سعيد مضيه | فلسطين
ألقى الكاتب الأميركي رزا بيهنام على عاتق الولايات المتحدة مسئولية تمرد إسرائيل على القانون الدولي؛ إذ بقدر ما تستعمل سلاح العقوبات تعفي إسرائيل حتى من جرائمها المقترفة بحق مواطنين أميركيين. والررئيس بايدن، كما يؤكد الكاتب، لايختلف عن سابقيه من رؤساء،” ناقض بايدن وعطل خلال الفترة 2009-2010 محاولات الرئيس باراك أوباما إقناع نتنياهو بتجميد التوسع الاستيطاني والحفاظ على احتمال إقامة الدولة الفلسطينية حيا”.تنبأ رزا بيهنام يوما ” لا تعود إسرائيل تجد الدرع الواقي من أميركا”.
يقول رزا بيهنام:
إذا استغربت يوما ، مثلما استغربتُ أنا، كم دولة تتعرض الآن لعقوبات الولايات المتحدة ، فإن بحثا سريعا يقوم به الكمبيوتر سوف يقدم جوابا يستدعي التفكير. خمس وعشرون بلداعلى قائمة العقوبات لدى مكتب وزارة الخزانة الأميركية للتحكم في ألارصدة الخارجية . من ذلك العدد عشر دول مسلمة : أفغانستان ، إيران، العراق، لبنان،ليبيا، مالي، السودان، سوريا واليمن.
اميركا ترفع هراوة العقوبات، لآن الكثير من تجارة العالم تتم بالدولار الأميركي، وفي نهاية المطاف تخضع لقوانين الولايات المتحدة. استعان المسؤولون بالولايات المتحدة بالعقوبات السياسية والاقتصادية لترويج أهداف سياستهم الخارجية وجدول أعمالها؛ كما أن العقوبات اتخذتها الولايات المتحدة سلاحا ضد من تراه حكومات معادية – تلك التي ترغب في تحدي الهيمنة الأميركية، تجد بلدانا مثل كوبا وإيران وسوريا وكوريا الشمالية وفنزويلا وروسيا أنفسها على الدوام عرضة لعقوبات الولايات المتحدة.
المزيد من التدقيق في العقوبات يوضح ، على كل حال، أن دولة واحدة معفية من العقوبات رغم كل تجاوزاتها ؛ وتلك الدولة ذات نظام أبارتهايد مفروض بإحكام ،تقوم بالغزو ، وتحتل مناطق ذات سيادة من أقطار أخرى بالقوة المسلحة وتواصل احتلالها غير المشروع: ترفض دفع تعويضات للشعب الذي صادرت أرضه وحساباته البنكية وعالم أعماله ؛ تمارس العقوبات الجماعية ؛ تهاجم بصورة روتينية بلدانا أخرى بغارات جوية ، مرارا وتكرارا تتحدى قرارات الأمم المتحدة ، وتمتلك السلاح النووي وترفض التوقيع على معاهدة عدم انتشار السلاح النووي؛ ترسل فرق اغتيالات الى بلدان أخرى لقتل معارضيا السياسييين؛ تشن هجمات سيبرانية ؛ تبيع أجهزة تجسس وأسلحة الى نظم استبدادية ؛ ترفض إنزال عقوبات بجنودها ممن يقتلون المدنيين والمواطنين الأميركيين؛ تستعين بتكنولوجيا المراقبة كي تتعقب وتقيّد تحركات الشعب الذي تسيطر عليه ؛ جندت الأميركي جوناثان بولارد للتحسس لصالحها ويسرق وثائق مصنفة من الولايات المتحدة ، استقبلته استقبال الأبطال ومنحته مواطنتها:هاجمت سفينة اميركية بالمياه الدولية ، وقتلت جنودا أميركيين ؟ ذلك البلد هو إسرائيل.
مجرد واحد من هذه الانتهاكات كفيلة بوضع البلد المسيء على قائمة العقوبات الأميركية ووصمه بالإرهاب؛ والهجمات اليومية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وإذلالهم وتقتيلهم لم تستوجب من الولايات المتحدة أي عقوبات .
في 19 حزيران 2023 قصف الجنود الإسرائيليون برشاشات مثبتة على طائرات هيليوكبتر أميركية الصنع، مخيم جنين وقتلت 6 فلسطينيين وجرحت 91؛ ليست غارات العساكر الإسرائيليين على مدينة جنين بالجديدة ، ومنذ العام 2002 والمخيم مركز ورمز المقاومة الفلسطينة .
استولى الرعب على الفلسطينيين حين اقتحم المستوطنون بلدة حوارة والبلدات المحيطة ودمروها يوم 26 شباط / فبراير 2023 ؛ كان الهجوم الذي لم يتلق اي عقوبات، على درجة من العنف حملت حتى أن القائد العسكري الإسرائيلي بالضفة الغربية أطلق عليهاسم “مجزرة”.
تتواصل الغارات الإسرائيلية عل قطاع غزة المحاصر والضفة الغربية المحتلة لأن إسرائيل لم تتلق اي عقوبات او مقاطعة.
منذ العام 1947 وإسرائيل تنتهك سيادة الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين والعراقيين والسوريين والمصريين؛ اغتالت إسرائيل خمسة من علماء الذرة الإيرانيين ، يضاف لذلك ان الولايات المتحدة لم تقتص حتى الأن لمقتل مواطنين أميركيين: راشيل كوري ، عمر أسعد ، شيرين أبو عاقلة و31بحارا على سفينة ليبرتي
في مارس / آذار سحقت جرافتها راشيل كوري ، ابنة الثالثة والعشرين، الناشطة من أجل السلم ، بينما كانت تحرس بيت أسرة فلسطينية في مدينة رفح؛ ومات الفلسطيني الكهل الثمانيني، عمر أسعد، في يناير 2022 بعد اعتقاله وتقييده على أيدي الجنود الإسرائيليين عند نقطة تفتيش بالضفة الغربية ؛وفي مايو / أيار صوب جندي إسرائيلي سلاحه نحو شيرين ابو عقله ، الصحفية الأميركية –الفلسطينية وكانت تغطي غارتهم على جنين.
يقدم التعتيم لمدة طويلة على البارجة الحربية الأميركية، ليبرتي، شهادة على المدى الذي تمضي فيه الولايات المتحدة في حماية إسرائيل.
في الثامن من حزيران 1967 هاجمت طائرات مقاتلة و قوارب طوربيد البارجة الأميركية ليبرتي وقتلت 34 من البحارة على ظهرها وجرحت 171 . ليبرتي، سفينة تجسس كانت بالمياه الدولية بعيدا عن شواطئ سيناء وكانت تحمل اشارات واضحة حين تعرضت لهجوم متعمد. في 5 حزيران بدأت إسرائيل حربا ادّعتها وقائية ضد مصر، وبدات ما بات يسمى حرب الأيام الستة.
في كتابه عن الهجوم على السفينة، الصادر عام 1979، كتب جيمز . م . إينّيس وكان ضابطا على القنطرة حين بدأ الهجوم وكتبت له النجاة، تذكر ان الغطاء بدأ في الحال، لآنه، بكلمات تفوه بها الرئيس ليندون جونسون،” نحن لا ننوي مضايقة حليف”. كما أن إينيس يرى ان جونسون بدا مهتما بمقاومة اللوبي الإسرائيلي اكثر من اهتمامه بالقتلى الأميركيين وبعائلاتهم. يستذكر ان تعتيما إعلاميا كاملا قد فرض وجرى تهديد الناجين من بحارة السفينة بتقديمهم لمحكمة عسكرية وبالسجن وبما هو أسوأ اذا ما كرروا يوما ما حدث.، حتى لزوجاتهم.
وفي العام 1997 أبلغ الأدميرال ثوماس مورر ، رئيس عمليات الأسطول البحري(1967-1970) ورئيس هيئة الأركان المشتركة (1970-1074)جمعية الناجين قائلا،”اجد نفسي مضطرا للاستنتاج ان نية إسرائيل كانت إغراق ليبرتي وترك لنا أقل عدد ممكن من الناجين.إسرائيل علمت بالتمام ان السفينة أميركية”.
رغم كثرة البينات لما وصفته امنيستي إنترناشيونال “نظام الهيمنة القاسي” الذي أقامته إسرائيل فإنها لم تتعرض لعقاب بعد؛ وعلى كل حال فبموجب ميثاق جنيف لعام 1949، جميع دول العالم ملزمة قانونيا –تحت مسئولية الحالة الثالثة باللعمل ضد اي دولة تقترف انتهاكات خطيرة للقانون الدولي.
والرئيس جو بايدن / شأن من سبقوه من رؤساء،سوف لن ينزل العقاب بإسرائيل؛ عبر عقود وصف نفسه” صهيونيا ملتزما”. وفي العام 2011 القى خطابا أمام جمهور “ييشيفا بيث ييهودا” في ديترويت اكد فيه “اانا صهيوني”، مؤكدا التزامه بإسرائيل و متباهيا ” حصلت من إيباك من الأموال أكثر مما تلقاه البعض منكم”.
في مقالة لبيتر بينارت كتب، ” إن سجل جو بايدن المفزع حول إسرائيل والمنشور في جيويش كارينتس (27يناير 2020) يصف كيف عمل نائب الرئيس آنذاك اكثر من أي مسئول في حكومة اوباما لضرب طوق حماية لنظام نتنياهو من الضغوط والعواقب”.
وثق بينارت كيف ناقض بايدن وعطل خلال الفتر ة 2009-2010 محاولات الرئيس باراك أوباما لإقناع نتنياهو بتجميد التوسع الاستيطاني والحفاظ على احتمال إقامة الدولة الفلسطينية حيا.
ارسل الرئيس أوباما عام 2010 بايدن الى إسرائيل كي يعزز موقفه، خاصة فيما يتعلق بتجميد التوسع الاستيطاني؛ وفي إسراسيل أعلن بايدن في كلمة القاها “…ببساطة لا يوجد فراغ بين الولايات المتحدة وإسرائيل”. لم تمض سوى فترة قصيرة حتى أعلن نتنياهو عن مشروع بناء استيطاني شرقي القدس. استاء اوباما وامر وزيرة الخارجية ، هيلاؤي كلينتون، إرسال إنذار نهائي –إما ان تبذل جهودا متلاحقة من اجل السلام او تواجه عقوبات- . لدى سماعه بالتهديد أشار بايدن على نتنياهو انه سوف يلطف الأمور حين يعود؛ بعد قراءة مخطوطة دعوة بايدن – نتنياهو لاحظ احد المسئولين ان كلينتون ” تأكد لديها انها سوف يقذف بها تحت الباص”.
إن استثناء إسرائيل من عقوبات الولايات المتحدة، ومن القانون الدولي والاحكام الأخلاقية يترك عواقب خطيرة على الشرق الأوسط والولايات المتحدة والمجتمع الدولي. فالعنف لا يحدث في فراغ ؛عقود من العقوبات الأميركية عطلت التقدم الاقتصادي والتطور السياسي والتعاون ما بين حكومات الشرق الأوسط ؛ وكما كان متوقعا فقد ترتب على النفاق والجور إحباط وغضب شديد. عقوبات الولايات المتحدة لم يطوها النسيان لدى شعوب المنطقة.
إثر الهجوم الرهيب عام 2001 قس نيويورك سيتي وواشنطون أطلق الرئيس بوش نذر كارثة بلا نهتية للولايات المتحدة ، ” حرب على الإرهاب”؛ عن طريق الادعاء الكاذب ان 9/11 حدثت ببساطة لأن “هم يكرهون حريتنا”.
في كتابه ” البرج الساطع: القاعدة والطريق الى 11/9 ” طلب لورنس رايت من الأميركيين تقييم رواية واشنطن حول 11/9 من خلال الأخذ بالاعتبار المعلومة التي شطبت عمدا؛ وبالاستناد الى المنابع الأولية يورد رايت ان الهم الرئيس الذي يثقل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري ، مهندسي 11/9، لم يكن “حرية أميركا”، إنما ما لانهاية له من مكابدة وإذلال للشعب الفلسطيني ، والتي أمكن إنزالها بدعم أميركي.
المعاملة المختلفة التي تتلقاها إسرائيل لم تقدم خدمة طيبة للولايات المتحدة ؛ بل قللت من احترامها على المسرح الدولي وأذلتها في الداخل؛ فمن المحتم ان يفضي تغييب العدالة الى النزاعات والحروب . وإذا أصرت واشنطون أن تظل عرأب العقوبات واستعمالها سلاحا في سياستها االخارجية، حينئذ لا تعود إسرائيل تجد الدرع الواقي من أميركا .