اليتيم (1)

محمد عليبة | مصر

يمر العام تلو العام
تلو العام تلو العمر

و يكبرحلمنا في حضن
آفات الليالي الحمر

و ندرك اننا لا البيض
لا نسل الهنود الحمر

كم استفتحت في الطابور
و التصفيق كم دوى

شكوت فصاحة السفود
في جنبى و ما سوي

و قلت استفرد الشيطان
قالوا بل جنت حوا

انا ليل و ذي الاحزان
تتلوني تراتيلا

و تنشرني على الايام
مبتلا مواويلا

و تلبسني على المقلوب
إن حاولت تأويلا

قرات بشارع التاريخ
بيتا يندب الذكرى

و طفلا ضل منه الضوء
لما أنكر الشكرا

و عقلا فارغ الارجاء
مسلوب الرؤى سكرا

على سبورتي بيت
من الشعر الذي ولي

و أستاذ يدرس لي
و قال الكل : ” قد ضلا

يبث الكفر في الاشعار
لا ما صام أو صلى

بباب العمر ليس رجوع
يهون لوعة الموجوع

و إن جاد الزمان المر
اهدي سمه المنقوع

تريث يا براق العمر
أفتى :”إنه ممنوع “?

تذكرت الطفولة في
شتات الحال في حالي

و مريلتي التي بليت
على قاموس آمالي

و ماء الزير في شفتي
يداعب يومي البالي

سهام البوص أجمعها
اتوا من غير ما دعوة

فمعركة البراءة قد
اطاحت رغوة القهوة

و قام العم ينهرنا
و كنا نشبع الشهوة

نزمزم في امانينا
رؤى تينا وزيتونا

و نعصر حلمنا وجعا
فيكتبنا دواوينا

و كم دسنا برائتنا
فأمسينا ملاعينا

نضمد جرحنا المنذور
في روح المدى نزفا

و نطرح حلمنا المكروب
في اوهامنا عصفا

فنجني من اناملنا
ثمارا أينعت قطفا

و نمضي في الربيع المر
في برد الشتا القاسي

على متن السطور السود
في سرداب قرطاسي

ليوقظنا دخان التبغ
او زنزانة الكاس

و تهدينا يد الايام
ثوبا باليا رثا

و تمطر الغيوم الحزن
لا ما ارسلت غيثا

وتزرع في لحانا الشيب
حقا اتقنت حرثا

نهز بجذع موال
ولا تساقط الأفراح

و نمضي حيث تمضي الريح
نهرب من يد السفاح

فتسلمنا بدار الامن
لصا قاتلا ذباح

نعود بموكب الايام
في بستاننا الغض

نرتل وردنا اليومي
او نمضي الى الفرض

و مجموع الحياة هنا
يساوي الطول في العرض

ستبدأ رحلة التعليم
قالت هكذا امي

فكن فذا بحق الحب
و اقصم سطوة اليتم

اراك بوزن هذي الارض
حقق يا فتي حلمي

وضمتني بصدر لم
يفارق دفؤه صدري

و مر الليل مختالا
و ارهق طوله صبري

بلا كتب ولا قلم
خرجت مهرولا اجري

سامضي في طريق النخل
حتى ابلغ التفتيش

معي صحبي و اخواني
بريئا ارتدي التهميش

أهاجر في خيال الطفل
ريحا اعتدي و أطيش

وصلنا قبل بدء الشمس
رحلة يومها سهوا

بانفاس مقطعة
صرفناها سدى لهوا

فأصل الحب ان تفنى
بمن يا سيدي تهوى

وصاح معلم هيا
إلى الطابور فاصطفوا

شديد ما فتى يهتز
إلا جادت الكف

و يرسل حية رقطاء
حول الظهر تلتف

صباح الجبن و الاذلال
و التنكيل و السب

صباح العلم مطهوا
على اطلالة الرعب

صباح قدم الحملان
قربانا إلى الذئب

وجاء العفو يالله
أن نادوا إلي الفصل

و كان كلامهم لهوا
و ذلك قمة الفصل

إذا شاغبت يا تلميذ
لذ بالضرب و الفصل

فألقتنا سياط الرعب
في زنزانة التختة

عيونا ترتدي قلقا
و قلبا لاعنا بخته

نراقب رنة الاقدام
أو صوتا أتى بغتة

و كانت حصتي الاولى
و مرت كيفما مرت

فلا قلبي بها المسرور
لا امالي اخضرت

و آخر حصة جاءت
مدرسة مسيحية

و قالت تعرفوا (الأولى )
قرأناها سواسية

ونانسي مثل كل الفصل
قالت وهي قبطية

أنا لا ادعي شيئا
وربي عالم يشهد
.
فقد كنا بذاك العهد
لا ندري من استشهد

أمينا كان أم محمود؟
من يستبدل المشهد

رماديون في دمنا
سرى سم الهوى النازي

ظلاميون تسبقنا
عباءة ظالم غاز

يربي غدره السفلي
في انياب قفاز

