وانهاء مهزلة الانقسام البغيض من خلال الوحدة على أسس برامجية
= عقد انتخاباتنا الرئاسية، والتشريعية، ومحاربة الفساد، والواسطة، والمحسوبية، واحترام المواطن
= الاستثمار في القطاع التعليمي، لأنه البناء التحتي للتنمية التي تخلق الاقتصاد والتحرر السياسي
= الاتفاق على البرنامج السياسي الفلسطيني من العام 1988، والذي لا يختلف عن برنامج وثيقة الوفاق الوطني، وثيقة الاسرى والمعتقلين من العام 2006، خاصة ما جاء في البند الأول منها الذي يتحدث عن الدولة الفلسطينية المستقلة من العام 1967، وهذه الوثيقة تم توقيعها من قبل حماس وفتح والجهاد واليسار.
= الاتفاق على برنامج كفاحي ينسجم مع الظروف الذاتية، والأخرى الموضوعية، بحيث يخضع الميداني للسياسي
= اجراء ثورة في الاعلام الفلسطيني باللغات كافة، ورصد موازنة محترمة لهذا الاعلام
= رصد ما لا يقل عن 30% من الموازنة الفلسطينية السنوية للقطاع الزراعي، لان هذا القطاع هو الذي يرجعنا للأرض، وينهي البطالة، ويخلق التنمية الحقيقية، ويبني اقتصادنا الذي يعتبر بوابة تحررنا السياسي.
= علينا مواجهة الأحزاب الدينية الرجعية الإسرائيلية بالفكر العلماني التنويري، أي الاتفاق على بناء دولة فلسطين المدنية الديمقراطية العلمانية التي تلتزم بالعدالة الاجتماعية والمساواة على أرضية المواطنة والولاء لفلسطين، بغض النظر عن الدين، او الجنس، او اللون، او العقيدة، او الرأي السياسي، او الأيديولوجيا. علينا ان نبني ديمقراطيتنا التي تتناسب مع مبادئنا، وتاريخنا، وظروفنا، وقيمنا، وطبيعة حياتنا، وليس بناء ديمقراطية أمريكية ثبت فشلها حتى داخل أمريكا وحلفائها.
= ضبط حركة الشركات الرأسمالية الفلسطينية من خلال تحويل النظام الاقتصادي الفلسطيني من نظام رأسمالي الى نظام مختلط، بحيث يكون للدولة شركاتها، ومصانعها، ومشاغلها لوضع كوابح امام جشع الشركات الرأسمالية الكمبرادورية التي ترفع الأسعار، وتستثمر أموالها خارج فلسطين دون أي مسؤولية مجتمعية للمساهمة في الحد من تصاعد البطالة في صفوف الشباب الفلسطيني.
= حمل ملفاتنا السياسية لأصحابها، أي للأمم المتحدة، وأي مفاوضات يجب ان تكون حول اليات تطبيق قرارات الشرعة الدولية، وليس مفاوضات حول القرارات، كما تريد دولة الاحتلال وحليفتها الولايات المتحدة الامريكية.
= علينا تحصين مدننا وبلداتنا من خلال ردم الهوة بين شعبنا وهيئاتنا المحلية من خلال التعامل معها كما هو اصلها بصفتها “حكومات محلية”، وعلى هذه الهيئات الانفتاح على المؤسسات الاهلية، والأحزاب السياسية، والشخصيات الاعتبارية، والنشطاء، وذلك للارتقاء بالخدمات المقدمة لحفظ كرامة المواطنين، وتعزيز صموده في الفترة القادمة، فالحكومة الإسرائيلية في ظل الدعم الأمريكي والتطبيع العربي، وانشغال العالم في أوكرانيا، ومن تجربتنا في حوارة، قد تكون كل مدينة وقرية فلسطينية هي حوارة، بالتالي علينا الدفاع عن انفسنا، فليس لنا سوى هذا الوطن.
= أخيرا، وهو الأهم، إطلاق مبادرة فلسطينية لتأسيس تحالف الدول العربية المستهدفة، أي الدول العربية المستهدفة بالاحتلال الصهيوني والتي تظهر في خارطة الحكومة الإسرائيلية (وهي اكبر حجما مما عرضه سموتريتش في فرنسا)، والمحفورة في اذهان السياسيين الصهاينة كافة، وتشمل كل من فلسطين، والأردن، ومصر، والعراق، ولبنان، والسعودية، وسوريا، وذلك للاستعداد لما هو قادم لتلافي نكبات جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى