أدب

أسمي الوجوه بأسمائها

الشاعر حسن فتح الباب.. حياته ونشأته

بقلم: دكتور جمال فودة
عضو الاتحاد الدولي للغة العربية
كاتب وناقد وأكاديمي مصري

“حسن فتح الباب حسن” من مواليد حي “شبرا” بالقاهرة في 27 نوفمبر 1923م، تلقى دراسته الابتدائية بمدرسة شبرا الابتدائية، وبدت عليه منذ صغره أمارات الذكاء فكان نجيباً – رغم أنفه- إذ ما كان لمثله أن يواصل تعليمه مع أبناء الأكرمين في عهد الملكية لولا تفوقه الذي يتيح له المجانية الكاملة في مراحل الدراسة.

توفي والده -الذي كان مجاوراً بالجامع الأزهر، يرتل القرآن ترتيلاً، وتغلب اللغة العربية الفصحى والاستشهاد بالشعر على حديثه – وهو في الثامنة من عمره، مخلفاً له تركة ثقيلة (أرملة وأخوين دون الخامسة)، فكفله جده، واضطر الطفل الصغير أن ينفض عن جسده – مبكراً عن المألوف – ريش الطفولة، إذ راح يعمل – تحت الظروف الاقتصادية الصعبة للأسرة ـ بإحدى المكتبات في حي(العتبة الخضراء) ليساهم بقروشه القليلة في توفير بعض حاجاته الضرورية.

وما لبث الفتى أن أتم دراسته الثانوية بمدرسة التوفيقية سنة 1942م، وكان من أساتذته العلامة “عباس حسن “والشاعر” علي الجندي”، وفي نفس العام التحق بكلية الآداب / جامعة القاهرة، وقضى بها عاماً دراسياً واحداً، ثم فارقها إلى كلية الحقوق مضحياً بسنة من عمره؛ إذ أحس أنه يرتاد درباً مطروقاً، وكان طموح الفتى العصامي لا ينتهي.

تخرج ” حسن فتح الباب ” في كلية الحقوق سنة 1947م ، وبعد تخرجه عمل بوظيفة ” معاون إدارة ” في الأقاليم ، وهى الوظيفة التي كان يشغلها ” يحيى حقي” ، ولكن المشيئة الإلهية كانت تدخر له طريقاً آخر غير الآداب والحقوق ، طريقاً لم يذهب خياله يوماً إليه وهو درب الشرطة ؛ إذ صدر قرار بعد ثورة يوليو سنة 1952م بإدماج معاوني الإدارة والشرطة ، فلحق ” حسن فتح الباب ” بكلية الشرطة وتخرج فيها سنة 1957م ؛ ليعمل ضابطاً بالأقاليم ، ولكن سفينة الشاعر الضابط كانت منذورة لخوض أمواج عالية كالجبال ، ورياح عاتية لا قبل له بمقاومتها بأشرعة سفينته الشاعرية الرفيقة ؛ فكانت مركباً للعذاب ، وإن جاءت في الوقت نفسه مشحونةبالإبداع .

استمر عمل الشاعر بالشرطة حتى رقى إلى رتبة ” لواء ” وكان آخر المناصب التي تقلدها منصب ” مدير القضاء العسكري” بوزارة الداخلية، ثم أحيل إلى التقاعد لأسباب سياسية سنة 1976م.
وكان قد واصل رحلته التعليمية حتى حصل على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، فاشتغل بالتدريس الجامعي في الجزائر من 1977م إلى 1987م.

ثقافته : –
عهد حسن فتح الباب بالشعر قديم، وربما كان سابقاً لوجوده/ ميلاده؛ إذ ورّثه أبوه – فضلاً عن طباعه وملامحه – بضع وريقات متناثرة، احتوت أبياتاً من النظم كتلك المقطوعات المقررة على تلاميذ المدارس الابتدائية، استنشق الشاعر عطرها من بين الكلمات، وتنسم عبيرها المترسب في النقاط المبعثرة.

ولعل بذرة التوهج والموهبة الشعرية عند ” حسن فتح الباب ” تضرب بجذورها في أعماق بعيدة، إذ تمت بصلة ما إلى جدته لأمه التي كانت ترتجل الشعر الشعبي، إلى جانب ” عم سيد ” شقيق جده الذى أثر في نفسه تأثيراً كبيراً؛ بما كان يرويه له من الملاحم والأساطير الشعبية كالسيرة الهلالية، وغيرها من كنوز التراث الشعبي الذى غذى وجدان الشاعر في طفولته واستقر في أعماقه.

ثمة رافد آخر من روافد الثقافة التي امتاح ” حسن فتح الباب ” من نبعه ، ألا وهو تتلمذه بالمرحلة الثانوية على يد العلامة ” عباس حسن ” والشاعر” على الجندي ” اللذين كان لتوجيههما أبلغ الأثر في صقل موهبة الفتى الذى بدأ يقرض الشعر في” الخامسة عشر” من عمره ، وتمكن من نشر بعض قصائده في مجلة ” المجلة الجديدة ” التي كان يرأس تحريرها الكاتب الكبير ” سلامة موسى” ، فكانت أول نبتة خضراء في حقل الإبداع.

هذا إلى جانب حضوره بعض الندوات التي كانت تقيمها الجمعية الأدبية المصرية في بداية الستينيات ، وكان من أعضائها : صلاح عبد الصبور ، وأحمد عبد المعطى حجازي ، وملك عبد العزيز ..، وغيرهم ، وكان يدير هذه الندوات ويعلق على القصائد ” شيخ النقاد ” الدكتور” محمد مندور” الذى أشاد بقصيدة الشاعر (دم على البحيرة) قائلاً:” استرعت انتباهي من بين ما سمعت من القصائد قصيدة ” دم على البحيرة ” للشاعر حسن فتح الباب ، إذ تحققت فيها مقومات الشعر الحر ، ولا سيما العنصر الدرامي وهى تمتاز بالقدرة على التعبير بالأسطورة عن الواقع (1) .

وقد كان لهذا الموقف أثر عظيم في نفس الشاعر وهو في ريعان الشباب، فكان حافزاً له على مواصلة السير في ذلك الدرب العسير، والحفاظ على تلك المنزلة، فإن كان صعباً الوصول إلى النجاح ،فالأصعب هو الحفاظ على ذلك النجاح ، هذا فضلاً عما تركه ذلك الاحتكاك الفكري والثقافي على أسلوب الشاعر من بصمات واضحة ، حيث بدأ يتخلص شيئاً فشيئاً من الاتجاه الرومانسي ، ويتحول إلى الواقعية والارتباط بالمجتمع والتعبير عن معاناة الناس ومشاكلهم .

ثم تأتى قراءات الشاعر لعيون الشعر العربي، وخاصة ابن الرومي والمتنبي و المعري… ، وغيرهم ، إلى جانب أعلام الأدب الغربي أمثال شكسبير ، شيللي ، إليوت ، جوته ، فاليري ، كوليردج .. ، وغيرهم .
من ناحية أخرى تسهم دراسات الشاعر ومؤلفاته السياسية والإسلامية والأدبية بدور فعال في تشكيل ملامح شخصيته الأدبية .

معنى هذا أن الشاعر أعد نفسه إعداداً واكب ميوله منذ الصغر ،هذا بالإضافة إلى كتاباته في المسرح الشعري وأدب الرحلة ، وعمله بالصحافة واشتغاله بالجامعة وجهده المتميز في النقد الأدبي ، وإبداعه الشعري المتواصل الذى بلغستة عشر ديواناً .

إلا أن الجانب الأكثر أهمية في بلورة تجربة ” حسن فتح الباب ” الشعرية هو الواقع الذى عاشه في أحضان الريف المصري عازفاً على قيثارته أشجى ألحانه ، إذ أشعل التناقض بين مهنته كضابط شرطة وهويته كشاعر – خرج من صلب الفقراء الكادحين – شرارة الإبداع الشعري التي توهجت جذوتها ، وخرج من أتونها شعره نقياً من الشوائب ليرتاد آفاقاً رحبة من التعبير والتصوير .

هذا إلى جانب ” المنفي الاختياري” لمدة عشر سنوات بالجزائر( 1977– 1987م ) ، حيث انكسرت كوابح القلم وأفصحت الرموز عن مدلولها ، وفي هذا المنفي تعددت رحلات الشاعر إلى كثير من دول العالم ، فزار: الولايات المتحدة الأمريكية ، وفرنسا ، والمجر ، والنمسا … وغيرها من الدول .

لو تأملنا هذه العوامل مجتمعة لأدركنا إلى أي مدى تهيأت الظروف التي أدت بشاعرنا إلى ولوج عالم الإبداع ليكون رائداً من رواد التجديد في الشعر العربي المعاصر.

الوظائف التي اشتغل بها: –

• عمل في بداية حياته بوظيفة ” معاون إدارة ” في الأقاليم، ثم انتقل إلى العمل بوزارة الداخلية في وظيفة ضابط شرطة سنة 1957م .
• تدرج في العمل بهيئة الشرطة حتى وصل إلى رتبة ” لواء شرطة” .
• تولى منصب مدير القضاء العسكري بوزارة الداخلية .
• عمل رئيساً لتحرير مجلة ” الأمن العام ” .
• عمل أستاذاً للقانون الدولي بجامعات مصر والجزائر .
• عضو اتحاد الكتاب.
• عضو جمعية الأدباء ولجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة .
• محكم في مسابقات هيئة قصور الثقافة ولجنة الشعر واتحاد الكتاب.
• اختير عضواً منتسباً باتحاد الكتاب الجزائريين .
• مثل مصر في عدة مؤتمرات ومسابقات أدبية بالدول العربية .
• أوفد في عدد من البعثات الدراسية إلى الدول الأوربية

الجوائز التى حصل عليها: –
• كانت أول جائزة حصل عليها ” حسن فتح الباب ” في مسابقة الأدب العربي لطلبة السنة التوجيهية سنة 1942م .
• جائزة المجلس الأعلى للآداب والفنون سنة 1975م عن ديوانه ” حبنا أقوي من الموت “.
• جائزة الدولة من الهيئة العامة لقصور الثقافة سنة 1986م .
• جائزة مؤسسة ” عبدالعزيز البابطين ” للإبداع الشعري سنة 1992م عن ديوانه ” أحداق الجياد “.
• رُشِّح لجائزة الدولة التقديرية عن اتحاد الكتاب عامي2001، 2002 م
• ترجمت أشعاره إلى عدة لغات أجنبية كالإنجليزية والأسبانية والروسية والإيطالية.

أعمال الشاعر حسن فتح الباب:

أولاً : الدواوين

• 1ـ من وحي بور سعيد ـ دار المنتدى الثقافي – القاهرة ـ 1957م .
• 2 ـ فارس الأمل ـ مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة ـ 1965م .
• 3- مدينة الدخان والدمى – المؤسسة المصرية للتأليف والنشر ـ القاهرةـ 1967م .
• 4 ـ عيون منار ـ دار النجاح ـ بيروت ـ 1971م .
• 5 – حبنا أقوى من الموت – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة ـ 1975 م .
• 6 ـ أمواجاً ينتشرون ـ منشورات وزارة الإعلام – بغداد ـ 1977م .
• 7 ـ معزوفات الحارس السجين ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ـ1980م.
• 8 ـ رؤيا إلى فلسطين ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ـ 1980م .
• 9- وردة كنت في النيل خبأتها- المؤسسة التونسية للنشر- تونس – 1986 م
• 10 ـ مواويل النيل المهاجر ـ دار الثقافة الجديدة ـ القاهرة ـ 1987م .
• 11-أحداق الجياد- الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة- 1990 م.
• 12 – كل غيم شجر كل جرح هلال – الهيئة المصرية العامة للكتابـ القاهرة – 1993م .
• 13 – سلة من محار – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة ـ 1995م .
• 14ـ الخروج إلى الجنوب – الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 1998م.
• 15ـ العصافير تنفض أغلالها- الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ القاهرة ـ 2001م.
• 16 – البلبل والجلاد – الهيئة المصرية العامة للكتاب -القاهرة ـ 2003م .

ثانياً : المسرح الشعري

• محاكمة الزائر الغريب – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة ـ 1997م.

ثالثاً : النقد الأدبي

• 1ـ رؤية جديدة في شعرنا القديم ـ دار الحداثة ـ بيروت ـ 1984م .
• 2- شعر الشباب في الجزائر بين الواقع والآفاق- المؤسسة العامة للكتاب – الجزائر- 1985م
• 3 ـ شاعر وثورة ـ دار المعارف للطباعة والنشر ـ تونس ـ 1987م .
• 4- مفدى زكريا ” شاعر الثورة الجزائرية” – الدار المصرية اللبنانيةـ القاهرة ـ 1997م.
• 5- حسان بن ثابت ” شاعر الرسول ” – الدار المصرية اللبنانية ـ القاهرة ـ 1997م.
• 6 ـ محمد مفيد الشوباشي – الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 1997م.
• 7 ـ سمات الحداثة في الشعر العربي المعاصر – الهيئة المصرية العامة للكتابـ القاهرة ـ 1997م .
• 8 ـ المقاومة والبطولة في الشعر العربي ـ كتاب الرياض ـ الرياض ـ 1998م .
• 9 ـ ومضات نقدية في أشعار معاصرة ـ كتاب الجيل الجديد ـ القاهرة ـ 1998م.

رابعاً : أدب الرحلة

• تنويعات على لحن السندباد -الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرةـ 2001م.

خامساً : السيرة الذاتية• أسـمّي الوجوه بأسمائها – مكتبة مدبولي – القاهرة – 1995م .

سادساً : الحضارة الإسلامية

• 1-السفارات الثقافية في الدبلوماسية الإسلامية – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة ـ 1962م.
• 2 – مقومات القيادة الإدارية في الإسلام – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة ـ1962م.
• 3 ـ المؤامرات اليهودية من خيبر إلى القدس ـ مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ـ القاهرة ـ 1969م .
• 4- التخطيط والتنظيم في الهجرة – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة ـ 1969م.
• 5- مقومات السفراء في الإسلام – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة ـ 1970م.
• 6-على طريق الهجرة – دراسة علمية – مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ـ القاهرة ـ 1971م.
• 7- القيم الأخلاقية والإنسانية في الغزوات – مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ـ القاهرة ـ 1971م.

سابعاً : العلوم السياسية والقانون الدولي

• 1-المنازعات الدولية ودور الأمم المتحدة في المشكلات المعاصرة ـ عالم الكتاب ـ القاهرة ـ 1967م .
• 2- المخدرات سلاح الاستعمار- المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشرـ القاهرة ـ 1967م .
• 3- التخطيط لمكافحة الجريمة – معهد الدراسات العليا لضباط الشرطة ـ القاهرة ـ 1970م .

وفي صباح يوم الاثنين 28 من سبتمبر سنة2015م ترجل الفارس ، ورحل شاعرنا الكبير عن عمر يناهز 92 عاماً، بعد معاناة مع المرض ، مخلفاً وراءه نبعاً لا يجف من الإبداع . رحم الله شاعرنا الكبير الدكتور حسن فتح الباب.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* اعتمد الباحث في ذكر تفاصيل هذا الجزء على حوار خاص مع الشاعر” حسن فتح الباب ” .
(1) حسن فتح الباب : أسمى الوجوه بأسمائها ـ الطبعة الأولى ـ مكتبة مدبولي ـ القاهرة ـ 1998 ـ ص124

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى