رواية المهطوان وضياع البوصلة
بقلم: جميل السلحوت
صدرت عام 2022 رواية “المهطوان” للأديب الأردني رمضان الرّواشدة عن المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، وتقع في 108 صفحات من الحجم المتوسّط.
والأديب الرواشدة روائيّ وقاصّ معروف، صدر له عدد من الرّوايات والمجموعات القصصيّة، وحائز على عدّة جوائز أدبيّة مرموقة.
توقّفت أمام هذه الرّواية كثيرا وأنا أفكّر وأتأمّل وأتساءل، وتمنّيت لو أنّني حصلت على نسخة ورقيّة منها، لأقلّب صفحاتها، وأضع ملاحظاتي عليها، فالقراءة الإلكترونيّة لا تشفي الغليل، ولا تحقن القارئ بالمتعة التي يجدها في الكتاب الورقيّ، ولا تتيح له العودة لاقتباس ما أثار دهشته إن إيجابا أو سلبا في النّصّ المقروء.
ومن باب التّأكيد على مقولة ” أنّ الكتاب عندما يصدر يصبح ملكا للقارئ”، أيّ أنّه يفهمه حسب ثقافته ووعيه، وقد يأتي بأشياء لم تخطر على بال وخاطر المؤلّف، ومعروف أنّ أفضل الأعمال الإبداعيّة هي ما تثير الاختلافات بين القرّاء خصوصا الجادّين منهم. وبهذا فإنّني سأستغلّ هذا الحقّ لتدوين ملاحظاتي حول هذه الرّواية.
ومن ملاحظاتي على هذه الرّواية أنّها تؤكّد على بدهيّة العلاقة التي لا تنفصم بين الأردنّ وفلسطين، فهما توأمان سياميّان لا ينفصلان، وبين الشّعبين الشّقيقين المرتبطين بمصير واحد، فعودة بطل الرّواية الرّئيس، ابن قرية “راكين” في قضاء مدينة الكرك الأردنيّة، عاش في حيفا، وعاد إلى قريته “راكين، وربطته علاقة حبّ بسلمى، ابنة مدينة رام الله التي تعود في أصولها إلى إحدى قرى الشّوبك جنوب الأردنّ، أثناء دراستهما في الجامعة الأردنيّة. وعودة الذي يحمل فكرا يساريّا من أتباع الدّيانة الإسلاميّة، في حين أنّ سلمى مسيحيّة الدّيانة، وفي هذا إشارة ذكيّة من الكاتب إلى الإخوّة الإسلاميّة المسيحيّة بين أبناء الشّعب الواحد.
تتطرّق الرّواية بطريقة غير مباشرة إلى بدايات الحراك السّياسيّ في الأردنّ في خمسينات القرن العشرين، وظهور الأحزاب السّياسيّة في الأردنّ، وكيف تمّ اعتقال والد عودة وزجّه في معتقل الجفر الصّحراويّ -مع أنّه كان رجل أمن-؛ لأنّه قال “لا”، وفي هذا إشارة غير مباشرة لاعتقال الحزبيّين من شيوعيّين وبعثيّين وقوميّين في العام 1957. كما تذكّر الرّواية بهزيمة حزيران 1967، وما تبعها من نصر في معركة الكرامة في 21 أوجست 1968، وحرب اكتوبر 1973.
ومع تردّي الأوضاع في السّياسة والإنتماء القوميّ في العالم العربيّ بعد هزيمة العام 1967، إلّا أنّ هذا لم يمنع الشّعب الأردنيّ وطلائعه الثّوريّة من النّضال في سبيل تحرير فلسطين، التي تمثّل قضيّة العرب الأولى، فدماء شهداء الجيش العربيّ الأردنيّ تروي التّراب الفلسطينيّ في القدس، واللطرون وجنين وغيرها، كما أنّ هناك الكثير من الأردنيّين الذين التحقوا بالثّورة الفلسطينيّة وارتقوا سلّم المجد شهداء. والشّعب الأردنيّ لم يتوان لحظة واحدة في المشاركة في قضايا الأمّة العربيّة وفي سبيل قضيّة فلسطين العادلة، فقد تظاهر احتجاجا على العدوان الإسرائيليّ غلى لبنان عام 1982، وعام 2006 وغيرها، كما تظاهر احتجاجا على العدوان الأطلسيّ على العراق عام 2003 واحتلاله وهدم دولته.
لكنّني توقّفت كثيرا أمام علاقة عودة وسلمى، وحَمْل سلمى من عودة وعودتها إلى رام الله، حيث أنجبت ابنها نضال الذي لم يره أبوه ولم يلتقه، فما المقصود من ذلك؟ فهل أراد الكاتب أن يوصل فكرة انتقال النضّال ضدّ المحتلّ من السّاحات العربيّة إلى الأرض الفلسطينيّة المحتلّة؟ وإذا كان الأمر كذلك فإنّ هذا يعني أنّ الشّعب الأردنيّ لم يتخلّ عن دوره الكفاحيّ، فنضال نصفه أردني ونصفه الثّاني فلسطينيّ، وتسميته “نضال” ليست عفويّة. وكذلك “عودة” وأيضا “سلمى” التي ترمز إلى الأرض.
المهطوان: كلمة شعبيّة تعني طويل القامة، ضخم الجسد، طويل القدمين.
ملاحظة: لاحظت أنّ قصائد النّثر التي وردت في الرّواية وكانت طويلة، وعلى حساب البناء الرّوائي.
وتبقى الرّواية لافتة ومثيرة للجدل.