الإسرائيليون يتهمون الآخرين بالكذب !

سعيد مضيه | فلسطين

سجل وزير خارجية إسرائيل الكذب على تركي الفيصل، الأمير السعودي. اعتبرها “كاذبة” اتهاماته لإسرائيل انها “قوة استعمارية غربية” وان الإسرائيليين “يهدمون المنازل كما يشاءون ويقومون باغتيال من يريدون”. طبيعي أن تهمة الكذب أخف من اللاسامية ونشر الكراهية. دعا الوزير الإسرائيلي، غابي أشكينازي – وهو لا يكذب أبدا – “الفلسطينيين الى الدخول في مفاوضات مباشرة غير مشروطة. انها الطريقة الوحيدة لحل الصراع”. تناسى الوزير الصادق جدا أن ربع قرن من التفاوض المباشر لم تسفر إلا عن مضاعفة الاستيطان بالضفة.

ماض يقاس بالسنوات دعا الوزير الى وجوب نسيانه؛ بينما لن ينسى ماضي آلاف السنين القائم على خرافات. “عصر إلقاء اللوم قد انتهى، نحن في عصر جديد”…واتهام إسرائيل “لا تعكس الحقائق او روح التغيير التي تمر بها المنطقة”. يقصد أشكينازي أن جرائم إسرائيل وانتهاكاتها الفظة لحقوق الإنسان الفلسطيني وللقانون الدولي الإنساني باتت وقائع لا رجعة عنها يجب تركها للنسيان كي تمضي إسرائيل بالفعل قوة استعمارية، مثلما صرح الأمير السعودي، تفرض العلاقة الكولنيالية مع دول عربية أخرى، وذلك مقدمة للهيمنة المطلقة على مقدرات المنطقة بأٍسرها. باتت لدى إسرائيل الجسارة لكي تتهم الآخرين بالكذب، وهي التي شهد القاصي والداني أن مجمل سياساتها تقوم على الكذب والتزوير والتلفيق.

نسوق الوقائع التالية منقولة عن مصدر غير عربي وليس مسلما:

“خلال سنوات والموساد يشن حملاته الهادفة إقناع العالم أن إيران امتلكت برنامجا للسلاح النووي ويمنح ذاته الحق في اقتراف مسلسل الاغتيالات لأكاديميين إيرانيين.

“في الحقيقة نجح الموساد في تصفية فخري زاده، رغم معرفته ان وصفه للرجل بالمهندس الرئيس في برنامج الأسلحة النووية الإيرانية كان مجرد خداع. تتالت الأعوام ومنابر الميديا الأميركية تقدم فخري زادة عدلا لروبرت أوبنهايمر، وتسويقه للجمهور العقل المدبر لما يناظر مشروع مانهاتان. تم تطوير هذه الصورة بصورة رئيسة عبر حملة تشويه نظمتها إسرائيل بعناية شديدة استندت الى وثائق تحمل معالم التلفيق. تواطأ الإعلام مع الاستخبارات على التزييف والتلفيق”.

وقائع اوردها غاريث بورتر، صحفي التقصي الأميركي، في تقرير نشره بمجلة غراي زون [المنطقة الرمادية]، ونقله موقع كاونتر بانش بتاريخ الرابع من ديسمبر/ كانون اول الجاري. غاريث بورترصحفي تقصي مستقل قام بتغطية سياسات الأمن القومي منذ العام 2005، ونال جائزة غيلهورن للقدس عام 2012. أحدث كتبه “دليل العاملين بالسي آي إيه تجاه الأزمة الإيرانية”، بالمشاركة مع جون كيرياكاو، والذي صدر في شباط الماضي. كتب عدة تقارير تكذب تلفيقات الأجهزة الاستخبارية او تكشف وقائع أخفتها السياسات الامبريالية. منها على سبيل المثال ما سمي “خط الفار” لتقل الأسلحة من المخازن الليبية بإشراف الخارجية الأميركية وهيلاري كلينتون شخصيا. كان الخط يمر بتركيا حيث يدخل الى فصائل الإرهابيين داخل سوريا. واماط بورتر اللثام عن لغز السلاح الكيميائي المستعمل في سوريا مؤكدا ان تركيا هي التي زودت الإرهابيين به لكي يجري اتهام الحكومة السورية، ومن ثم ضرب مرافقها بالصواريخ لتوسيع الخراب في ربوعها.

صحافة التقصي ظاهرة إعلامية برزت في دول الغرب، تصدت لكشف ما تحجبه السياسات والإعلام في الغرب عن مدارك الناس، سواء كان الحجب بمؤامرات الصمت عما يشين السياسات والممارسات او اعتماد التلفيق والتزوير. ظهرت في هذا السياق كتابات عدة ألقت أضواء كاشفة على حقيقة السياسات الامبريالية، أبرزها ويكيليكس، وناشرها جوليان أسانغ الذي يجمع السياسيون وإعلامهم في الغرب على إنزال عقوبة سجن قاسية به، جراء الكشف عن جرائم الحرب الأميركية في العراق وأفغانستان.

في الحقيقة تشكل إثر الثورة المعلوماتية المواكبة للثورة التقانية –الإليكترون – نمطان من منابر الإعلام: أحدهما نافس المنابر الرئيسة والرسمية من حيث سعة الانتشار وتحصيل الأرباح الأسطورية، ومن حيث خدمة مصالح الشركات الكبرى والرأسمال المالي؛ بل إن هذه الشركات الإعلامية الكبرى المنهمكة في نشر ثقافة التسلية والإعلانات وكل ما يبلد الذهن ويشوه الأخلاق العامة تسجل أعلى الأرباح بين الشركات الخاصة؛ ظهرت غوغل وفيسبوك وإنستغرام وغيرها الكثير .

اما النمط الثاني فيستقبل تقارير صحافة التقصي، حيث لا تجد إلاه منبرا تنشر على صفحاته مكتشفاتها، تحديا للإعلام الرسمي، يكشف الحقائق ويفضح المستور. ظهرت منابر كاونتر بانش وكونسورتيوم نيوز وإنديسيت وترو إن ميديا والحقيقة البشعة بالانجليزية، ومنابر أخرى .

جوناثان كوك صحفي تقصي من إسرائيل يفضح حالة اجتماعية يخفيها الإعلام الرسمي، لعلها التعبير عن المجتمع اليهودي في إسرائيل. يكتب جوناثان كوك :

إيريك فروم عالم النفس الألماني المشهور، الذي اضطر للهرب من ألمانيا عندما تسلم النازيون السلطة السياسية اوائل ثلاثينات القرن الماضي، طرحت بصيرته النفاذة أواسط خمسينات القرن الماضي في كتابه “المجتمع السليم” أن الجنون لا يعود الي فشل الفرد في التأقلم مع المجتمع الذي يعيش وسطه؛ إنما المجتمع ذاته يمكن أن يكون مريضا، ومقصيا عن الحياة الطبيعية، لدرجة الإيعاز لأعضاء المجتمع بالتمرد عميق الأغوار، وإشاعة نمط من الجنون الجماعي يشمل أعضاء المجتمع. وفي مجتمعات الغرب الحديثة، حيث الأتمتة والاستهلاك الضخم تفصحان عن الحاجات الإنسانية الأساس، فالجنون هو الظاهرة العادية وليس الشذوذ.”

ربما يكون روبرت فيسك، الصحفي البريطاني الجسور، هو الأجرأ والأوسع شهرة بين الصحفيين عموما. نال قسطه أثناء حياته من تهجمات السياسة والإعلام الرسميين، لانه كشفهم مزورين وكذبة. بعد وفاته لم يراع البعض من المعيب مهاجمة شخص راحل لا يستطيع الرد، فأفرغ حقده الدفين. تصدى نفر من كتاب التقصي للمتطاولين على فيسك، منهم جيمز نورث. صحفي تقصي وكبير مراسلي مجلة موندفايس، وطوال أربعة عقود كتب تقارير صحفية من إفريقيا واميركا اللاتينية وآسيا. يعيش الآن في مدينة نيويورك. ناقش كتابات صحفية هاجمت روبرت فيسك، وشهد بحقه “فيسك امتاز بربط الجور في سياسات الغرب بالحروب والآلام التي نزلت بالضحايا. أثار الشكوك حول اتفاق أوسلو “اتفاقية السلام” عام 1993، منذ توقيع الاتفاق؛ استطلع آراء الناس العاديين من الفلسطينيين، ولم يقصر اهتمامه على المستويات العليا من الدبلوماسيين.

نقل نورث مما كتبه روبرت فيسك:”عندما يغتال الفلسطينيون إسرائيليين نعتبرهم أشرارا؛ وعندما يقترف الإسرائيليون مجزرة ضد الفلسطينيين يجد الأميركيون ودول الغرب من الملائم اعتبار تلك الجرائم مآس، سوء فهم أو تصرفات مجانين الفلسطينين – بكل ما تعنيه وتشمله كلمة الفلسطينين – هم المسئولون عن الأفعال؛ أما الإسرائيليون فلا يعاملون المستوى نفسه”

“ذهب [فيسك] الى “المستوطنات” اليهودية التي أقامتها إسرائيل بالضفة الغربية، لم يتستر على وجهات النظر القاسية في عدائها للشعب الفلسطيني التي سمعها بأذنيه.

كما قابل فيسك نماذج من الإسرائيليين ممن يظهرون على المنابر الرئيسة بالولايات المتحدة ، لكنه حذر القراء أنهم لا يمثلون القطاع الأعظم من الجمهور الإسرائيلي:

“…د. يدي زوكر ليبرالي، عضو في الكنيست وقائد حركة الحقوق المدنية، وهو ضمن الأقلية؛ هو من نمط الرجال واسعي الأفق، يضع نظارات على عينيه، أكاديمي المظهر – ممن يسعى زوار إسرائيل الى سماع ما يرغبون سماعه”.

يختتم جيمز نورث مقالته التأبينية: إن كتاباته الرهيبة عن الشرق الوسط قد بذرت أحلام طفولتي بأن اكتب تقارير صحفية عن الشرق الأوسط .

وغير فيسك ونورث برز صحفيو تقصي آخرون دأبهم التنقيب بين ثنايا دبلوماسية الحرب والعدوان: كريس هيدجز دائم التنقيب في ثنايا المجتمع الأميركي المسير بدينامية سلطة الاحتكارات. “الجمهوريون يضحون بالدولة العميقة وبالشيوعيين، وهاهم يضحون بأساليب سوقية بدولة فنزويلا؛ الديمقراطيون يضحون بروسيا . يبدي القادة السياسيون الأميركيون انفصاما واسعا عن الواقع، إذ يرمون تقنيع تواطئهم بالإمساك بالسلطة بواسطة الشركات الكبرى وأصحاب المليارات.”

وكذلك العلامة غاريكاي تشينغو / من جامعة هارفارد يرصد التشويه المتعمد للعرب والمسلمين في الإعلام، خاصة السينما. التقط في سينما هوليوود ” الدعاية لتفوق البيض مع تواصل تصوير المسلمين مجرمين ومتوحشين بحيث لا يرتقون لمستوى التمدن الأميركي” وذلك “رغم ان تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي تؤكد ان جرائم العنصريين البيض تفوق بكثير ما يسجل على الإرهابين المسلمين”.

وحسب الدكتور ادوارد سعيد “لجأ التيار الرئيس في الفكر الأكاديمي إلى اعتبار الموضوعات [الخاصة بالإسلام] محصورة ضمن الموقع الثابت الذي جمدته نظرة الإدراك الغربي في إسار الزمان، مرة وإلى الأبد”، وذلك بخلاف النصوص الأدبية تتفاعل مع القراءات المتجددة. بصد استشراق بيرنارد لويس، الذي طرح نفسه داعية تحريض ضد العرب وتوجهاتهم التحررية، لدرجة أن وضعه السياسيون الغربيون والصهاينة على وجه الخصوص، في مكانة رفيعة مرشدهم الاعلى في شئون منطقة حساسة وهامة. كتب عنه ادوارد سعيد ” حجج لويس تشهد تحوله إلى سلطة مسخرة لصالح الحملات الصليبية المناهضة للإسلام والمناهضة للعرب، وتلك الصهيونية وخادمة الحرب الباردة، والتي تنفذ بحمية متلفعة بمسحة تمدن ذات صلة واهية بذلك ‘العلم’ والتعلم الذي يزعم لويس انه حامل لوائه”.

نعود الى غاريث بورتر في مقاربته اكاذيب الموساد وتلفيقاته خلال ثلاثة عقود

ترجع بداية اهتمام دعاية الموساد حول فخري زادة في اوائل تسعينات القرن الفائت، عندما لفقت إسرائيل والولايات المتحدة الشكوك حول طموحات إيران لتطوير سلاح نووي.. التقط محللو المخابرات الأميركية والإسرائيلية والألمانية رسالة تيليكس من جامعة شريف للتكنولوجيا في طهران اوردت برنامج تعدد “الاستعمال المزدوج”- تلك التي يمكن استغلالها في برنامج نووي، ولكن تستعمل أيضا في برامج غير نووية. والعديد من هذه التلكسات حملت رقم منظمة أطلق عليها مركز الأبحاث الفيزيائية، ويعمل تحت إشراف وزارة الدفاع. فسرت السي آي إيه والاستخبارات الحليفة تلك الرسائل بينات على ان العسكرية الإيرانية تطور برنامجها النووي، ومن ثم فإيران تسعى بصورة سرية لامتلاك القدرة النووية.

خلال الدورة الأولى من إدارة بوش الابن اوكلت مهمة الإشراف على الشأن الإيراني الى جون بولتون، حليف الليكود الإسرائيلي؛ دفع هذا وكالة السي آي إيه لنشر تقديرات تستنتج لأول مرة ان إيران قد شرعت برنامجا لإنتاج سلاح نووي. وجد الموساد الإسرائيلي في اللفتة الأميركية ضوءًا اخضر لكي تحرك حملة دعاية سوداء أحالت برنامج السلاح النووي السري الموهوم كيانا دراميا قائما بذاته.

وما بين عامي 2003 و2004 قدم الموساد رزمة كبيرة من الوثائق الإيرانية المفبركة حوت تفصيلات جهود لإقامة تماثل بين السلاح النووي وصاروخ شهاب -3 الإيراني . حوت وثائق الموساد شارات متعددة على الاختلاق والتزييف. مثال ذلك ان عربة الدخول المتكرر الموضحة بالرسومات قد تم التخلي عنها عام 2002 – قبل الموعد المفترض لإدراج الرسومات طبقا للرسومات ذاتها. لذلك أيا كان المسئول عن الرسومات فانه لم يع القرار الأهم الذي اتخذته وزارة الدفاع حول مستقبل الردع الصاروخي الإيراني.

لم تكشف السي آي إيه عمن اخرج الوثائق من إيران وكيف. وفي العام 2003  فسر كارستين فويغت، أحد كبار المسئولين بالخارجية الألمانية، لغاريث بورتر، كاتب التقرير، إن وكالة المخابرات الالمانية (بي إن دي) قد تلقت حزمة الرسومات من مصدر عارض يصفه رؤساء الاستخبارات انه غير موثوق.

ومن هو ذلك المصدر؟ كما قال فويغت يتبع منظمة مجاهدي خلق، المتحالفة مع صدام حسين أثناء الحرب العراقية –الأفغانية، وكانت تمرر معلومات ودعاية لم يشأ الموساد أن يعزوها لنفسه. هذه المنظمة تعرضت لتعسف الآيات بعد نجتح الثورة التي ساهموا فيها بنشاط. دفعهم الشعور بالغبن وعدم الاستقامة للتحالف مع الشيطان. الشيوعيون في حزب توده تعرضوا لما هو أشد شراسة؛ لكنهم لم بفقدوا الصواب ويتحالفوا مع أعداء التحرر والديمقراطية.

عرّفت وثائق الموساد البروفيسور محسن فخري زاده انه المدير لمشروع يفترض انه سري للغاية يحمل الاسم “خطة آماد”. في الحقيقة كان فخري زاده ضابطا في الحرس الثوري الإسلامي وموظفا بلوجستيات القوات المسلحة لوزارة الدفاع، ودرّس الفيزياء بجامعة الإمام حسبن في طهران.

في كتاب حول تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية، ” المهمات الأعظم للخدمات السرية الإسرائيلية”، وصف المؤلفانن ميشيل زوهار ونيشام ميشال، الموساد بالقابع خلف بروز الوثائق النووية الإيرانية. ذكر الكاتبان كيف جمع الموساد معلوماته حول فخري زاده ونشرها بعد ذلك من خلال منظمة مجاهدي خلق ذاتها.

وشملت الوثائق رقم جواز سفره وبيته ورقم هاتفه. كتب زوهار وميشال،” هذه الكمية من التفاصيل والوسائل تؤدي إلى أن يصدق المرء أن …‘ خدمة سرية معينة ’ يشتبه الغرب أنها تمضي خلف أجندتها الخاصة، وتعنّي النفس بجمع هذه الوثائق والأرقام حول العلماء الإيرانيين وتحولها الى المقاومة الإيرانية – مجاهدي خلق.

كما أشارت الوثائق إلى أن فخري زاده هو رئيس مركز أبحاث الفيزياء، وبذا تربطه بحيلة خادعة بجهود “الاستعمال المزدوج” التي توافقت مخابرات الدول الغربية على تلفيقها أوائل تسعينيات القرن الماضي. وانعكس الاتهام في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1747، الذي حمّل المسئولين في إيران وزر نشر السلاح النووي والصاروخي في إيران.

وفي هذا القرار أدرج فخري زاده كبير علماء وزارة الدفاع والرئيس السابق لمركز أبحاث الفيزياء، وهذ ا ما اتضح كذبه. قدمت المنظمة الدولية للطاقة النووية ما وضع حدا للخرافة التي نسجها الموساد حول فخري زاده كرئيس لبرنامج نووي سري كبير في إيران.

دب نشاط جديد لدى الموساد بعد أن نشرت السي آي إيه في نوفمبر 2007 تقديرات تفيد أن إيران أوقفت الأبحاث لتطوير سلاح نووي. صممت إسرائيل على تحييد التقدىرات، وشرعت العمل على خط جديد لوثائق بالغة السرية. هذه المرة قدمت إسرائيل الوثائق مباشرة الى المنظمة الدولية للطاقة النووية في أواخر العام 2009 ، وكان البرادعي رئيس المنظمة، وأوردها في مذكراته. إحدى الوثائق قدمت الى صحيفة التايمز اللندنية، وقال البراذعي في مذكراته إن الخبراء التقنيين في المنظمة ” أثاروا عدة أسئلة بصدد مصداقية الوثيقة….”

حتى السي آي إيه وعدد من محللي الاستخبارات الأوروبية أبدوا الشكوك حول مصداقية الوثيقة المتعلقة بفخري زاده. وعلم واضع هذا التقرير، غاريث بورتر، من فيليب غيرالدي، الموظف السابق في قسم مناهضة الإرهاب في السي آي إيه، أن محللي السي آي إيه اعتبروا الوثائق ثمرة التلفيق.

لم يكن اغتيال فخري زاده أول جريمة اقترفها الموساد. في تموز 2011 أطلق أحد منتسبي مجاهدي خلق النار في متنزه عام على طالب الهندسة داريوش رازا ببنجاد، أرداه قتيلا وأصاب زوجته بجراح. تم استهداف الشاب على أساس بطاقة تعريف لنفسه باحث في الطاقة الكهربية العالية الفولتية . بعد بضعة أيام زود موظف في منظمة مجهولة أطلقت على نفسها “دولة عضو”، مراسل أسوشييتد برس، جورج جان، ما يشير إلى أن المغدور “يعمل في مكون رئيس في إعداد المتفجرات اللازمة لصاعق الرؤوس النووية”.

ثم في أيلول/ سبتمبر 2011 زود الإسرائيليون جان “ملخص استخباري” تضمن الادعاء السخيف أن المغدورا لم يكن مهندسا كهربائي على الإطلاق؛ إنما هو “فيزيائي” عمل لصالح وزارة الدفاع الإيرانية في مختلف أوجه السلاح النووي.

سيناريو من التلفيقات هو ما ميز أساليب عمل الموساد، وتكرر في قضية فخري زاده: إلاستخبارات الإسرائيلية ببساطة تحيك قصة تتمركز حول روابط مختلقة لبرنامج نووي غير موجود؛ ثم تراقب بينما صحافة الغرب تنشر الدعاية بدون نقد أو تمحيص، لتؤسس بذلك حيزا سياسيا لاغتيالات تتم بدم بارد في وضح النهار.

طبيعي أن من زور التاريخ القديم ونجح في تجسيد ميثولوجيا خرافية واقعا متعينا وقوة يحسب لها الحساب، طبيعي أن يمعن في نسج الأكاذيب ويجسدها واقعا ينزف المأساة السوداء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى