الصورة الشعرية في الأدب الفلسطيني المعاصر، الشاعر خالد الشوملي أنموذجا
بقلم: الباحثة الفلسطينية إيمان مصاروة
“نهر وضفاف”هي قصائد مختارة” للشاعر خالد الشوملي ومن خلال دراستي لنصوصه الشعرية، التي ضمت عدة مجموعات مختارة من أشعاره والتي كتبت بين 2008 – 2018 وجدتُ أن الصور الاستعارية متوفرة بكثرة في قصائده. وكانت دراستي الموسومة بـ”الصورة الشعرية في الأدب الفلسطيني المعاصر، الشاعر خالد الشوملي أنموذجا”. تناولت
هذه الصور من دلالات نفسية واجتماعية وإنسانية، أدى فيها الخيال دورا هامًا في تشكيل الحياة الإنسانية، خاصة أن الاستعارةَ جزء مهم من الخيالِ الأدبي فإنها قامت بوظيفتها التي أتحدث عنها في الدراسة.
والشاعر خالد الشوملي اعتمد على أسلوب التصوير الاستعاري في قصائده وتبادل المدركات ويعني ذلك تقديم المعنى في جسد شيء أو نقل المعنى من نطاق المفاهيم إلى المادية الحسية أو بالتشخيص وهو بث الحياة في الجماد أي أبرز الجماد أو المجرد من الحياة من خلال الصورة بشكل كائن متميز بالشعور والحركة والحياة.
وعن الوسائل الأخرى التي تُسهم في بناء الصورة الشعرية، سلك الشاعر الشوملي الكثير من السبل لبلوغ هذا التشكيل الُلغوي المتشابك مع إطار البنية الموضوعية. واستمد الصور الشعرية من الطبيعة والحياة المحيطة، فهي تحيا في داخله ويبث ما في نفسه ومشاعره وتعكس حالته النفسية، ويعبر من خلالها ” عن حزنه وسعادته بخلع صفات تشخيصية وتجسيدية لهذه المكونات وتبادل الأدوار بين الطبيعة والإنسان.
فانضوت تحت عوالم الخيال حتى بدت أشخاصاً في لوحات استعارية إذ أسقط بعض الأفعال الإنسانية والمدركات المعنوية على الطبيعة ليسهل تقلبها ويقربها للمتلقي على نحو قوله في قصيدة
لا يُلامُ الْبَدْرُ إنْ حَلَّ الظّلامُ
إنّما الْفَجْرُ إذا خافَ يُلامُ
فَنُجومُ الْحُبِّ في السِّجْنِ تُعاني
وَهِلالُ الْحُلْمِ أرْداهُ الْحُسامُ
يبدأ الشاعر بمقابلة استعارية جميلة حين يقول:” لا يُلامُ الْبَدْرُ إنْ حَلَّ الظّلامُ” والبدر في الحقيقة لا يلام لأن اللوم من طبائع الإنسان وكذلك حين يضيف الشوملي في عجز البيت الأول من قصيدته ” إنّما الْفَجْرُ إذا خافَ يُلامُ” وهل الفجر يخاف أو يلام فهنا أسقط فعل الإنسان وشعوره على البدر والفجر معا في مقابلة استعارية جميلة والتي هي من فعل البشر، فالفجر أو البدر لا يمكن لهما أن يخافا بل يشرقا ويضيئا على البشر في أماكن وجودهما على النبات والمخلوقات الحية، وبفعل القوة الربانية التي منحهما الله إياها، وكان أثرهما في الضوء والنور وتتابع الليل والنهار على الأرض إذن فهما من الأشياء التي لا تحس ولا تتمتع بصفات الإنسان.
فَنُجومُ الْحُبِّ في السِّجْنِ تُعاني
وَهِلالُ الْحُلْمِ أرْداهُ الْحُسامُ
وهنا يشير إلى المعتقلين في سجونهم من خلال وصفهم بالنجوم في الوقت الذي فيه لا يمكن للحسام أن يردي الهلال فالهلال من قدرة الله عز وجل وهنا نجد أنّ الاستعارة أبدا لا تقتصر على المعنى الجمالي بل ذات قيمة شعورية وعاطفية معرفية .
لقد قام الشاعر الشوملي بالتعبير عنها بالاستعارة مستبدلا المعتقلين بالنجوم والحلم الذي قتله السجان ومثل هنا كلمة الحسام، ونجد أن الاستعارة” نتاج للمتماثلات بحيث تكون فكرتين مختلفتين تعملان معا ويصدر عنهما المشبه والمشبه به وينتج المعنى نتيجة التفاعل بينهما” ولا بد من الإشارة إلى أن الحداثة الشعرية ضمت العمود الشعري تماشيا مع العصر والتطور التكنولوجي وما كان من الشوملي إلا أن نجح بالعمل بما يتوافق مع الشعر الحداثي ولا سيما “السوريالي الذي يجمع بين الأشياء المتفاوته من أجل الوصول لمستوى آخر من الوجود.
والشاعر الشوملي أبدع في لغة الخطابة ففي قصيدته ” لا يُلامُ الْبَدْرُ إنْ حَلَّ الظّلام ” تبرز لغة الخطابة في أبياته مما يزيدها جزالة ووضوح حيث يخاطب من يأكل حق شعبه ولا يعترف بحقه على أرضه مشبها إياه بالنعام والمعروف أنه يخبأ رأسه وعلى الدوام في الوقت الذي فيه القلوب تبكي من عظمة الاحداث وهنا الصمت كان أكبر من الكلام الذي يصدر عن الإنسان، وهنا صورة استعارية أضفت للقصيدة جمالية أخرى.
فالشاعر خالد الشوملي قد حافظ على القصيدة الكلاسيكية بل أجادها وأصبح من الرواد الذين برزوا في الكتابة الحداثية بقالب كلاسيكي وعاصر الصور المبتكرة وأضاف لها كما في قصيدة ” ما قيمَةُ الدّنْيا” حيث يقول:
ما قيمَةُ الدّنْيا\\ لا تَبْخَلي بِالزَّيْتِ وَالْحَطَبِ
رُشّي عَليَّ النّارَ وَالْتَهِبي
هذا دَمي لِلْأرْضِ أَنْذِرُهُ
فَالْماءُ يَغْلي في فَمِ السُّحُبِ
وهنا ينجح الشاعر في التمرد على الذات وضياعها في هذه الدنيا التي اعتبرها بلا فائدة دون وطن ويطلب منها ألّا تبخل عليه بالزيت والحطب في إشارة إلى صورة تشخيصية للدنيا التي طالبها بالالتهاب مُقدِّمًا لها دمه في وضوح آخر لاستعارة مكنية للماء الذي يغلي في فم السحب ومن يمتلك الفم هو الإنسان، والسحب إشارة إلى شدة انفعال الشاعر وانصهار الذات من أجل العام والمقدس ألا وهو الوطن السليب ومن هنا نجد أن كل استعارة في قصيدة الشاعر الشوملي” ما قيمة الدنيا”، تساهم في البناء الخطابي والحيز البصري للقصيدة العمودية التي يقوم نظامها على أساس المشابهة، وهكذا أصبحت الاستعارة سبيلا للتحرر من المألوف إلى البلاغة البصرية واللفظية مرهونة بتقنيات حداثية “.
ووزع الشاعر الشوملي درره التي لحفت جسد قصيدته “على سَريرِ الرّدى” وكانت بارزة درة الحياة .برزت بعض الألفاظ الخاصة فيها منها:- “ضمي، نبضك، أماه، فاض، الروح، تسيل، العمر، عشت، الحب، فجر، الأحلام، الألوان، الأرض، الورد الخ ، درة الضعف ” الانهزام ” السر، أبْكاكِ، دَمْعي ، ذاكِرَتي ، مأسورة، قبضة، الحرب، يذبل ،الخ
درة الظلام… ” الليل، السجن، الحزن، مأسورة، قبضة، الخ
درة النور… ” العلن، الفجر، يشعله، قمرا، الخ
وهذا يشير إلى أهمية تشكيل الصور الاستعارية التي تمنح الخطاب الشعري الحيز البصري للقصيدة. وتتوالى الاستعارات التي تدلل على الحزن والألم والغربة والظلم والتي تعكس الواقع الأليم الذي يعيشه الشاعر وشعوره بالضياع والتشتت والقهر.
ولا أبالغ لو أشرت إلى أن الشاعر خالد الشوملي يكتب بلغة بعيدة كل البعد عن الأسلوب الكلامي الذي اعتمده بعض شعراء جيله، والذين اهتموا باستعمال القاموسية اللغوية التي لطالما وقفت حاجزا ما بين الشاعر والمتلقي. لذلك صنع شاعرنا لغته وصوره الشعرية التي سمت ووازت حاله معبرا عن القوة الوجدانية بكل بساطة، “فلجأ إلى الصور التي تجسم المعاني وتنقلها إلى درجة أرقى لتزداد قوة وجمالا، حيث لجأ إلى التشبيه والاستعارة والكناية والمبالغة والتخييل)
ونلاحظ أن الشاعر استعان بالأفعال المضارعة التي تنم عن قوة الانفعال وصدق مشاعره ومن ذلك ما ورد في قصيدته “قمر”:-:- \\ يَحِنُّ \\ يُعيدُ \\ يَذْكُرُ\\ أُراقِبُ\\ ألخ. حيث وظف الشاعر هذا الأسلوب لخدمة غرضهِ الشعري، و الحداثة هنا تعني حداثة الكيان الشعري بمضمونه وشكله، وفنيا لا يقبل الثُنائية ولا يعترف بالاندماج. وبذلك يكون تجاوز الكثير من أبناء جيله، وتميز في صناعة النصوص الشعرية المبتكرة بصورها وأدواتها ولغتها المعاصرة.
ومن أساليب الطلب التي مال إليها الشاعر ليعبر عن تجربته النفسية والفكرية وما يعتريها من تغيرات وجدانية، “ويعني عند البلاغيين الطَّلَبَ على وجه الاستعلاء والإلزام وراح أيضًا يقدم ما حقه التأخير ويؤخر ماحقه التقديم، وقد نال هذا الأسلوب ومنذ القدم اهتمام النقاد، ونلاحظ طلب الشاعر في كلمات خذيني\\دعيني \\لا تتركيني\\ وتكراره لكلمة دَعيني مرارا والتي أضافت للقصيدة نكهة خاصة بالفصاحة، وتفرَّدّ الشاعر الذي جمع بين اللغة والبنية الفنية في آن واحد.
ولكي يكون لأشعاره موقع حسن في قلوب المتلقين أضاف الاستعارات التي اعتدناها في مختلف صورِها كالصور التشبيهية باستعماله لأدوات التشبيه مثل: كي، ك، لكي، والصور المتتالية المباشرة وغير المباشرة .
الخاتمة
إن اهتمام الشاعر خالد الشوملي بموضوعات عامة استعان من خلالها بهندسة مشاعره الخاصة، إنما عبرت عن مدى صدقه وانتمائه، الوطني والإنساني والتاريخي، ورغم ذلك جاء مجاز القصائد وكان بارزا عند الشاعر مما جعلها من أهم مكونات القصيدة لديه.
إنَّ جماليات الاستعارة عند شاعرنا خالد الشوملي أثرت في نصه الشعري بأسلوب بلاغي زاد من قوة القصيدة وصوره التخييلية التي ضمت حواس الإنسان وأدت دورا مهما في رسم الصور البديعة التي ميزت قصائده، من خلال استخدامه للاستعارات، والتي بعثت على الإيحاء، مما دفعتني للبحث عن الدلالات المختلفة للصورة الشعرية في مجموعة الشاعر المختارة، حيث جسد عمق التفكير بسعة خيال المتلقي لهذا التشخيص وعلم البلاغة بلغة وجيزة تؤثر في نفس السامع والقارئ.
لقد أتى الشاعر الشوملي باستعاراته ضمن جزئية علم البيان في البلاغة والذي يهتم بالصور البلاغية وقدرتها على توصيل المعنى من خلال الصور التي تندرج في التشبيه والكناية والاستعارة ونجح في لفت نظر القارئ إلى الأثر الدلالي والإيحائي معبرًا عن كوامنه الداخلية وانصهار فكره في غربة الروح التي يعيشها خارج الوطن مرغمًا وقد خَلَقَت هذا الانصهار في حمل القصيدة لرؤيته الخاصة تجاه قضيته العادلة من خلال صوره الشعرية التي اعتمدت على واقع لا زال يعيشه مؤكدًا بحضوره البارز على صدق تجربته من خلال الاستعارة والتشبيه والتشخيص والكناية وأنماطها الحسية مازجا فيها تشكيلاتها البلاغية مستخدمًا صفات معينة بهدف توصيل معنى آخر.
وأخيرًا كان دوري كباحثة ثاقبا في إبراز أهم ما ميز شعر الشاعر خالد الشوملي في هذا الجانب من علم البلاغة مما يدلل على أن شاعرنا هو أحد الشعراء الفلسطينيين المميزين والدارسين المثقفين قبل الولوج إلى عالم الشعر والشعراء.
كل الشكر لكم … وهذا قليلٌ من فيض عطاء موقعكم الموقر … كل التقدير لجهودكم بالمتابعة والنشر د. عماد رحمة … حفظكم الله وأبقاكم ذخرًا وسدنة للابداع الملتزم
مرحبا بك سيدة إيمان