التجربة الشعرية للأستاذ ” زيد الطهراوي” بين هتاف المواضي ونقرات الرواقي

حوار أجراه: موسى المنصوري | المغرب

حينما يتألق الشعر بكل مضامينه في بلاد الأردن الشقيق، يخرج من بين الأسطر همس رقيق بملامح الوقار والمحافظة، همس يذيب طيف القارء، بل ويذهب به نحو كل أفق جديد، فيصطدم تارة بقضايا المجتمع، وتارة بهمومه، وتارة أخرى بتاريخه ومستقبله. فإذا كانت الأقلام لمعاصرة تنزاح نحو الاشتغال على الأجناس النثرية أكثر منها الشعرية، فإن استأذنا فضل المحافظة على الأصول والتشبث بها كتشبث البدوي بجمله، والحضري بسيارته. بل وسار على هذا المنوال في ستكلل جل معالم دواوينه، والتي فاقت الثلاث دواوين، كتب للبعض منها النشر، وما يزال البعض الآخر ينتظر دوره.

فإذا كان شاعرنا الأردني “زيد الطهراوي” يشارك أبناء جيله ومعاصريه هم الشاعر ورغبته في إيصال القضايا وفق منظور يعبر عن حاجيات المجتمع ومكامن الخلل وطموح التطوير والانتقال، فإن بوصلته في هذا الإطار خطفت الاهتمام الداخلي ووزعته على كل نبض مجروح من البلاد العربية، فصار الشاعر بقلب وطن، والهمس بمسافة أثر. 

وبعث القضايا العربية بهمس شعري في وقت قل فيه الاهتمام بالشعر وقضاياه محاولة جريئة من طرف الشاعر لإحياء نبض في طريقه إلى الإهمال إن لم نتدارك مكامنه، أمر يستحق منا أن نقف على تجربته الشعرية التي وسمت حياته والظروف التي أثثت لتناوله هذه المضامين الشعرية، وكذا سر هذا الإعجاب والاستماتة في تسخير الوقت والجهد من أجل إحياء هذا العبق.

حول تجربة الشاعر الردني الرائد في مجاله، ومن منطلق رصد واقع الشعر الأردني بالخصوص والعربي بالعموم، وأفقه المستقبلي والمعاصر، حاورت الأستاذ الشاعر “زيد الطهراوي” فكان على الشكل التالي:

1: لكل تألق مرجعیة بدایة، فكیف كانت مسیرة شاعرنا “زید الطهراوي”؟

كانت بدايتي مع الشعر في الثالثة عشرة من عمري وقد وجدت تشجيعا من والدي رحمه الله الذي كان يتذوق الشعر العربي الفصيح. وبقي الإلحاح الشعري يعاودني إلى أن أصدرت كتيبات صغيرة هي: جذوة من نور وشذى المحبة وسماد الحصاد وقصائد أخرى جمعتها في ديواني الشعري الأول (هتاف أنفاس) الذي صدر عام 2013م ثم أصدرت ديوان سكوت عام 2016م وأنتظر صدور ديوان سنديانة الأشواق.

2: كيف نما في فؤادك الاهتمام الشعر وقضاياه، وما هي أهم القضايا التي شغلت بالك في البداية كشاعر حديث العهد؟

كانت مكتبة والدي رحمه الله مليئة بكتب الشعر والأدب وكنت مغرما بالمطالعة وكنت أرى تأثير ذلك في تحسن أسلوبي في الإنشاء وكانت محبة ديننا العظيم وقيمه هي ما يشغل بالي في بدايتي وهذا يظهر واضحا في الديوان الأول هتاف أنفاس.

3: الكتابة تعبیر عن نقص في إیصال المضامین للكون، والشعر وعاء یحتوي كل ھذا النقص، والذات فیه تكون أریح وأسلم، فكیف وجدت ذاتك داخل هذه العوالم؟

حين كتبت قصائد هتاف أنفاس كنت أجد نفسي أجنح في سماوات أعرفها بكل تفاصيلها لأن وجهتي كانت واضحة وكنت أعرف عملي جيدا في الفن والفكر فكتبت عن غربة الدين وعن أخ لي في الله في فلسطين وعن قيمة الكلمة وقيمة قائلها حين تكون موجهة نحو الإصلاح حتى عندما تكلمت عن مأساة إخواننا في غزة وأراكان (بورما) كنت متفائلا معتبرا أننا الأقوى على الرغم من كل المحن.

 أما في ديوان سكوت فقد كانت أحداث سوريا الدامية تملأ الأنظار والأسماع (فتماسكت وقد زعزني المصاب) ولكن السكوت العالمي كان صادما فكانت قصائد الديوان تسلط الأضواء على مصاب هذا الشعب الأعزل وكنت أشعر أنني لن أصوغ أفضل من قصائد تجسد المأساة أمام عالم السكوت.

4: أتحفت الساحة الأردنیة بالخصوص، والعربیة بالعموم بإصدار دیوانك الجدید المعنون بـ “هتاف أنفاس”، فهل هذا الإصدار تشخیص للواقع وتعبیر عن الكوامن أم هو إعادة إعتبار وضخ جدید في دماء الأدب وقضایاه؟ 

كما ذكرت لك هتاف أنفاس هو الديوان الأول وجاء بعده سكوت ولكنه صدر ورقيا وأعدت نشره الكترونيا للمساحة الواسعة التي يتمتع بها الكتاب الإلكتروني، أما عن كونه تشخيصا للواقع فأنا لم أقصد كشاعر أن أبحث عن كل ما يحدث فطبيعة الشعر المنتمية إلى الإيحاء تتصادم مع البحث عن المشكلات ووضع الحلول لها لكنه ربما يكون إلى حد ما ضخا جديدا في دماء الأدب وقضاياه بسبب تنوع مواضيع القصائد الناتج عن المدة الطويلة التي احتاجها هذا الديوان ليكتمل.

5: ماذا تعني لك الكلمات التالية أستاذ: الحب؛ السلام؛ التعایش؛ المقاومة؛ العروبة؟

  • الحب: هو الذي تحيا لأجله الشموع وتتسامق في رباه الأشجار والأماني؛
  • السلام: هو الطائر الأبيض الذي تتطلع إليه الأنظار من أجل ميلاد لا تعكره ظلمات البغي والأنانية
  • التعايش: هو أن أكون سليم الصدر متواضعا أنثر التسامح والأمان؛
  • المقاومة: لا خير فيها (بالمفهوم العام) إلا إذا بدأت بالشخص نفسه فقاوم ما فيه من ظلام؛
  • العروبة: لا أخجل منها ففيها صفات الكرم والشهامة والنجدة ولكنني لا أعول عليها إلا إذا أشرق عليها نور السلام.

لقاء متجد بمناسبة صدور ديوانه الشعري القيم “حلم جريء”

عرفت الساحة الأدبية العربية بالعموم والأردنية بالخصوص فورة كبيرة في مجال الاهتمام بالكتابة الشعرية سواء التقليدية أو المعاصرة، وقد برز في هذا المضمار الكثير من الأدباء الذين عطروا الساحة الثقافية بإسهاماتهم القيمة التي رسمت تطلعات وطموحات المثقف العربي الذي أصبح يعاني في زمننا من أثار الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أصبحت تحيط ببلداننا العربية والإسلامية.

يعتبر الأستاذ والشاعر الأردني زيد الطهراوي من كبار الشعراء والأدباء الذين زاوجوا بين الاهتمام بالشعر التقليدي وأغراضه، والشعر المعاصر وقضاياه، وممن سهموا أيضا وبشكل كبير في تناول قضايا الوطن العربي وهموم وتطلعات مواطنيه، وذلك من خلال الإبداعات الشعرية التي ينشرها على صفحات الجرائد والمجلات المحلية والعربية، أو في دواوينه الشعرية المنشورة والمطبوعة. 

إننا من خلال هذا الحوار القيم، نحاول رصد ملامح من حياة المؤلف العلمية والثقافية، وكذا نظرته إلى الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي لبلده والبلدان العربية الأخرى، وأهم القضايا الأدبية والثقافية التي يشتغل عليها، وجديده على الساحة الأدبية والعلمية. ومن أجل الإجابة عن هذه الأسئلة انطلقنا معه في حوار هادئ، فكان على الشكل التالي:

1: حدثنا عن مسيرتك الذاتية؟

يمكن أن يقال: كان الشعر في الحياة فالحياة مادة الشعر، وكان أيضا في الكتب؛ ذلك أنني كنت أقرأ الشعر في كتابي المدرسي وفي الصحف الورقية آنذاك وفي دواوين الشعر ولذلك تفتحت موهبتي في الثالثة عشر من عمري بما يسمى بشعر البدايات.

2: كيف كانت مسيرة أستاذنا العزيز ومن هم أبرز أساتذتك وشيوخك، سواء الذين درست عليهم، أو الذين تأثرت بهم؟

-الغريب في الأمر أن الكتاب كان مصباحي الذي رافقني في مرحلة الطفولة والشباب فهو الصديق الذي لا تنتهي صداقته عند وقت محدد و هو الأستاذ الذي يلازمك طيلة حياتك واستنرت بآراء بعض النقاد الذين فتشوا عن المحاسن ليظهروها و همسوا في أذني عن المساوئ لأتجنبها أما أساتذتي فأول من أخذ بيدي في العلم الشرعي هو عالم الحديث الشيخ (أبو معاذ محمد العرميطي) وعالم الفقه الشيخ (سمير مراد) الذي شجعني على الاهتمام بالشعر و أنه لا يتعارض مع الاهتمام بالشريعة بل كان لدروس العلم الشرعي دورها في صقل الشعر و إن كان هذا بأسلوب غير مباشر أما الشعر فكان لدراستي في المرحلة الثانوية الدور الأبرز في وضع بصري على أول خطوات الكتابة الجادة و الاهتمام بعدها بالتعلم الذاتي عن طريق كتب الشعر ونقده.

3: لماذا كتابة الشعر؟ وما هي أهم الأغراض التي تثير اهتمامك؟

لا أظن أن الشاعر يختار أن يكون شاعرا؛ مع أنني كنت مهتما بالنثر كاهتمامي بالشعر ولكنني رأيت صعوبة اتقان العروض (أوزان الشعر) وأن الكثيرين يبتعدون عن الشعر لعدم معرفة البحور الشعرية فقررت أن أتخصص في ما أعرضوا عنه ؛ وأنا الآن أسعى لتعويض ما مضى من إهمال للنثر عن طريق المقال و الخاطرة و القصيدة النثرية و لكن لأسباب ليس هنا مجال بحثها لم يعرف عني إلا كوني شاعرا أما الأغراض فأنا لا أسعى لوضع قائمة بالأغراض أسير عليها (كحب الوطن أو الرثاء أو الأخلاق) و لكن الشعر يأتي بالتفاعل مع موهبة الشاعر و الحياة التي هي مادة الشعر كما أسلفت.

4: صدرت لك أستاذنا الكثير من الأعمال الأدبية والعلمية حبذا لو تحدث لنا عن بعضها:

الدواوين التي أصدرتها إلى الآن هي أربعة: (هتاف أنفاس)، و(سكوت)، و(سنديانة الأشواق)، والديوان الجديد هو (حلم جريء).

5: صدر لسيادتكم ديوان قيم بعنوان: “حلم جريء”، فحبذا لو تحدثتم لنا عن الجديد الذي سيقدمه على مستوى المضمون والإضافة العلمية والثقافية؟

قد أجد صعوبة في الحديث عن الذات ولكن من قرأ الديوان من إخواني الشعراء والنقاد أكدوا أن الديوان يحتوي على تأملات وتحديات على مستوى الفرد والجماعة مع عدم إغفال الجانب الروحي في النصوص بالاحتفاء بالتحليق فيما وراء المادة في عالم الغيبيات كالموت والنعيم الدائم.

6: كيف تقيمون واقع الحركة العلمية والثقافية والاجتماعية والصحفية في بلاد الأردن؟ وما هي الصعوبات التي يعاني منها المثقف الأردني؟

– الساحة الأردنية هي جزء من الوطن الممتد وهي بخير و الحمد لله وقد كان الأدباء يعانون من قلة النشر في الصحف والمجلات الورقية فقد كانت محدودة فكنت تجد أدباء يسجنون ابداعهم في أوراقهم الخاصة أما الآن فقد أغنت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية عن هذا كله و سهلت نشر نتاج المبدعين فكلهم يستطيعون أن يبرزوا مواهبهم و قد أدى هذا إلى امتزاج النهر بالبحر الكبير أي أن شعراء البلاد العربية مثلا أصبحوا وكأنهم شعراء بلد واحد و قد يكون لهذا إيجابيات وسلبيات فلا أرى صعوبات في الوقت الحالي أمام المثقف في نشر فكره و فنه.

7: كيف تنظرون إلى مستقبل الشعر العربي المعاصر؟

هذا السؤال يفضل أن يوجه إلى كل شاعر فكل شاعر له معاناته وهو نسيج وحده وبهذا نحفظ حق التميز الذي يضمن لنا التعدد والتنوع فمستقبل الشعر هو طريق يكشف إصرار الشعراء على الاستمرار في عالم الجمال والالتزام وهو أيضا يكشف العبء الذي ينوء تحت ثقله النقاد في إضاءة التجربة الشعرية وتنقيتها.

8: هل ترون أن هنالك تقاربا في الأغراض الشعرية التي يشتغل عليها كل من أدباء بلاد الأردن والمغرب؟ وما هو أبرز الاختلاف بينهما؟

 قد يحتاج هذا إلى بحث للخروج بنظرة شمولية ولكنني أظن أن تراثنا واحد و آمالنا واحدة مع فروق طفيفة.

9: ماذا تعني لك هذه الكلمات والاسماء:

° الأمة: مشاعر واحدة في قلوب كثيرة.

° النهضة: شريان يتدفق ولا يعرف المستحيل.

° فلسطين: طريق بعيد قريب.

° علال الفاسي: شاعر غاب ولم تغب مآثره.

10: كلمة أخيرة للأستاذ زيد الطهراوي لجريدة لاديبيش:

 أشكر جهود الجريدة في بث الوعي والثقافة والفكر. والشكر موصول أيضا للأستاذ الباحث موسى المودن على هذا الحوار الشيق.

وأتمنى ونحن في العام الجديد أن نجهض كل ما يؤثر على الصفاء وأن نسهم في المحبة التي تروي ظمأ النفوس وأن نتسابق في مضمار الإيثار والتسامح لبناء عالم أجمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى