قراءة: د.محمود رمضان
المؤلف: الأستاذ الدكتور/ إبراهيم عبد المنعم سلامة أبو العلا حفظه الله أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية كلية الآداب- جامعة الإسكندرية
في طبعة جديدة متميزة 2016 م، صدر عن دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية كتاب مهم وجديد في طرحه وموضوعه الذي حمل عنوان: رعاية الأيتام واللقطاء في الأندلس منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية دولة المرابطين (520-92هـ/1126-711م)، لمؤلفه الدكتور إبراهيم عبد المنعم سلامة أبو العلا، أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية.
ويكشف المؤلف في هذا الكتاب عن حرص الإسلام على تأكيد حقوق الأيتام واللقطاء الاجتماعية منذ طفولتهم المبكرة وحقوقهم ورعايتهم والإحسان إليهم، كما أوضح المؤلف جوانب إنسانية واجتماعية وتاريخية مهمة في موضوع الدراسة عن المجتمع الأندلسي.
وتميز المؤلف بهدوئه العلمي ومنهجه التاريخي الفلسفي وحسه الفني والأدبي في الحرص على تحقيق ودراسة الأحداث التاريخية بغية الوصول إلى الحقائق التاريخية المهمة التي تعد مـن مصـادر دراسـة علوم التاريخ والآثار والحضارة الإسلامية.
يحتوي كتاب رعاية الأيتام واللقطاء في الأندلس منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية دولة المرابطين (520-92هـ/1126-711م) على 235 صفحة من القطع الكبير، ويتكون الكتاب من بابين رئيسين، يشتمل الباب الأول على تسعة فصول وخاتمة، أما الباب الثاني فيحتوي على ستة فصول وخاتمة، يليها ملاحق الدراسة وقائمة المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها الدراسة.
وتصدرت أهمية موضوع الكتاب الافتتاحية الرئيسية له، ولخص فيها الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو العلا المنهج التاريخي العلمي الذي تميز بسمو مضمونه ونبل فكرته، ووضوح أفكاره وأهدافه وذلك وفق منهج البحث التاريخي الفلسفي والتوثيقي، وتأنق اللغة ودقة مفرداتها وضبط معانيها ومدلولاتها وكنايتها، والتوفيق في توظيف المصطلحات التاريخية في موضوع الكتاب، فأسس بذلك مدخلًا ومنهجًا علميًا متفردًا يليق بالطرح الفكري والتاريخي للدراسة، بالإضافة إلى الحديث عن الأيتام واللقطاء في الإسلام وكفالة دين الحق والرحمة والعدل بهم ورعايتهم في الأندلس في الفترة (520-92هـ/1126-711م) بصفة خاصة، وفي الإسلام بشكل عام.
وجاء في افتتاحية الكتاب نصا : كفلت الشريعة الإسلامية للطفولة حماية كاملة ورعاية سابغة، ونال الأيتام واللقطاء نصيبا كبيرا من ذلك، فقد حرص الإسلام على تأكيد حقوقهم الاجتماعية منذ طفولتهم المبكرة، نظرا لما لهذه المرحلة من أهمية بالغة في احتضانهم وإيوائهم، لكي ينسوا مرارة اليتم واللقط، وليعوضوا ما فاتهم من عواطف الأبوة الحانية، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أكثر من عشرين آية يُبين للمسلمين الأحكام التي يجب أن تراعى في أحوال اليتامى والقيام على شئونهم، ورعاية مصالحهم، وحماية أموالهم وهم في حال الضعف وفقدان عوائلهم.
أما اللقطاء الأبرياء الضائعون الذين يستقبلون الحياة ضعفاء منبوذين من والديهم أو تائهين عنهم، فقد كانوا في أشد الحاجة إلى الحماية والرعاية؛ ولذلك أعطى المشرع لمركزهم في المجتمع الإسلامي وضعا متميزا وعناية خاصة قلما شهدتها المجتمعات الحضارية؛ فلم يقدمهم على أنهم ضحايا القدر أو بقايا المجتمع، بل فئة من صميم أبنائه يرتبطون مع غيرهم من المسلمين برابطة الأخوة الدينية، وهى رابطة إيمانية متينة حلت محل الأبوة، وأبدلهم عنها رحمًا دينية ونسبًا عقديًا جديدًا، ولذلك قرر لهم حقوقا على المجتمع الذي ولدوا فيه، من حيث وجوب التقاطهم وعدم إهمالهم، ليهلكوا، واختيار من يكلفهم، والإنفاق عليهم من بيت المال، وتربيتهم تربية حسنة، لتعويضهم في الحدود الممكنة ما فقدوه من العطف الطبيعي لأهلهم.
وتعتبر رعاية الأيتام واللقطاء والإحسان إليهم من أفضل القربات إلى الله عز وجل بعد الإيمان، وقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في كفالتهم والإحسان إليهم بأحاديث كثيرة.
وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنه يسد ثغرة في مجال الدراسات التاريخية عن المجتمع الأندلسي، وتعود أهميته أيضًا باعتباره محاولة تسهم في الكشف عن بعض القيم الإسلامية النبيلة، وروح التسامح والتكافل التي سادت بين المسلمين وإخوانهم أهل الذمة بالأندلس؛ فهو يلقى الضوء على حقوق الأيتام واللقطاء بالأندلس، وإبراز أوجه الرعاية الحكومية والشعبية لهم، كما يعد الكتاب مرجعا مهما للباحثين في مجال الدراسات التاريخية والاجتماعية في الأندلس.
(تبسيط الثقافات والمعارف والتاريخ والحضارة والآثار والفنون والعلوم الإنسانية وروافدها واتاحتها للمجتمعات البشرية في هذا الكون- المعرفة ليست حكراً على أحد) (الثقافة حق للجميع -لا حَجْرَ على فِكْر)