خالد جمال الموسوي| العراق
قفز من عيونه الفجر متشحا بسمرة تلك الأرض، ورأسه يبحث عن جسده وظله يدخل في فمه خارجا من أنفه ، هكذا هو الأبله الذي كان في حينا صوته كالبوم وصمته نعيق غراب، كانت البيوت والشرفات تخزره بشزر، وصبية الحي تطارده من مكان لآخر، يخرج من منزله منذ الفجر ولا يعود إلى في دياجي الليل الحالك، لم يسأله أهله إلى أين تذهب وتقضي يومك، كان متمردا عنيد الطبع غريب الأطوار، أينما يذهب يرشقونه بالحجارة ويبصقون عليه، ولكنه لا يبالي ولا يأبه ،في كل يوم يذهب إلى نهر يبعد عن حيه بضع فراسخ إذ يشرب من ذلك النهر حتى يجف النهر الذي يرشفه بدفعة واحدة حتى يصرخ السمك والطحالب بوجه، يمشي مسافات طويلة بدون كللا أو ملل، يراجعون به عند الأطباء دون جدوى والأطباء يقولون لأهله أن عقله لقد ذهب، كان يبكي كثيرا حينما يرى الأيتام والفقراء والأرامل فيتحسر ويتأوه ويتوجع لحالهم، كل ما كان يكسبه من مال من خلال الناس الذين يتصدقون عليه يتبرع به إلى الناس الفقراء والمحرومين الذين استوطنوا بقلبه واحتلوه واستوطنوا في نبضه وكانوا يقدسهم ويعشقهم كثيرا، كان بين الحين والآخر يزور مرقدا مجهولا له قبة كبيرة حيث يتسلل إليه خلسة وحين يصل إليه يلطم على رأسه ويصرخ عاليا حتى يأتوا إليه سدنة المرقد ويقومون بإخراجه، هو يلاحظ أن أناسا غرباء لم تألفهم عيناه أو أذناه، كانوا يتكلمون بلغات غريبة ومتعددة، ويرى داخل المرقد شباكا يغترف منه سدنة المعبد أموالا كثيرة يتقاسموها مع هؤلاء الغرباء، كان الأبله يتوسل إليهم بأن يعطونه بضعة من هذا المال ليشتري به طعاما ولكن سدنة المعبد يشتمونه ويضربونه بالعصا ويطردونه، كان ذلك المرقد غريبا حيث يضم أموالا كثيرة وفي داخل غرفه أصنام كثيرة وفي أعلاه صنم كبير، يقومون سدنة المرقد بالسجود إليه ويتقربون إليه زلفى، وفي ذات يوم فكر الأبله بأن يهدم الأصنام التي في المرقد ويعيث بها دمارا، ولما جن الليل جلب معوله مكسرا كل الأصنام إلا كبيرهم كانوا سدنة المرقد نائمين وعندما استيقظوا وجدوا أصنامهم قد حطمت ووجدوا المعول بجيد الصنم الكبير اشتعلوا غضبا واهتزت فرائصهم والحيرة تمور بهم أخذوا يفكرون هل عاد إبراهيم من جديد وبعث مرة أخرى، أعلنوا من يقبض على مهدم أصنامهم فله جائزة كبرى، شكوا بالأبله كثيرا وأوشى كبيرهم به ، تربصوا له ونصبوا له كمنيا حتى جاء بخلسة كما هو المعتاد ولكن هذه المرة لم يسلم منهم، قبضوا عليه وراحوا به ضربا اعترف من فعل بآلهتنا ذلك قال: أسألوا كبيرهم فضحكوا عليه وقالوا: أنما هي احجار كيف لها أن تتكلم، قال لهم: إن كانت احجارا فكيف تعبدونها، قالوا وجدنا آباءنا على الأصنام عاكفين، أمروا بقطع رأسه وصلبه ، فقال لهم: أعطوني برهة من الزمن،فلم يرتضوا بذلك قيدوه واحتجزوه، لكن من حسن حظه كان صبية الحي يراقبوه دون يدري، فعندما شاهدوا مقيدا محتجز والسدنة يضربونه ويعذبوه، راحو مهرولين إلى أهله مسرعين ليخبرونهم ماجرى، أخذ أهله يتسائلون لا يوجد مرقدا بحينا ولا مدننا ولا قرآنا، هذا لأمر غريب وعجيب، ألح الصبية عليهم بأن يستجعلوا وإلا ضربوا عنقه، ذهبوا يجمعون الناس من كل حدب وصوب، فتجمهر الشعب أمام ذلك المرقد وهو ينظرون لسدنة المرقد وجيوشهم المدججة بالسلاح، لما تقدم الشعب لهم وقال: أخلوا سبيل أبننا، وإلا هجمنا عليكم ودمرناكم، فقص سدنة المعبد أن أبلهكم هدم آلهتنا ، فأجاب الأبله قائلا: سأسل كبيرهم فضحك عليه الجمعان، فقال: انتظروا قليلا: صرخ الأبله صرخة هزت أركان المعمورة وإذ بالصنم الكبير يتثاءب فاغرا فمه وقام من عرشه، ذهل الجمعان وصاروا يتبولون على أنفسهم من شدة المشهد المرعب، نزل الصنم الكبير عن عرشه قائلا: هذا مرقد بلدكم ، لقد مات منذ سبعة الآف عام فيه من الثروات و المال
لا يعد ولا يحصى، لكن الناس الغرباء وسدنة المرقد يتقاسمون نقوده في ما بينهم، بينما هو كذلك دفع الأبله الصنم الكبير فخر على الأرض متكسرا متقعطا أربا أربا فسجد السدنة وجيوشهم والشعب أجمعين.