أدب

قراءة نقدية لقصيدة (حَبيْبِي اِسْمِه) للشاعرة نرجس عمران

مَواجِع الفقد والْقَهْر والذِّكْريات

بقلم: إياد حسين النصيري | العراق


أولا – النص:

حَبيْبِي اِسْمِه….
سَوْف لَن أُخْبرَكم مِن هُو حَبيْبِي ؟
سَوْف لَن أُوجز لَكُم
أدقَّ تَفاصِيل قَلبِي
حِين يتنازعه إِلَيه
نَبْض جَامِح
وأشْوَاق جَائِعة
ولن أُنَاقِش مَعكُم
كَيْف تَفنَى الرُّوح شوْقًا
على قَيْد البقَاء ؟
دُون أن تَنتَهِك حُرمَة الموْتِ
وأعْرَاف الأمْوات
ولن أَشارككِم
مَجلِس العزَاء فِي رُوحيٍّ
على مدى أحد عشر عامًا
وأكْثر ومسْتَمرٌّ
سَوْف لَن أَبُث لَكُم حال عُيوني
وقد اِمْتهَنت النَّميمة
كيَّ تثرثْرن على لِسَان دُموعِهَا
فِي وضح الصِّدْق
وكيْف بات حَبيْبِي
مِبضَعا فِي يد الأوْجاع ؟
يذْبحنني بِشَتى أَدوَات اَلحنِين
وأقْسى صُنُوف الغيَاب
لَن أُخْبرَكم أنَّ حبيْبِي
غَادَر بِكامل أَناقَة الرُّجولة
فِي مَوكِب الشُّجْعان
اَلذِي أفلَ ذات مغيب
ورغْم أَنَّه كان مُصَابا
وَجائِعا
يقْتاته البرْد
وينْهَشه العطش
لَكنَّه آثر اَلمضِي فِي رَكْب الواجب
وَفضَّل الالتحاق بِجحْفل الأبْطال
حِين صفع كفُّ الأنْذال خدَّ الوطن
لَن أُخْبرَكم
أنَّ حَبيْبِي اِسْمِه بشير
و طِيبة العالم بِأسْره
اتخذت مِن عيْنيْه مُسْتقِرًّا لَهَا
وجمْع الكوْن بِرمَّته
كُلَّ حَنَانه
وَركنِه فِيهمَا
حَتَّى إِشعَار لَن يَأتِي أبدًا
وذاك الدِّفْء اَلذِي ضاع
يَوْم تَلبدَت المشاعر
وَمَاتتِ اَلقُلوب
وجد فِي عَينِه ملاذه
فَطلَب اللُّجوء إِليْهِمَا
لِتتوَرَّد شراينهمَا حبا
وَتحكِي قِصَّة جُغْرافْيا
( إِنسَان مِن نُور )
حَبيْبِي اِسْمه بشير
أُحادِثه فلَا يُجيب
أَدَار الظُّهْر وَغَاب
فِي ذات اِبتِلاء
بَيْن اَلكُهوف
وَفِي الجبَال
وتحْتَ الأنْقاض
وَفِي العرَاء
هُنَاك ضاع
هُنَاك تقاسمتْه القسْوة
وَبكُل سُهُولَة
أَيتُها السَّمَاء
كَيْف لِقلْبك ألا يَحِن ؟
ألم تَسمَع أُذناك بَعْد أنين رُوحيٍّ ؟
وعيَّنَاك ألم تر بَعْد صقيع القبْر
اَلذِي تَغلغَل فِي أَنفَاس يَومِي
أقرُّواعْتَرف
بِأنَّني فَقدَت عِشْقِي لِلْحيَاة
وَأننِي حَرمَت مِن دَغدغَة الفرح
وَانطِفى فِي عَينِي فتيل الأمل
وَأننِي فَقأَت عُيُون الانْتظار بُكَاءً
ولو كان لِلْوحْدة لِسَان
لَوشَت بِي
بِأَني أَصبَحت كُتلَة
مِن تراكمات الأسى
وَخرَدِة رُوح
لَاتصْلح لِلاسْتمْرار
متى تَرأفِين بِقلْبي؟
المتهالك المتعثِّر بِحرْقة الشَّوْق إِلَيه
وَروحِي الممزَّقة
المنْشورة على حِبَال اِنتِظار مُتقَطعَة
لَا لَن أَبُوح
بِأيِّ تَفصِيل عن حَبيْبِي بشير
ولَا عن طُوله الفارع
ولَا عن قَلبِه الممْهور بِالْإحْساس
ولَا عن عُمْر قصير
عَاشَه يَنتَظِر الحيَاة
ولَا عن طُفُولَة بَاذِخة
فِي اَلبُؤس
ولَا عن مُرَاهقَة مُتَمردَة
بَيْن أَقصَى وأقْصى اَلخُلق والْعَقْل
أَيتُها الأقْدار
أَلَّا يكْفيك هذاالْمدى مِن الودَاع ؟
ألم يَحِن الوقْتُ لِتجْمَعي شَمِل اللِّقَاء ؟
أَلَّا يَشفَع لَه أَنَّه كان لَك اَلمجِيب
وأن روحي إِلَيك غادرتْ أَشلَاء
فَهلَّا أَعدَّت لِي هذَا اَلحبِيب
أَرجُوك
إنِّي أحسَّ أَنِّي أَحتَاج إِلى الأنْفاس
مَا عُدْت أَقوَى على عِنَاد الكبْرياء
أرْهقتْني وَسَامَّة الصَّبْر
فبتّ المتسوِّلة
خَلْف كُلِّ بابٍ يُفْضِي سبيلا إِلَيه
وَكلَّت مِنِّي نِداءَات القصائد
أَيتُها السَّمَاء
بِمنْحة مِجانية أو مدفوعة
من مَنْح اَلهُطول اَلتِي حباك الله إياها
أَسأَلك بُشْراك
وَليهْطِل كَفَاك عَلِي بَشيرِي
لِيبْهج دَمعَة حَمْراء
وتنْتَصب خُطوَة ٌ
تَمكَّن الشَّلل مِنهَا
دَعينِي لِبقية سِنيني
أعافر فرحًا
يَفرَح قَلْب أُمٍّ
وقد جبرته بِجبروتك
ليس إلاَّ.

