السِّتَار
نزهة المثلوثي| تونس
أحسست أني واقفة على لغم سينفجر بمجرد أن أرفع رجلي المتسمرة عليه،
كل جيرانها فتحوا أبوابهم ورفعوا ستائرها ووقفوا مدهوشين بعيون بازغة وأفواه مفتوحة وأمام الباب المجاور لبابها طفل صغير يركب دراجة توقفت عجلاتها …
انعدمت الأصوات وسكنت كل حركة في ذلك الزقاق بعد أن انعطفت يسارا وسرت نحو بيتها وناديتها …
ساد سكون رهيب بعد ندائي وانعدمت حركة كل من أطلّ ورآني ..
فانتابني شعور بالقلق والحيرة وتجاذبتني تساؤلات عديدة
-ماذا جرى ؟
– ما سبب هذه الدهشة والذهول الكئيب ؟
– ماذا دهاهم وما الذي جعلهم يتوقفون بلاحراك ؟
بدا الجميع وكأنهم في وضع التقاط صورة فاستحوذ على حيز زمني طويل متحديا سير الحياة و دوران الزمكان
أحالني الوقت المستغرق إلى خرافة المسخ وأساطير التجميد الى قصة أساف ونائلة والقصص العجيبة التي تتحول فيها الكائنات الحية إلى حجر وجماد
يا للفرابة لقد تجمدوا حولي وقد تسربلت ملامحهم بدهشة الحزن !
كان بابها على غير عادته في ذلك الوقت : مغلقا مسدل الستار .
لا أحد ينكر أنها اشتهرت ببراعة فائقة في مجال التجميل الذي اختارته مهنة بعد تعذر حصولها على عمل يلائم شهادتها العلمية
ولا أدري من أين كانت تأتي بتلك القطع الحجرية السوداء ( الرجينة) والتي كانت تغليها على نار هادئة وتعدّها فتصبح عجينة طرية ترفعها بعود خشبي مصقول لتضعها على جزء من وجه حريفتها وبخفة حركةبجذبة واحدة تزيل كل شعرة فيه ثم تلصق العجينة حول الحاجبين فتشكلهما ببراعة وترسمهما بإتقان
وعند إتمام كامل الوجه تلف ساق الجالسة أمامها حول ساقها ضاغطة وتشرع في تنقية كامل جسدها وتخليصه من كل شعر …وبين أصابعها مادة أعدتها بطبخ الليمون مع السكر…
وفي السقيفة الواسعة تكون الأخريات مشاركات في الأحاديث الطريفة والضحكات…
ودون حرج إذا حان دور إحداهن تنزع ملابسها وتلقي بجسدها الى العجينة بين الأصابع….
وكنت لا أذعن للصف ولا انتظر الدور فكانت تغمزني قائلة وهي تنظرالى الحاضرات..” إنها قدمت من بلاد بعيدة اليوم وحجزت موعدا بالهاتف ” فأجلس قبالتها مباشرة بعد التي أجدها أمامها…
كانت سقيفتها تكتظ في فصل الصيف وقبيل المناسبات والأعياد
حدثتني آخر مرة قابلتها عنه وعن الرسالة التي كتبها لي…
لا أدري كيف سولت له نفسه …التسلل فوق سطوح الحمامات وتصوير النساء العاريات المستحمات…فلم تسلم من أشرطته وصوره واحدة من نساء المدينة والأرياف والزائرات من المدن الأخرى…حتى قبضوا عليه متلبسا بجريمته فوق سطح حمام… وأطلقوا سراحه بعد ان دفع مالا كثيرا
لقد أخبرتني بفضيحته التي لم تنتشر بين عامة الناس لنسبه ومكانته الاجتماعية المرموقة ..
خاطبتني مبتسمة
-لقد ترك لك رسالة وطلب أن تأخذي وقتا مناسبا للرد
-لاشأن لي برسالته مزقيها
– ما هذا الكلام اقرئي الرسالة أولا ..وكوني واثقة أنه صادق لا يجامل ولا يكذب …ومحب مجنون
– هههه واضح جنونه من أفعاله
-لا لا تحكمي عليه بذاك الحدث …..
– أخبريني هل شاهدت مرة ما صوّره.؟.إنه مجرم هههههه شخص مريض
– لا ليس مريضا
-ماذا إذا …من هواة جمع المشاهد في الحمام هههههه ؟ ماذا يشتغل بعد ان فقد منصبه ؟
– ينحت التماثيل ..
-هل طلب ردا مكتوبا … في رسالته.؟ هل سيحترف الإخراج ويحتاج إلى سيناريو ؟
– نعم
وكنت استرجع شريط الذكريات و ما قلناه ويدي عالقة بستار بابها .
وما أن التفت إلى المحطة حتى ابتعد الطفل الصغير بدراجته وهو يقول بصوت مرتفع ” لن تفتح الباب ولن تجيبك لقد قتلتها الكورونا “