العثور على رواية السردية الفلسطينية الأولى الصادرة سنة 1888
مفاجأة مدوية للثقافة الفلسطينية: الدر النظيم في أم حكيم.. حديث ليلي
الكاتب والباحث/ ناهض زقوت
بعد 135 سنة من نشر رواية (الدر النظيم في أم حكيم – حديث ليلي) للكاتب الفلسطيني محمد أحمد التميمي (1824- 1924)، نقدمها للقارئ الفلسطيني عبر منشورات مكتبة سمير منصور للطباعة والنشر والتوزيع بغزة، بعد أن نشرها كاتبها في مطبعة المقطف المصرية سنة 1888م، وبقيت منذ ذلك التاريخ مجهولة لم يطلع عليها النقاد ومؤرخو الأدب الفلسطيني.
استمد محمد التميمي روايته من الأدب الشعبي القريب من السير الشعبية ومن الحكايات القصصية التراثية. تفتتح الرواية حكايتها من وفاة الملك توران شاه ملك خراسان، والد الأمير عمر شاه، الذي يتولى الملك بعد والده، فيتآمر عليه عمه تترخان ويستولي على الملك، ويعتقل ابن أخيه ويسجنه، ويتفق مع رئيس الحرس على قتله في السجن، إلا أن رئيس الحرس حفاظاً لعهد سابق فقد كان جندياً عند الملك توران شاه، يساعده على الهرب بعد أن يلبسه ملابس اللص المشهور “الحارث بن سنان” ويتمكن من الهرب، وتبدأ رحلته ومغامراته، من التعرف على شيخ التجار أبي الحسن بن كريم أثناء رحلته إلى بغداد، حينما حاول لصوص سرقة تجارته وخطف ابنته، فيقاومهم الأمير عمر شاه، وينقذهم من اللصوص، ويرحل معهم إلى بغداد، وهناك يعشق ابنة التاجر الكبير الذي يكرم اقامته، ويخوض سلسلة من الأحداث يتعرف خلالها على أم حكيم المرأة الحكيمة التي تقف معه وتسانده حتى يتزوج من ابنة التاجر، وتنقذه من الكثير من المواقف بدهائها وذكائها، حتى يستعيد ملكه، ويعود ملكاً على خراسان، ويتعاون مع الخليفة العباسي في استقرار حكمه، وبقيت أم حكيم مساعده له في كل أزمة يمر بها، خاصة بعد انجابه الأمير عز الدين ومحاولته الزواج من ابنة ملك قندهار جلبهار، ولكن هذا الزواج كان غير موفقاً وفيه دسيسة تكشفها أم حكيم وتنقذ الأمير، وتساعد الأمير في زواجه من ابنة قاضي القضاة عبد السلام بن الأعز، بالإضافة إلى ابن عمه الملك تترخان شاور الذي عامله الأمير عمر شاه بأخلاقه الكريمة وليس بأخلاق أبيه فاعتبره مثل ابنه. وعاشت أم حكيم في كنف الملك حتى توفاها الله ودفنت بما يليق بالملوك.
إن البطولة التي منحها الكاتب للمرأة (أم حكيم) في روايته يؤكد على الرفعة من قيمتها وشأنها ومكانتها في المجتمع العربي، وتقدمها كامرأة ذكية مخلصة صادقة تعرف ربها ودينها ومنهما تستمد أخلاقها. وكذلك باقي النساء اللاتي جاء ذكرهن في الرواية سواء كانت أميرة أو زوجة الملك أو خادمة كان لها احترامها وتقدير قيمتها، فلم تبدو في صورة مبتذلة وإلا لقيت جزائها كالأميرة (جلبهار) ابنة ملك قندهار. قد تكون هذه الرواية من أولى الروايات التي تعلي من شأن المرأة العربية.
وقد وصفها الكاتب بأنها: “امرأة ذكية عاقلة نجيبة ذات أعمال مجيبة وأفعال عجيبة، تدعى ليلى وكنيتها أم حكيم، وهي من بغداد وقومها بنو تميم”. في هذا الوصف نتعرف على اسمها (ليلى) ومن هنا جاء الاسم الثاني للرواية “حديث ليلى”، و(بنو تميم) هو إشارة إلى ارتباط قومها بقوم الكاتب فهو من يني تميم الداري أحد صحابة رسول الله وقد أقطعه صلى الله عليه وسلم مدينة الخليل وفيها وفاته، فهي من أصل كريم وحسب رفيع.
ونؤكد أن كاتب الرواية لم يكتبها بهدف التسلية فحسب، بل ثمة أهداف معينة يقصد إليها الكاتب، وقد اختار لها القالب الروائي لتكون أكثر صلة بأذواق الناس، وليسهل عليه إيصال ما يريد إلى قلوبهم. فهو يسعى لخلق نموذج قدوة في المجتمع يتحلى بالأخلاق النبيلة والتمسك بالدين، إلى جانب الوفاء والاخلاص والعفة والشهامة والبطولة، ويحمل رسالة الحق التي بها ينتصر على الشر. كذلك تعكس صورة مشرفة للخلق العربي الإسلامي والمثل العليا الإسلامية، سواء في تصرفات الأبطال، أو في طريقة سير الأحداث.
ــــــــــ
من مقدمة الدراسة التي كتبناها: السردية الجنينية في الرواية الفلسطينية “الدر النظيم في أم حكيم” لمحمد التميمي (1824- 1924). وبعد أيام ستكون الرواية بين أيدي القراء، وفي معرض قطر للكتاب.
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتقدم بكل التقدير والشكر لمكتبة سمير منصور للطباعة والنشر والتوزيع على جهودها في الاهتمام بالثقافة الفلسطينية، وكلنا أمل في اهتمام المؤسسات الرسمية والاهلية في اقتناء الرواية لتصل إلى أكبر عدد من القراء.