ثانيا – القراءة
      نرجس عمران محترفة في خلق صور جمالية وإبداعية في كل قصيدة كانت أدواتها في اِختيار ألفاظ ذات دلالات واسعة.. هي الشاعرة التي تصور الأشياء الواقعية بشكل جمالي هادف على كل شيء جميل ومع كل التعابير مرهفة الأثر، وهي التي تتفنن بتقديم الحبّ القدسي تشكِّله على صور شتى وتتفاعل معه بطرق متنوعة لم تنفصل عن الحبّ في كل ماهو جميل وصادق هذَا الاتِّصال مع اَلحُب هو اِتِّصال مع مصدر غني بالجمال وبكل مايغني الذوق ويسمو بالإنسان نحو الوعي الراقي والإدراك المميز لجماليات الحياة والوجود.
        يتشكل العنوان من ملفوظين (حبيبي اِسمه) (حبيبي) يحمل دلالة الفرح والتجدد والسرور والبهجة…وترد نكرة لتترك للمعنى المُلحق أن يحدد هويته وأما لفظة (اِسمه) فتدل على الانبعاث والتجدُد والبدء
      سيظل للعنوان فلسفة خاصة تَركُض نحو عتبة الدلالة المفتاحية للعمل الفني وتستظل بثقافة ووعي الأديب وتجعل القارىء يجلس تحت مظلة إبداعه -الشاعرة هنا لديها القدرة على جذب القارىء من اللحظة الأولى بعنوان بعيد عن المكاشفة…إذ النسبة دلالة اِعتِراف بأن الهوية اللغوية في طور الإنجاز حيث تسعى الذات/النص لتجديد محدداتها وخصائصها وفق انفتاحات زمنية مختلفة وكأن بالمنجز النصي يعلن اِرْتهانه للتشكل القبلي/البعدي حيث التحقق في الزمن الماضي ثم الاحتفاء بذاكرة لغوية ومحاولة استرجاعها في لحظة الذكرى ومن ثمة يعترف النص باحتوائه لعناصر الزمن المنقضي والزمن القادم في الوقت ذاته حيث هويةالحبيب تكون معرفية متجانسة -تقربنا الشاعرة (نرجس عمران) وتفصح عن اِسمه في متن النص (بشير) من خلال بوحها في لغة المخاطبة باسمه، لذا يتبين لدينا أنَ نص(حبيبي اِسمه) من مواضيع البوح والتخاطب الروحي الجميل التي تخاطب فيه شخصية قريبة لروحها ومشاعرها وأحاسيسها يكون توأم روحها.
حيث إِنَّ جمالية الرؤية الشعرية تبرز بكامل احتدامها ورؤاها الصادمة من حيث القيمة والفاعلية والحساسية من خلال التفاعل الجمالي والتكامل الفني بين الأبيات إذ إن كل مفردة تتضافر مع الاخرى محققةَ قيمة جمالية في تحفيز الرؤية الروحيةالتي تصف بها ذكرياتها الحلوة في حياة بشير- هناامطرت الشاعرة وجعها بقهر كيف بها لن تراه عندما غاب وتركها مع كل ذكرى عاشته معه هي ترسمها بلوعتها وحزنها في بكاء من دم و ألم و حين أدركت الشاعرة (نرجس عمران) معاناتها وذكرياتها طوال غيابة لأكثر من (أحدَ عشرَ) عاماَ وهي تتذكر كل الطرق والأماكن وكل حديث بينهما تتوق روحها كي تلتقيه وتحكي وتجلس معه وتحتمي به– لاشي بَقِي لَديْهَا سوى الذكريات والحنين يطوق روحها في مناجاتها قهراووجعا –هي أصرت عدم البوح عنه بأدق تفاصيله أشارت لوسامته وطوله الفارع – كانت ذات الشاعرة تتوجع عندما تبوح عن ذكرياتها معه حتى لا ترغب بالحياة بدونه- ولكن كانت صدمتها أكبر وأوجع حيث نفهم أنَّ حبيبها-شقيقها (بشير)يَقبَع في سجنِ أعداء الوطن والإنسانية أسيراَ
ويعيد النص حبيبي اِسمه–؟عن ذكرى شقيقها الغائب الحاضر في روحها ليبني هويته حيث القداسة والطهر والنقاء والحقيقة-حيث لغة الحبُ/الوطن وعد بالإنجاز يحمل ممكنات متعددة تشي بالذكريات في واقع الحياة وأحلام منتظرة ستتحقق في الروح والذات يوماَ ما حيث نرى شكل الحوار الروحي بلغة المخاطبة في متن النص الدال على الثبات ثبات التحدي إصراراَ عليْه وَتعلقاَ بِه.. وثبات الذكريات التي لا تزول والتي تصر الشاعرة (نرجس عمران)على التواصل معها حقول مودة دائمة. حيث ريح الذكريات تشتغل في الداخل كل لحظة وحيث الخطى تتعثر مرتبكة لا تعرف أين تتجه.

المفردات التي لجأت إليها الشاعرة مفردات بسيطة في مظهرها لكنها تحمل بداخلها عمقاَ مؤثرا وتحمل ما تستطيع من حمولة الحزن والألم و الصراخ والتنبيه ولكنها لم تخلو من الأمل والأمومة كون شقيقها بعمر الشباب وهي تحمل قلب الأمومة.
التراكيب التي استخدمتها الشاعرة تمنح المتلقي صوراَ متباينة لكنها تخلق ذات التأثير في نفسية المتلقي حيث ظلال الحزن والألم وتجعل القارىء يتوحد مع وجع الشاعرة وحزنها فتكاد الصورة التي ترسمها الشاعرة تتحرك أمامها رغم أنَّ هذه الحركة حركة معنوية تدرك بالتخيل و التصور و يستحيل على الواقع تنفيذها كما جاءت هنا-
      نص وجداني رائع أَنَّه يبعث للتأمل في التذكر في بُؤرَة الـتأملية المحددة والمعينة والغير متشعبة …وللذكرى شجن ينتفض لدموع مسرة الفرح صورة في منتهى الروعة والجمال هذا الاسترسال في الفكرة يجذب النظر وكأني بكِ كتبتِ نصكِ وانتِ تنظرين إلى مفرداتكِ كيف تنساب من دون دفع قسري لها فجاء النص مُتكاملا ومتماسكاَ في الفكرة والأسلوب ومكتملة فيه الثوابت والمعايير أَنَّه كتلة واحدة متماسكة- ومثل هذا النص هو الذي يولد الدهشة عند المتلقي -أي الانفعال الخاص هو ذلك الشعور الذي لا نفهمه الذي ينطلق من الشعر الأصيل-
أنَّ لِي القوْل إِنَّ قَصِيدَة (حبيبي اِسمه) هي تجربة غنية بمعاني الحبّ عندما ينزاح الكلام عن طبيعته فيتحول إلى كائن حي يعْبر من مكان إلى آخر أو من جهة إلى أخرى بدل أن يبقى ذبذبات صوتية تنتقل عبر الأثير بين أفواه الناس وآذانهم يصبح للقصيدة شكل آخر وطعم آخر أيضا غيمة ثقيلة من الحزن والألم والمعاناة (الحزن العميق) هو السّمة المُهيمنة على النص صور شعرية تحمل في أنفاسها الحزن الدفين واللوعة الكبيرة والحرقة على فراق الأحبة. قصيدة ترتدي الجمال بروح الألق والروعة- وتظلّ مشاعر الضّياع ويبقى الصراع بين مواجهة ذات الشاعرة الفردية مع نفسها وبين مواجهتها للعالم الخارجي تنتظر إِشارة فرح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى