ثقافة الهبل – الكسل

جميل السلحوت | فلسطين

    هل الكسل ثقافة عامّة في الدّول النّامية، وهل هو موروث أم مكتسب؟ وهل يجري بناء الانسان العربيّ ليكون منتجا، أم يجري هدم كيانه الشّخصيّ؛ ليكون عالة على الغير؟ وهل “لثقافة الهبل” دور في تحطيم الانسان في بلداننا؟

رأيت مهاجرين عربا في أمريكا، بعضهم نجح وأثرى وعاد إلى بلاده، افتتح مشاريع، وبنى وعمّر واستثمر، وبعضهم أدمن المخدّرات والكحول فضاع، فما سرّ نجاح من نجحوا؟ ومن خلال مشاهداتي وكثرة أسئلتي حول الموضوع، وجدت أنّ النّاجحين، عملوا بجدّ واجتهاد متأثرين بالنّخب الأمريكيين، حيث ثقافة العمل، فيجمعون دولارات ويفتحون محلات تجاريّة، وكلّما زادت أموالهم زادت استثماراتهم وازداد تعبهم الجسديّ وراحتهم النّفسيّة، وزادت أرباحهم أيضا، وهم في الغالب يعملون أكثر من اثنتي عشرة ساعة يوميّا، ولمدّة سبعة أيّام في الأسبوع. وهكذا.

       بينما في بلداننا كسالى كثيرون، لا يعملون، وإن عملوا لا يستمرّون، ويشكون دائما من قلّة الفرص المتاحة لهم، ويعتبون على الحكومات؛ لأنّها لا تصرف لهم رواتب دون عمل، بل يعتبون على والديهم؛ لأنّهم لم يتركوا لهم ثروات كبيرة يعتاشون منها، وبعضهم يعتب على اخوته وبقيّة أقاربه؛ لأنّهم لا يدفعون له مخصّصات شهريّة! المهم كلّ النّاس من وجهة نظره مقصرّون معه، باستثنائه هو فهو بريء من كلّ شيء، وغير مطلوب منه أيّ شيء، والبعض يتعالى على بعض المهن، ولا يعمل بها؛ لأنّه يعتبر نفسه أعلى منزلة منها وممّن يعملون بها، أمّا أن يكون كما المتسوّلين فلا عيب في ذلك من وجهة نظره!

        ويبدو أنّ الكسل يندرج ضمن ثقافة الهبل الموروثة، وممّا كان يفعله الآباء والأجداد في الرّيف والبادية، حيث كان الذّكور يلتقون للعب “السّيجة”، يدخّنون السّجائر، ويحتسون القهوة بينما النّساء يعملن في الأرض، يزرعن، يحصدن، يرعين الماشية، يحلبن الغنم، يصنّعن الحليب ويعملن منه:”الزّبدة، السّمن، اللبن، الجبنة وغيرها” يضاف إلى ذلك رعاية الأطفال، والغسيل والطّبيخ والكنس. والرّجال يشتكون دائما من التّعب! مع أنّهم لا يعملون شيئا، وفي الوقت نفسه يتساءلون عمّا تفعله النّساء بأسلوب استنكاريّ، يعني أنّهن لا يعملن شيئا؛ لأنّ العمل في “ثقافة الهبل” يعني العمل المأجور فقط!

    والكسل وعدم الطّموح تربية وسلوك سلبيّ، يعتاد عليه المرء منذ نعومة أظفاره. وقد حذّر الدّين من الكسل وعواقبه، وحضّ على العمل والكسب الحلال :

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله فيَحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه.”

   وممّا كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو الله:

 “اللهم إنّي أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدَّين وغلبة الرجال.”

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

 “لا يقعد أحدكم عن طلب الرّزق ويقول: اللهمَّ ارزقني؛ فقد علمتم أنّ السّماء لا تمطر ذهبا ولا فضّة”، وكان يقول: “ما من موضع يأتيني الموت فيه أحبّ إليَّ من موطن أتسوّق فيه لأهلي أبيع وأشتري.”

وممّا جاء في- هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة؛ الشيخ علي محفوظ، ط دار الاعتصام- :

” سمع أحد الأدباء رجلا في الثلث الأخير من الليل يقول:

وأُكرم نفسي، إنَّني إن أهنتها …وحقِّك لم تكرمْ على أحدٍ بعدي  

فأعجبه قوله، فأتاه حتّى وقف على رأسه، فإذا به يقمُّ الشّارع (زبّال) يَبيع القمامة ويموّل نفسه وعياله من ثمنِها، فقال له:

 أنت تقول: أكرم نفسي؟ فأيّ إكرام أنت فيه مع ما تصنع من جمع القمامة؟

 فقال له: إليك عنّي؛ لقد أكرمتها بهذه الحرفة عن ذلّ السّؤال لمثلِك.

 فقال: صدقتَ، وقبَّله بين عينيه.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى