غالب هلسا والكاتبة وفاء كمال الخشن وجهًا لوجه (2)

أثناء حواري مع الروائي ” غالب هلسا ” استأذنتني فتاة حسناء ,وهمست في أذن الكاتب بضع كلمات. فانشغل معها في حديث هامس .فاستأذنتُه قليلاً ريثما ينهي حديثه  وذهبت للتقصي عن موعد الجلسات النقدية، فصادفتُ المخرج المصري صلاح أبو سيف، عند باب قاعة المحاضرات، كان مرتبكاً لتأًخره عن الجلسة، تجاذبنا معاً حديثاً (عالماشي) عدتُّ بعده و ” غالب هلسا ” مازال بصحبة الفتاة فابتسمت لي وغادرته مودعة. ابتسم غالب وسألني أين وصلنا بالحديث .

قلتُ : علمي علمك ..وضحكتُ .. ثم قلت:

ـ افتكرت (وضغطت زرالمسجل) … كنت تحدثني عن تجربتك في السجن .

ـ ( ج ) ـ إن سجن الخماسين كان فعلاً فقيراً بالصور . فقد التهمت الصور التي سبقته والصور التي لحقته صورة ذلك السجن . فقد تم استدعائي قبل السجن لمقابلة أحد المحققين في وزارة الداخلية .وهنا كان لابد أن تبرز صورة الرجل الخائف . وبرزت صورة القسيس القلق الذي هرب من القاعة . وصورة رجل الأمن المكلف باستقبال المطلوبين ليقوم بواجب تأديبهم . ويترفع عن الحديث معهم . كما تبرز صورة الأمريكي والفتاتين والشاب والعجوز ..كل ذلك كان يمثل حاضر الرواية . بينما يعرض البطل بواسطة ” فلاشباكه ” صورة المرة الأولى التي كان فيها سجيناً في زنزانة مظلمة . ويتحدث عن تعذيب أناس آخرين خلال وقت متأخر من الليل .وهذا يمثل الماضي .

***

ـ ( س ) ـ وماذا عن تجربتك في سجن عمَّان ؟

ـ ( ج ) –  كانت تجربة شاقّة ومتعبة للغاية . كل حياتي في عمَّان كانت مرهقة .لأنها كانت محاطة بسرِّيّة تامة , اختفاء مستمراً ورعباً من المصادفات والمفاجآت وكلاب الحراسة والبوليس.

***

ـ (س ) ـ لقد أعطيتَ السجن في ” الخماسين ” عن طريق التداعي امتداداً في المكان إلى سجن عمَّان المركزي. كماأشرتَ إلى مكان سجنك في مصر .وإلى مكان التحقيق .

***

هذا التحديد للمكان في السجون السياسية لم نره في روايات سابقة .

ـ ( ج ) ـ ربما طغى خوف في السابق من السلطات .إلا أنها في كل الأحوال ألاعيب الذاكرة التي تخفي ماتشاء من الأمكنة , وتكشف ماتشاء.

***

ـ (س ) ـ وغياب الأردن من ذاكرتك في معظم كتاباتك ,هل هو أيضاً لعبة من ألاعيب الذاكرة ؟

***

ـ ( ج ) ـ والله لم أعرف سبب غيابها عن ذاكرتي بالضبط ..لقد تحدَّثْتُ عن طفولتي في الأردن ,في روايتين قصيرتين هما ” وديع والقديسة ميلادة ” و ” زنوج وبدو وفلاحون ” . وعدتُ للحديث عنها في ” سلطانة “

***

ـ ( س ) ـ وبعدها لم تعد تتحدث عنها ابداً فأين كنت تجد المكان البديل لمرابع طفولتك ؟

ـ ( ج ) ـ ربما كانت القاهرة هي البديل الأول الذي منحني الأمان وحقق كل أحلام طفولتي المنهارة في القرية . الحديث عن الطفولة بالنسبة لي لايعني مرتعها ومكانها الأول . أو استذكار مرحلة معينة منها وإنما هو حديث من خلال رؤية معينة للعالم .

***

ـ ( س ) ـ إذاً أنت لاتدقق بتفاصيل المكان .

ـ ( ج ) ـ إن ذاكرتي ليست بصرية أو صورية .إنما هي ذاكرة إنحيازية. فقد تعلق بها بعض الأمكنة التي أنحاز إليها بشدة . أولا لايعلق من المكان سوى خيوط صغيرة .

***

ـ (س ) ـ أنت لم تطرح حدثاً معيناً في الخماسين .

ـ ( ج ) ـ الخماسين هي عبارة عن رؤيتي للعالم . وبالذات علاقة المرأة بالرجل .

***

ـ ( س ) ـ لقد حاولت طرح نفس الأشياء في روايتك ” الضحك ” .

ـ ( ج ) ـ هناك فارق بين الروايتين .

في ” الضحك ” اليساريون كانوا أناساً هامشيين , يقضون أوقاتهم في اللهو في المقاهي ,وتبادل النكات والأحاديث السخيفة . أما في ” الخماسين ” فهم مناضلون ملاحقون ومراقبون .وعلاقة المرأة في الرجل في ” الخماسين ” كانت تؤكد ان المرأة باحثة عن اللذة شانها في ذلك شأن الرجل .لكنَّها مفجوعة .تخاف التقاليد كما هو حال ” ليلى ” في الرواية .

بينما في ” الضحك ” فعلاقة المراة بالرجل مازالت محكومة بفكرة الخطيئة. لذلك لم تنته علاقة البطلة ” ناديا ” مع البطل إلى الزواج الذي كان يؤكد كل منهما منذ بداية الرواية على أنه سيكون النهاية الطبيعية لعلاقتهما بعد ان تغاضيا عن مسألة اختلافهما بالدين .

لقد فشلت علاقة البطل بنادية لأنه كان فارغاً ومشغولاً بالأشياء التافهة .

للحديث بقية….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى