تاريخ

بول وماريا PAUL İLE MARIA للكاتب سقراط فوزي

تركيا – اسطنبول

حدثان لهما مكانة مهمة في التاريخ الأوروبي، أولهما : الحرب العالمية الثانية، أما الحدث الثاني هي فترة نفي الإمبراطور نابليون بونابرت ، اللتين تركتا انطباعاً عميقاً للغاية، ترويها الرواية الأصلية لسقراط فوزي في كتاب بعنوان:(PAUL İLE MARIA بول و ماريا) باللغة التركية، الذي صدر عن دار نشر (Göl kitap Yayıncılık) باسطنبول – تركيا، وذلك في شهر مايو 2023م، والكتاب من القطع المتوسط ويضم 132 صفحة، أما الطبعة باللغة العربية ستصدر قريباً أيضاً، ويتناول هذا الكتاب القصة الأولى المذكورة من خلال السرد القصصي التاريخي من وجهة نظر واقعية (الحرب العالمية الثانية)، أما القصة الثانية التي حدثت في -فترة نفي نابليون بونابرت- فهي من وجهة نظر خيالية.


تدور أحداث القصة الأولى خلال الحرب العالمية الثانية حيث ارتبط كل من المهندس الناجح بول كرامر والدكتورة ماريا شتراوس ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض. ومع ذلك ، فإن ابن عمه كارل ، وهو ضابط نازي لديه حب غير متبادل لماريا ، هو أكبر عقبة أمام هذا الحب.
يبدأ “اللقاء في جزيرة سانت هيلانة” بصياد وقع في عاصفة بقاربه ووجد نفسه في عام 1821. سوف يعلمه نابليون في المنفى درساً في الحياة ..
هذا وفي دراسة متأنية ومعلومات تاريخية مفصلة وسرد قصصي يعبر عن قوة ذلك الحب، يتناول الكتاب مجريات الأحداث الحقيقية للحرب العالمية الثانية وفترة حكم الحزب النازي التي دامت اثنا عشر عاماً من خلال علاقة إنسانية عاطفية بحتة ربطت المهندس بول كرامر بالطبيبة ماريا شتراوس المتخرجين حديثاً واللذين قررا إنشاء نواة أسرة صالحة.
إنه يسلّط الضوء على شخصية المواطن العادي المهندس الشاب الذي لا دخل له بالشؤون السياسية وإن كان يتابع بوعي مجريات الأحداث والمخاطر التي قد يتسبب بها الحزب النازي وتقرر بالتالي مصيره ومصير بلده.
إن وعي بول كرامر لم يأت من فراغ لكونه نشأ من أسرة بسيطة الحال يتيم الأب الذي قُتل في الأشهر الأولى من نشوب الحرب العالمية الأولى وتكفلت والدته بتنشئته وكافحت من أجل أن يتلقى ابنها تعليماً جيداً متحملة ظروف ومشقة الحياة.
لقد غذّت السيدة كرامر ابنها بول بالمبادئ والقيم الأصيلة للحياة من واقع المعايشة الحقيقية للآلام التي تسببت بها الحرب العامة. كان بول يُدرك أن بلده لن تتحمل حرباً أوروبية أخرى تأكل الأخضر واليابس وتتسبب بالبؤس والخراب للقارة الأوروبية وربما تمتد لتشمل مناطق أخرى من الكرة الأرضية ويُفلت الزمام من يد المتسببين إلى قدر غير معلوم.
وفي المقابل نرى الطبيبة الشابة ماريا شتراوس المتخرجة حديثاً وهي من أسرة ارستقراطية ميسورة الحال تأثرت بقصص والدها إيبرت شترواس عن معاناة الحرب العامة التي خدم فيها مجنداً وأصيب فيها بجراح لكنه كان من الناجين. لقد جعلت معاناة الحرب من السيد شتراوس الأرستقراطي مواطناً يشعر بمعاناة المواطنين العاديين فكان إنساناً متواضعاً وكذلك زوجته كلارا. لكن السيد شتراوس كان شديد الإعجاب بالزعيم النازي هتلر فوهرر ألمانيا الذي استعاد لبلاده ما فقدته من أراضي وأعاد لها مكانتها بعد هزيمتها المخزية في الحرب العامة. وكان السيد شتراوس سعيد بكل إنجاز يحققه هتلر في الشؤون الاقتصادية والبنية التحتية وفي السياسة الخارجية. ومع ذلك، لم يكن شتراوس من دعاة الحرب بل كان يؤمن بقدرة الفوهرر على استعادة مجد ألمانيا دون التورط بخوض حرب ثانية.
في الأوقات العادية يلتقي المحبون والعشاق ويلهون ويتحدثون عن أمورهم الشخصية وعن آمالهم وخططهم للمستقبل. لكن في حالة بول وماريا فالأمر مختلف تماما فكانت أحاديثهم تتم تحت ظلال الخشية من نشوب حرب عالمية قد يتسبب بها الحزب النازي غير معروف نتائجها. فلقد ربط الحزب النازي حياة الأفراد العاديين بقدره، النصر المبين، أو الهزيمة والدمار.
لقد ظهرت روح الحزب النازي من خلال شخصية كارل ابن عم ماريا العضو الفعال في الحزب النازي الحاكم. لقد عشق كارل ابنة عمه ماريا لكنه كان هوى من طرف واحد فماريا تنظر إليه كنظرة الأخ لأخته لكونه نشأ في منزل آل شتراوس وتكفّله عمه إيبرت بعد موت والده في الحرب العامة. لكن كارل قرر التصدي لبول وكان يغلي من مشاهدة ابنة عمه تعشق مواطنا عاديا ليس من أسرة أرستقراطية وليس منتسبا لأي من تشكيلات الحزب النازي. لقد قرر كارل أن يمنع زواج بول بماريا بشتى الوسائل مستغلا نفوذه في الحزب النازي حتى لو اضطره الأمر إلى تصفية بول.
نحن نرى في القصة صراع بول وماريا من أجل تحقيق حلمها البريء في حقهما بتكوين أسرة تحت رضى ومباركة والدة بول السيدة كرامر ووالدي ماريا إيبرت وكلارا شتراوس. لكن الكابوس المتمثل في كارل وفي الحزب النازي الذي كان يقود ألمانيا كان لهما بالمرصاد.
إنها قصة تعكس حياة الأفراد العاديين في أي بلد أو مجتمع في أنحاء العالم يكونون أولى الضحايا وأكثر المتضررين من عبث من يقررون المصائر والأقدار. نحن نشاهد حالات انتقام المنتصرون من المواطن العادي وخاصة النساء والفتيات على يد بعض أفراد الجيوش الظافرة. فلقد جاءت الفرصة لخصوم ألمانيا للانتقام من أفراد شعبها رداً على مظالم الجيش النازي أيام انتصاراته الأولى. وفي كلا الحالتين يكون الضحية هو أفراد الشعب العادي الأعزل.
لكن هل تنتهي قصة بول وماريا عند هذه الحدود؟ كلا، إننا نرى ألوان من الحب والنضال والوفاء والإخلاص والأهم هو عدم اليأس لأن يد القدر التي رسمت فراق بول وماريا قادرة على الجمع بهما مرة أخرى مثلما تم الجمع ولو بعد عقود بين الألمانيتين اللتين توحدتا مرة أخرى لكن اتحادهما ما كان ليكتمل دون عودة بول لماريا.
لقاء في جزيرة القديسة هيلانة
كما يتناول الكتاب قصة لزعيم آخر حاول السيطرة على العالم وخاض الحروب التي تسببت بالدمار الشامل وبهلاك وإصابة وإعاقة الملايين من الأفراد من عسكريين ومدنيين. تتناول القصة الخيالية السفر عبر الزمن عن طريق الصدفة لصياد كان يتهادى وسط الأمواج في زورقه الصغير وهدفه أن يظفر بسمكة كبيرة لكن الشمس كانت على وشك المغيب دون أن يظفر بصيده فتمنى أن يتأخر مغيبها ولو ساعة واحدة غير أن عاصفة محملة بغيوم سوداء جعلته في ثوان معدودة مثل هباءة وسط بحر متلاطم الأمواج لكنه تمكن من النجاة بأعجوبة ولاذ بجزيرة كئيبة وسط المحيط لا يعلم كيف وصل إليها.
رأى الصياد كوخا في وسط الجزيرة الصغيرة الكئيبة الموحشة فقرر اكتشاف هوية ساكنوا هذا الكوخ لتحدث الصدمة وتقع الواقعة. لقد وجد الصياد نفسه أمام ساكن وحيد للكوخ لكنه لم شخصا عادياً بل شخصية فوق العادة بل وتفوق الخيال من خلال لباسه الغريب وتعابير وجهه التي تثير المشاعر وتلهب الأحاسيس.
لم يعلم الصياد أن ظرفاً غير طبيعياً قد حمله في رحلة إلى الماضي السحيق ليلتقي بنابليون بونابرت الذي عرفه من خلال كتب التاريخ. لكن كيف يكون موقفك عندما تجد نفسك في مواجهة أحد أهم شخصيات التاريخ؟ طبعاً تحدث الصدمة الأولى فلا يمكن تصديق ذلك لكن ساكن الكوخ يهز بتلابيبك وينبهك بأنك في موعد تاريخي فريد.
إنه لقاء بين الحاضر والماضي الذي كتبه المنتصرون لكن نابليون لم يكن من المنتصرين لذلك جاءت الفرصة للصياد المطلع على بعض الكتب التاريخية ليطرح بعض الأسئلة على ناصب الملوك والتيجان. ثم أن الصياد لم يقاوم رغبته في الاقتراح على نابليون بونابرت أن يُعلمه بما وقع من أحداث بعد موت القائد العظيم. بل ويتمادى الصياد ويقترح على بونابرت أن يغادر الجزيرة بصحبته وركوب الزورق الصغير الذي لجأ إلى ثغر آمن. لكن، هل يوافق نابليون رغبة الصياد بإعلامه عن الأحداث الغيبية التي حدثت بعد موته؟ وهل يوافقه على ركوب الزورق ومغادرة الجزيرة معا؟
كان الصياد يفاجأ دوماً بظهور حارس الكوخ الذي نصبه المنتصرون لكي يقوم بإذلال الإمبراطور الذي كان يقف له دوما بالمرصاد مرفوع الرأس إلى أن يعود من حيث أتى دون أن يظفر بطريدته. تكشف القصة نواحي عاطفية من شخصية بونابرت المتمثلة في وقوع ابنه الوحيد أسيراً لدى الأعداء. كما يحاول الصياد معرفة أسباب الحروب النابليونية من وجهة نظر بونابرت نفسه. ثم أن نابليون يكشف عن سبب هزيمته ويقول إنه القدر بل ويتحدث عن هدف القدر وحكمته وتصرفه أحيانا بالشكل الخارج عن المألوف!
والسؤال الذي يطرح نفسه وأجاب عنه بونابرت هو; إلى ماذا يهدف القدر عندما يتدخل ويقلب الأحداث رأسا على عقب بالشكل الذي لا يمكن لأحد أن يتوقعه؟!
تكشف أحداث القصتين أن الإنسان يفشل كثيراً في الاستفادة من الدروس التاريخية لكن يحدث الندم بعد وقوع المحظور، فها هو نابليون يقضي بقية حياته أسيرا ذليلا في جزيرة موحشة بمكان مهجور من المحيط الأطلنطي. أما أدولف هتلر الذي قضى آخر أيامه في الملجأ تحت مبنى المستشارية فقد قضى نحبه منتحراً جاراً وراءه دمار دولة وشعب دفع ما تبقى منه الثمن عقود طويلة.
والدرس المستخلص من الكتاب هو أن قيادة الدول ليست أمراً قابل للعبث والتجربة والخطأ أو الخضوع لأهواء النفس فنحن نتحدث عن مصير الملايين من البشر الذين يدفعون ثمن أخطاء القادة المتهورون من دمائهم وأرواحهم ومستقبل أجيالهم القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى