شارع الرحمة.. قصة قصيرة
عماد أبو زيد| مصر
النهار يتسلل حزينا إلى مخدعه.. وضؤوه ينزوي خافتا شاحبا. وثيابي تصطبغ باصفراره. آذان المغرب يتعالى من ميكروفونات المآذن.. وصوت امرأة مكلومة يصافح أذني..وأنا أسير في شارع الرحمة.. يقترب الصوت المتوجع مني.. لاهثا بالدعوات:- ربنا ينتقم منك يا بعيد.. تعدم عيالك ياظالم. كانت امرأة مسنة..لم اقترب منها.. ولم اشا ان أتطلع الي وجهها.. فماذا عساي ان افعل إذا انعطفت عليها.. وحدثتها؟.. كان الشارع خاليا من الناس إلا قليلا. منذ أيام قليلة مضت..وفي شارع آخر.. كان ثمة رجل طاعن في السن يعلو صوته بالدعاء ايضا.. كانت عيناه تزوغ يمينا ويسارا.. كانما يبحث عن واحد بين المارة ..يجتذب معه أطراف الحديث.كانت ملابسه غير مهندمة ايضا.. ويجر ساقيه بصعوبة. جاوزت خطاي المرأة.. لم التفت إليها.. ليس تكبرا..بل كنت متوجعا لحالها.. مشفقا عليها..فلقد مررت ببعض المحن.. ودنا اليأس مني.. وقد توجعت كثيرا.. وكان عناء النفس يشتد علي في وحدتي..فيشتعل رأسي بالنار ..ويسخن وجهي.لا أحد بيده شيء يقدمه لي.. وربما لا أحد يشعر بي.. وإذا تحدثت لصديق او راكب بجواري في القطار او الباص.. لايتفهمني جيدا..انا الذي احمل جراحا كبيرة لم تندمل بعد.. انا الذي توالت على المحن..واشتدت الابتلاءات بي.. انا الذي تخضب رأسي بالبياض.. وقد ابيضت عيناي من الحزن. انا الذي استطعت تجاوز جدران اليأس.. أتوجع لآهات العابرين.. وأخشى النظر إلى وجوههم.. أعلم إنهم حين يتألمون.. يكونوا صادقين.غارقين هم في قاع أحزانهم.. فتبدو المدن لهم مقفهرة .. والشوارع فارغة.. البراح لايتسع الا لصرخاتهم.. كيف بالله علي وانا أعلم كل ذلك ان أطرق ابوابهم؟.أن امزق ستائر عوراتهم. كثيرا ما تمنى المرء ان تنشق الأرض وتبتلعه.. وهو غارق في حزنه. هذه المرأة ربما لم تجد من يحنو عليها.. وهي في مثل هذه السن المتقدمة.. استدعيت من ذاكرتي امرأة تدعو الله على أخيها الذي حرمها من ميراث ابيها.. وتلك المرأة التي تعرضت لأذى وعنف شديد من زوجها.. وفرت إلى الشارع هاربة.. وهي تصرخ وتنتحب. وأم سندس كانت تحسر “الايشارب” عن رأسها عند سماع الآذان.. وترفع اكفها إلى السماء.. كنت اتأملها من نافذة شقتنا . أذكر ان أمي أرسلتني إليها عند آذان الظهر .. اشترى منها طماطم وخضراوات ..فسألتها: -أنت بتدعي على مين ؟. فقالت هجرني انا والعيال.. ومشي من غير سبب. الأستاذ سالم زميلي حكى لي كثيرا عن سيدات وارامل يدعون له بالخير.. ويقبلون رأسه حين ينهي إجراءات صرف مستحقاتهن في المعاش بيسر وسهولة. من الممكن ان تكون تلك المرأة التي مرت إلى جانبي في شارع الرحمة عند آذان المغرب.. لها مظلمة عند مكتب المعاشات أو مكتب التموين. طاف برأسي رجل طاعن في السن.. يرتدي قميصا وبنطالا فقط رغم زمهرير الشتاء.. والأمطار تواصل هطولها..وتعوق حركة السير. كان الرجل يقف شامخا..متمتعا بنفس أبية ..يرفض الإنحناء لغدر الزمان.. وعلى وجهه ابتسامة عريضة.. يعرض خدماته على شابة أنيقة المظهر تجر بيدها حقيبة كبيرة بعجلات على الأرض.. كانت الأمطار بللت رأس الرجل ووجهه وملابسه..وهو يتحدث بأدب جم إلى السيدة..وقد بدا في أمس الحاجة إلى المساعدة.تم تداول مقطع الفيديو لهذا الرجل العراقي عقب الاحتلال الأمريكي الانجليزي للعراق. في اليوم التالي ضربت بخطاي في شارع الرحمة.. عند آذان المغرب..كانت أصوات مكلومين كثر تصافح اذني