قراءة في رواية “منارة الموت” للأديبة المقدسية هناء عبيد
بقلم: هدى عثمان أبوغوش
صدرت الرواية عن دار فضاءات للنشر والتّوزيع، عمان – الأردن، عام 2022. وتقع افي 234 صفحة من القطع المتوسط.
“منارة الموت” عنوان يثير في المتلقى أسئلة كثيرة ويجذبه، فإن العنوان يأخذنا إلى مضمون الرّواية من حيث كثافة الموت التي اعترى الشخصيات، فالمنارة هي المصباح الذي يسلط الضوء على أسرار موت الشخصيات في الرّواية، ومن ناحية أُخرى فالمنارة هي قدرة بطل الرّواية في مواجهة الصعاب في حياته وعدم استسلامه، فقد استطاع آدم أن ينير قلبه المليء بالموت الداخلي نتيجة الصراعات حول حقه بالعيش بكرامة وأمن والعاطفة الحزينة، من خلال صبره وصموده والتحلي بالأمل إلى تسلق منارة الحياة وذلك عندما استطاع أن يصل لمنزلة مرموقة كمحاضر في كلية الطب رغم كلّ الصعوبات والمضايقات.
يمكن اعتبار هذه الرّواية كسيرة ذاتية كتبت بضمير المتكلّم، احتوت تسلسلا في مراحل حياته المختلفة، مرحلة الطفولة القاسية، والجامعة والتخرج والعمل، وقد وجدنا تفاصيل كثيرة عن بيئة آدم وعائلته وعلاقة تنمر زملائه بالمدرسة معه، تطرح الأديبة هناء عبيد صور الفقراء والبؤساء في مجتمع يقع تحت ظلم المجتمع والحاكم،لم تحدد الأديبة أسماء الأماكن والمدن أو الحقبة الزمنية بل جعلتهم رمزية لتعبر عن كل زمان ومجتمع ظالم.
طغت العاطفة الحزينة فوق أوراق الرّواية فكانت مشبعة بالبؤس والحرمان والفقد والجراح والخيبات والذلّ والحبّ الفاشل، وقلة من الفرح، ممّا يرهق القارىء، مع العلم أن السّرد كان متقنا ومعبرا فأصابت الأديبة في جعلنا نحزن ونتعاطف مع بطل الرّواية آدم. كما إنّ المشترك بين أغلبية الشخصيات الثانوية هو(اختفاء الشخصيات. والفقر والاختفاء).
لقد نجحت الأديبة في تصوير حالة آدم الذي يعاني من إعاقة في قدمه وإبراز ظروفه الاقتصادية والاجتماعية وحالات التنمر من قبل زملائه بالمدرسة، وقد كان الحوار الداخلي والتساؤلات الحزينة والصراع عند آدم كالنيران تشعل مشاعره وغضبه يبحث عن أجوبة وعن شمعة تنير حياته.” ما الذي يسعدهم في اختلافي وغيظي وانكساري والطين المختلط بدموعي”.
في هذه الرّواية أو السّيرة تضع الأديبة عبيد القارىء أمام ميزان القوة والضعف في المجتمع وتأثير سيطرة القوي على الضعيف اقتصاديا واجتماعيا، وبين مواجهة الحق والصمت، وبين ميزان العدل الظالم، فقد جاءت نهاية الرّواية بموت الكثير من الشخصيات الفقيرة بسبب الدواء الفاسد من قبل شركة كاربنتر، مما جعلت المجتمع ينتفض ضدها، لكن الفساد عاد وانتشر.
جاء اختيار أسماء الشخصيات لأسماء بعضها عربي (آدم، شمس، أبو الأحزان، رمزي)، والأخرى أجنبية (جورج ،سام، هانا، وغيرهم)، وذلك يجعلنا نتساءل هل الأديبة تتحدث عن المجتمع الأمريكي وطبقة البشرة السوداء والبيضاء مع العلم أنها لم تتم الإشارة إلى ذلك، أم هي عن مجتمعاتنا العربية في ظلّ حاكم عربي ظالم.
نجاح تحقيق الذات عند البطل آدم رغم كلّ الحزن الذي اعتراه وظروفه الخاصة،هو الفرح الجميل في السّيرة،نجاحه في مساندة سيلينا وسام من خلال فتح محل للزهور،إن الحب والعطف والحنان والعطاء كلها صفات امتاز بها آدم،واستمدّ قوته من مساعدته للآخرين مما منحه الدفء.
“منارة الموت” هي صرخة في البحث عن العدل ومساواة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وحفظ كرامة الإنسان،وعدم الاحتقار والاستهزاء بالضعفاء وذوي العاهات،وهي رسالة لشعلة الاصرار والصمود في وجه عاصفة الحزن والوجع.