قراءة في ديوان «ماتبقى في صحف الوجد» للشاعر العماني سعيد الصقلاوي
الشعر الحقيقي يأخذك عنوة باتجاه الشمس، حاملاً سيفه في وجه الطغيان
بقلم: الدكتورة سفانة شعبان الصافي
من يتعمق في المجموعة الشعرية التي صدرت للشاعر سعيد الصقلاوي (الموسومة ما تبقى من صحف الوجد) يدرك أنه عمل على تطوير مضامينه الفكرية، وأدواته الفنية بدأبٍ وإخلاص بوصفها الوسيلة الأولى للسير على طريق الشعر الطويل. وستقارب هذه القراءة السريعة ديوانه الشعري الأخير، لأنه يمثل نضج تجربته الشعرية وتطورها.
يقع الديوان في(١٨١) صفحة من الحجم المتوسط، ويضم(١٧٥) قصيدة، تتراوح بين الطول والقصر، وقد صدر في طبعة أنيقة.
العنوان: (ماتبقى في صحف الوجد) بوصفه عتبة نصية يشي بما تصطبغ به قصائد الديوان من روح إنسانية وأسرية، مفعمة بصدق العاطفة وتوهجها.
تعد المادة الأساسية في هذا الديوان هي اللغة السليمة التي نهجها الشاعر في صياغة ديوانه الشعري، فكانت اللغة الحاضرة وطريقة الشاعر الخاصة في عرض نصوصه الشعرية، واستعماله للحرف والكلمة وتركيب الجملة من حيث الصور البلاغية.
وقد فجر الشاعر _بلغته الخاصة_ خواص التعبير الأدبي، إذجعل من الحرف والكلمة والجملة والأنساق قوة تتعدى التصريح والدلالة المباشرة، وكيفية نقل الدلالة من الحقيقة إلى المجاز في أماكن كثيرة لتفي الفن في التعبير والتصوير. وقد وجدت _بعد قراءتي للديوان_ أن عملية النظم وجمل الحوار فيه لم يكن عفويا للألفاظ؛ بل كان في كثير من المواضع خاضعا للتغيرات الانفعالية والوجدانية التي تعتري الشاعر/ الراوي والشخصية الرئيسة في النص الشعري_ أو إحدى الشخصيات الأخرى الحقيقية أو الرمزية، فضلا عن أن أهم أغراض البدء بالجمل الاسمية أو الفعلية إنما يعود إلى أهمية الموضوع لأغراض متعددة منها: التأكيد والاستقرار والحركة في الحدث والتعظيم وأهداف أخرى كثيرة يقتضيها سياق الحدث، وبهذا يقدم الشاعر حوارية متكاملة من حيث اللغة والمادة والصور فضلا عن الإيقاع الداخلي والخارجي للجمل باستعماله للحروف ذات الجرس الصوتي الذي يخدم المادة أو القافية التي أعدت خصيصا لموضوعه..قال:
أعيديني إلى ذاتي..
ولمي كل أشتاتي..
أيُكسرُ كأسُ أيامي ويُطفأُ ضوءُ مرآتي؟؟
وقوله:
لا العيدُ يأتي ولا الأيام تمنعه..
كل على فلك الأقدار مصرعه..نعلل النفس لكن ليس ينفعها منه سوى زخرف بالوهم نصنعه.
هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى عتباته النصية التي تعد جزءا مهما من هندسة النص بصورة عامة،لما لهامن دور دلالي وظيفي فضلا عن دورها الجمالي.
فالعنوان هو بمثابة اسم الكتاب أو القصيدة كاملة وكأنه مطابق لمعنى النص بفقراته كافة، وهو مفتاح الكلام، فوظيفة كل عنوان لأي قصيدة يعني خطاب تقديمي تنبيهي، فضلا على أنه تحقيق عبور للقاريء من خارج النص إلى داخله باعتباره لحظة تخيل،فهو العتبة الأولى الكاشفة عن أروقه النص ولحظة إجبارية للتخيل والإبحار في مكنونات دلالته، وهو يعد اللقاء الأول بين القاريء والنص، يعمل على جذب اهتمامه وإثارة انتباهه وتوجيه مسلكه القرائي توجيها فاعلا، ومن العتبات النصية في ديوان «ما تبقى من صحف الوجد»:أقدار، أغنيتان إلى أمي، مراكب الأحلام، جرح، اقتراب، انبجاس، محبة، وغيرها.
أما عت وصف العنوان فقد حاول النقاد أن يقدموا له وصفا محدد دقيقا فمنهم من يرى أنه (ثريا النص)، وآخر يراه (النص الموجه) في حين أسماه آخرون بـ(النص المحيط) أو (المحاذي)؛ ومن خلال قراءتي للديوان وجدت أن العتبات النصية أو العنوان يقسم إلى:
١_الاسم المفرد المعرف بال في: العارفون_ بصيغة الجمع_ والنيروز، والغمام، والمعطوف.
٢_الاسم المفرد النكرة غير المعرف بال: مُنية، إطراق، ضمائر، مآلات، صديق، سطوع، صمت، مرآة، عشق، تيه، انتظار، حطام، مغاني، اختباء، قلب، فراغ، طواف، زمن، نور وظل.
٣_ المضاف ألى المعرف بال: غناء الحياة، روح الماء.
٤_ العنوان المركب ويقسم إلى:
أ_ جملة اسمية زائدا النداء: صباح الخير ياوطني.
ب_ جملة فعلية: يغني الملاك.
ج_ استفهام زائدا الفعلية: ماذا تقول؟
د _ جملة فعلية زائدا شبه الجملة: أراك في الكلام..
و _ اسم إشارة_ جملة اسمية _ زائد جملة فعلية: ذاك شيء لايضير..
٥ _ اسم مفرد مضاف إلى علم: جمال هواك، وهوى أخضر.
وفي ديوان الشاعر سعيد الصقلاوي (ماتبقى من صحف الوجد )؛ وبعد التوغل في قراءته الكثير والكثير، لذا أدعو القاريء للإبحار في معانية ومدلولات وألفاظه وأساليبه.. حيث يملك الشاعر تجربة قيمة تستحق أن تدرس، ففي مقطوعاته نزعة جمالية، وهو متسلح جيد بأدوات التعبير والصياغة، شعر متدفق من شلال وجداني، لا يمكن أن يكون الشاعر مبدعاً ومؤثراً دونه.
إن الشعر الحقيقي هو الذي يأخذك عنوة باتجاه الشمس، حاملاً سيفه في وجه الطغيان والمجهول، هو الذي تعوم معه وسط البحر في جو ربيعي رغم تساقط الأوراق.