ما هو مستوى البحث الأكاديمي حول المرأة المغربية؟
برنامج نفذه مجلس الجالية المغربية بالخارج حول فاطمة المرنيسي
عالم الثقافة | المغرب
ضمن سلسلة الندوات التي برمجها مجلس الجالية المغربية بالخارج، ضمن فقرة “حول فاطمة المرنبسي، في اطار فعاليات الدورة 28 للمعرض الدولي للكتاب والنشر، احتضنت قاعة رباط الفتح أمس الجمعة، ندوة علمية نحت عنوان: “ما هو مستوى البحث الأكاديمي حول المرأة المغربية؟”بمشاركة الباحثات مريم شرتي، نسيمة مجود، زهور بوزيدي، ليلى بوعسرية، وحياة زيراري. فيما أسندت أدارة النقاش إلى شادية عرب.
اندرج نقاش هذه الجلسة، في إطار فكر وعمل فاطمة المرنيسي، تكريمًا لهذه العالمة الاجتماعية والأنثروبولوجية والباحثة الأكاديمية الكبيرة، التي تم استكمال ومواصلة أعمالها الأكاديمية بفضل باحثات متميزات انخرطن بروح نضالية وبالتزام مستمر، لمواصلة عمل فاطمة المرنيسي.
في كلمتها الافتتاحية، أكدت مسيرة الجلسة، شادية عرب، أن فاطمة المرنيسي قدمت الكثير من خلال أعمالها للبحث الأكاديمي، وأن فكرها هيكل عمل البحث حول المرأة من قبل المرأة. “كانت فاطمة تكتب ضد الفكر السائد الذي غالبًا ما يركز على تمثل المرأة كضحية. وعملت بفكر نسواني ملتزم يؤمن بالمساواة. وسمحت لنفسها باقتحام مواضيع كانت تثير الاستياء والغضب مثل الدين والسياسة وغيرها.
كانت شجاعة ومجتهدة وجريئة ونجحت في تشجيع النساء على القراءة وعلى البحث الأكاديمي النسائي. عرفت كيف تبادر وتسهم في خلق جيل جديد من الباحثات في المغرب وفي العالم العربي ومناطق أخرى في العالم”.
لذا، فإن دعوة هؤلاء الباحثات النسويات اللواتي يواصلن العمل حول أبحاث المرنيسي عبر قراءات جديدة مع بروز مواضيع جديدة، يشتغلن على البحث الأكاديمي مع الحرص على تعزيز ونشر الأبحاث حول المرأة المغربية مع الحفاظ على نهج فاطمة المرنيسي ومواصلة النضال من أجل حقوق المرأة المغربية.
في هذا السياق، أشارت حياة زيراري، عالمة الأنثروبولوجيا وأستاذة التعليم العالي في جامعة الحسن الثاني، إلى أن أبحاث فاطمة المرنيسي انضمت إلى المقاربات النسوانية التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي والتي أغنت النظرية النقدية من خلال إبراز البنيات الاجتماعية والثقافية للفوارق والتفاوتات بين الجنسين.. وأضافت أن هذه السيدة أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على الطلاب الشباب في الثمانينيات، وساهمت في تشكيل وعيهم العلمي والنضالي.
“شخصيا تضيف ذ. حياة استطعت أن أستخلص لحظات مهمة من بحوثها عن المرأة، بما في ذلك بناء الديمقراطية والمساواة في بلدنا، وظهور اشكالات جديدة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا. فقد استطاعت المرنيسي، أن تنقل لنا صفات الباحثة المتمكنة الشاملة، والراوية المتمرسة ببداغوجية غير التقليدية، تدفعنا للتفكير في مكانة ووضعية المرأة التي يمكن أن تعمل على تغيير الواقع الاجتماعي”.
من جانبها، أشارت زهور بوزيدي، أستاذة في جامعة مولاي إسماعيل بمكناس وباحثة، إلى أنها أثناء القيام بأبحاثها في مجال الزراعة وإدارة الموارد الطبيعية والحياة القروية بشكل عام، أدركت بسرعة أن هذه المجالات مرتبطة دائمًا بالذكور. وعادة ما يتم تقييد وحصر دور المرأة في المهام المنزلية، ولكن عندما قامت بالعمل الميداني في المناطق االقروية، أدركت أهمية النشاط الإنتاجي للمرأة في الحقول وتربية الماشية والأنشطة التي تولد دخلاً، بالإضافة إلى المهام المنزلية. وهذا هو ما دفع زهور بوزيدي إلى إجراء بحوث حول سبل تحقيق استقلالية المرأة في البيئة الريفية، واكتشاف مهارات استثنائية للنساء في مجالات متنوعة. كما لاحظت أن المرأة تلعب دورًا مركزيًا في العمل المأجور، سواء في سلاسل الإنتاج الغذائي أو غيرها، على الرغم من الظروف القاسية التي تعمل فيها.
أما ليلى بوعسرية، الأستاذة والباحثة في علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، فقد اهتمت بتغيير العلاقات الجندرية في حالات الهشاشة التي تتجاوز الأبعاد الاقتصادية. حيث كان ينظر إلى عملها في الغالب على أنه عامل تغيير لهذه التحولات. وقالت: “ما يثير الاهتمام في هذه المسارات الهشة هو أن هؤلاء النساء يجدن أنفسهن داخل قطاع مهيكل وغير مهيكل، من خلال مهن غير معترف بها وغير معروفة، ليس فقط في المناطق الريفية ولكن أيضًا في المناطق الحضرية”.
من جانبها، اختارت مريم شيرتي، الباحثة في مركز سياسات الهجرة والمجتمع في لندن، هذا الموضوع لعدم وجود أبحاث حول الجالية المغربية التي هاجرت إلى المملكة المتحدة في ستينيات القرن الماضي. ومن خلال أبحاثها اكتشفت شيرتي خاصيتين وميزتين لهذه الجالية التي تأتي أساسًا من شمال المغرب، ولكنها غير منظمة، وتتميز بوجود هجرة نسائية مبكرة (عازبات، أرامل، …) كن أول من هاجر واستقر بإنجلترا قبل أن يقمن باستقدام أسرهن.. “كانت هجرة معاكسة ومختلفة عن جميع الأدبيات التي تناولت هجرة المرأة المغربية التي أصبحت مرئية حتى أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات مع التجمع العائلي.
من هنا بدأت أبحاثي، واستلهمت الكثير من أعمال فاطمة المرنيسي، خارج المراجع الأجنبية التي تناولت هذا الرأسمال الاجتماعي”.
أما نسيمة مجود، الأستاذة المحاضرة بجامعة غرونوبل، فقد ركزت أبحاثها على النوع الاجتماعي وإنتاج الخطابات حول العمل والتنقل والجنسانية في سياق المغرب وفرنسا. وأشارت إلى أن فاطمة المرنيسي هي رائدة في مجموعة من المواضيع والتحليلات.
وقد أثر تعاقب الأجيال التي درستها على مسارها. وقالت نسيمة: “هذا هو ما دفعني للاعتماد والتركيز على أعمال المرنيسي في مسيرتي كطالبة في المغرب. وهذا المسار أدى إلى طرح السؤال عن العلاقة بين الأقلية والأغلبية، وخصوصًا بين الأمازيغ والناطقين بالعربية في سياق استقلال الدولة المغربية.
وكان هذا التداخل والترابط بين الأغلبية والأقلية، منظورًا سيظهر ويؤثر في مساري في فرنسا، حيث التقيت بمجموعة من النساء المغربيات اللواتي هاجرن بمفردهن ( أو كن أراملًا أو مطلقات)، وفوجئت بعدم وجود أبحاث اهتمت بوجودهن.
في السياق المغربي، أضافت نسيمة، كانت هجرة الريف ومن جبال الأطلس إلى الدار البيضاء (80-90) تستقطب الخادمات الشابات اللواتي يجدن أنفسهن وحيدات وغير قادرات على التحدث بالعربية، وفي وضعية أقلية تعرضهن للاستغلال وأحيانًا للعنف. أما السياق الفرنسي، فقد ظهر فيه هذا التداخل بين الهشاشة والاستقلالية والهيمنة في حالة النساء المهاجرات بشكل غير قانوني اللواتي يتم استغلالهن مقابل حصولهن على الأوراق الرسمية التي ستضمن لهن حقوقهن.
إن الأبحاث التي قامت بها هؤلاء الباحثات، في مجالات مختلفة ومتعلقة بفئة معينة من النساء، تعكس استمرار النضال من أجل الحصول على حقوقهن الأساسية والعيش الكريم. إن تطور البحوث الأكاديمية حول المرأة المغربية يعزز تراث فاطمة المرنيسي ويكمله من خلال جيل جديد من الباحثات النسويات الملتزمات والمتحمسات.
إن ندوة اليوم، حول البحث الأكاديمي، الذي يدخل ضمن سلسلة “فاطمة المرنيسي” يعزز هذه المساهمات البحثية ويساهم في تعزيز الوعي والتفكير في قضايا المرأة المغربية وتقدير إسهاماتها في المجتمع.
فهذا النقاش واستمرار النضال يعززان أيضًا روح البحث الدائم لفاطمة المرنيسي ورؤيتها الثاقبة والمتمردة. إن تفعيل البحوث ومناقشتها يمثل إرثًا حقيقيًا لها، ويستمر في تعزيز المسار النضالي النسائي في المغرب والعالم العربي وغيرها من أنحاء العالم.
من خلال مساهماتهن في مجال البحث والدراسات الأكاديمية، تستمر هذه الباحثات في تسليط الضوء على قضايا النساء المغربيات وتحليل الظروف الاجتماعية والثقافية التي يعيشن فيها. إن عمل فاطمة المرنيسي قد نقل هذا الروح التحليلي والنقدي إلى الأجيال القادمة من الباحثات والمثقفات، وساهم في توسيع نطاق النقاش حول قضايا المرأة وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
ومن خلال مشاركتهن في هذا الحوار ونقل تجاربهن وأبحاثهن، يأملن في تعزيز الوعي والتغيير المجتمعي المستدام. فعلى سبيل المثال، تناقش زيراري الباحثة وأستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة الحسن الثاني، قضايا تمكين المرأة في العالم القروي ودورها في انتاج الدخل وتحسين ظروف الحياة. بينما تركز زهور بوزيدي، أستاذة في جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، على دراسة قضايا المرأة في القطاع الزراعي والاعتراف بالدور الحيوي الذي تلعبه في الإنتاج والعمل الحرفي.
باختصار، فإن ندوة سلسلة فاطمة المرنيسي تعكس استمرارية النضال والاهتمام بقضايا المرأة المغربية ويعزز التواصل والتعاون بين الباحثات والأكاديميات والنسويات، و يوفر هذا الحدث منبرًا للمناقشة وتبادل الأفكار والاستفادة من التجارب المختلفة، بهدف تعزيز التغيير الإيجابي وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية للمرأة المغربية والنساء في جميع أنحاء العالم، مع التركيز على البحوث الأكاديمية والدراسات التي تساهم في فهم أفضل لتحديات المرأة والبحث عن حلول فعالة.
وندوة اليوم، تهدف إلى توسيع المعرفة وتعزيز الوعي بأهمية قضايا المرأة وتعزيز دورها في المجتمع. وتعكس هذه الندوة أيضا، التزام الباحثات والأكاديميات بمواصلة النضال من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية. فجميعهن متأثرات بمساهمات فاطمة المرنيسي وروحها النقدية والتحليلية، ويسعون كل من زاوية اشتغالها، لتطوير وتطبيق نهج المرنيسي في بحوثهن وأعمالهن.
فمن خلال بحوثهن يتم تسليط الضوء على قضايا متنوعة مثل النوع الاجتماعي، والتمكين الاقتصادي للمرأة، وحقوق المرأة في المجتمع والعمل، وغيرها من القضايا المهمة. وعن طريق المشاركة في مثل هذه اللقاءات، يتم تبادل الخبرات والأفكار، ويأمل الحضور في توفير قاعدة قوية للتغيير والتحرك نحو مجتمع أكثر عدالة ومساواة. فهذه المناسبة هي فرصة للتعلم والتأثير والتواصل مع النساء اللاتي يتقاسمن نفس الهم ونفس القضايا والتحديات، سواء في المغرب أو في أماكن أخرى من العالم العربي والعالم.
وهكذا، يستمر النضال من أجل حقوق المرأة المغربية، ويتم تعزيزه من خلال مثل هذه الأنشطة واللقاءات الأكاديمية والثقافية. فمن المهم أن يتواصل الحوار والتعاون والبحث لتحقيق تغيير حقيقي وإحداث تحول إيجابي في حياة المرأة المغربية وتحقيق المساواة الكاملة والعدالة الاجتماعية. وبهذه الطريقة، يستمر الدور الحيوي للمرأة المغربية في تشكيل الوعي المجتمعي والمساهمة في تطوره.
الجدير بالذكر أن هناك العديد من التحديات التي تواجه المرأة المغربية حتى اليوم، مثل التمييز والعنف والتهميش. ولذلك، كانت هذه الندوة منصة هامة لمناقشة هذه القضايا وتسليط الضوء عليها، وإيجاد استراتيجيات وحلول فعالة لتحقيق التغيير المطلوب.
في الختام، فإن دور المرأة المغربية ونضالها لا يزالان قائمين، ويحتاجان إلى دعم مستمر وتعاون جماعي من جميع أفراد المجتمع. يجب أن نستمر في تعزيز الوعي بحقوق المرأة والمساواة الجندرية، وتشجيع المشاركة الفاعلة للمرأة في جميع المجالات. فمن خلال ذلك، سنستطيع بناء مستقبل أفضل وأكثر عدلًا للمرأة المغربية ومجتمعنا ككل.