وراحت ترسم الآيات
حتى ننسخ القرآن

فدقت ساعة التحرير
في زنزانة السجان

لتوقظ في ملاك الصبر
ثورة مارد شيطان

تسابقنا البطون الخمص
نحو الخبز اقداما

و تلفحنا سياط الشمس
احجاما واقداما

فنهرب تحت ظل النخل
، ننمو قامة عاما

هنا التحرير مكتوب
على خيط من النور

و رائحة ترد القلب
من أهداب تنور

رغيف لين غض
ينام بحضن بلور

خطفنا خبزنا المحشو
قسوة يومنا الحافي

قضمنا غلنا الممزوج
في بئر اللظئ الطافي

بأقدام مهلهلة
على مسمار اسكافي

و عانقنا حصير العز
بعد الشوك اقبالا

نمدد روحنا الظمآي
و نخلع ثم احمالا

و نلبس في صلاة الحب
روحا أصلحت بالا

افقنا في صلاة العصر
طفنا السند و الهندا

يباري جسمنا المنحول
صدر يقدح العندا

لنغزو كل رابية
و نحشد طيننا جندا

إذا حل الظلام سرى
وراء خيالنا عسس

بقلب في ضمير الليل
نورا ساقه قبس

علام سترتدي زهرا
إذا ما الناس قد يبسوا

و قبل النوم كل مساء
تدرس لي من الخنساء

و من شوقي و من زرعوا
جمال الكون في الاشياء

و تذكر خير خلق الله
يضئ الليلة الليلاء

و نمضي حيث لا تزييف
للاحلام في الاحلام

و حيث الحبر في دمنا
يسافر في هوى الاقلام

ويكتب في بياض القلب
ما لم تمحه الايام

نسافر حيث كان الذئب
يحرس عشة الخرفان

ويمحو خوفنا السري
حبل جل بالإيمان

نثور على غليظ الكف
حتى نسحق الطغيان

و ديك الفجر صداح
يودع ليلنا الهاني

و هم الطفل في كسل
مخافة يومه الثاني

أنا تعبان يا أمي
و ربى جلد ثعبان

حبيبي قم هداك الله
قل لي ما الذي تخشاه

فتمتم خيفة و مضي
ليرهب خوفه بصلاة

الهي يا خفي اللطف
جد بالعفو يا الله

صحيحي كله ذنب
و ذنبي انني بشر

و صفوي غائم بالمكر
لا برد و لا مطر

و أعشق من سما حبا
و أبغض كل من كفروا

رسمت على قميص الشمس
طفلا عانق الجنة

يهاب الله لا يخشى
بني الإنسان و الجنة

و شب الطفل في جنبي
و أدمن صومه جنة

انا ابن التيه متلو
على شفة الفتى الزنديق

سكبت شقاوتي في البحر
بحرا ينكر التلفيق

أزوج بنت ذاك اليم
في لجج المحيط مضيق

انا المصري في كفي
نمت عن رغمها الاهرام

و جادت في السنين السبع
برا خفف الالام

و القتني على التاريخ
نهجا حطم الاصنام

انا من هدهد التاريخ
في مهد العلا طفلا

انا الصوام محتسبا
اصلي الفرض و النفل

و اسكب مهجتي نيلا
و اشعل حنطتى حفلا

انا وطن الرجال السمر
في اشراقة المعني

اخبئ في ضلوعي الحزن
كيما يثمر المغنى

و اقطف من سنا الاطفال
حبا قيل لا يفني

غزال دوخ الدنيا
ليظهرحسنه الضد

و يرقي بيتنا المسكون
كيما يزهر الود

كأن المسك في دمه
تلاه الخال و القد

اخوض معاركي وحدي
و امضي حيث ألقاني

و تنهرني الأزقة حين
ألقاني فانساني

و اترك بصمة خلفي
فكل الكون عنواني

وتطرحني الفصاحة في
رفوف القهر منسيا

اراقب في سرير الشمس
زيفا يرتدي زِيا

و ميتا لقنوه الكره
لمّا نلقهُ حيا

و مر العام في غمضة
فكل حياتنا ومضة

و قالوا ناجح أبدا
و كانت فرحتي غضة

و كل هديتي بوركتَ
لا ذهب و لا فضة

و مر الصيف اسبوعا
و عدنا نرتدي الامال

شربنا صمتنا في الفصل
ممزوجا مع الاهوال

فغنينا ضياع الحلم
لما أينع الموال

على قد ابتداء الزهر
تربى في الجنان القهر

فلا مصروف في جيبي
و بعد العصر يأتي الظهر

و الف صحيفة فصمت
ذراعي او حنت لي الظهر

و في الطابور كل صباح
اسمي ثم اتلو الفتح

اقدم كل يوم ما
تجود به اكف الصبح

و اوقظ حلمنا المكبوت
في خيل قلاها الفتح

محمد عليبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى