حوار

حوار: الشاعر السوري سامر كحل وألوان إبراهيم

القصيدة العمودية يمكنها أن تجايل الحداثة وتحتويها وتكتب بنفس جديد

سورية | عالم الثقافة

الشعر هذه الدرة والجوهرة التي اتشح بها الشاعر وحملها مكنونات ذاته. فكان الشاعر مثقلاً بأبعاد حياته المعجونة بهمومه وآلامه وأفراحه وأتراحه لقضاياه الكبرى وحوامل وجوده وانطلاق ذاته في ركائز مجتمعية وقيود العادات والتقاليد القاتلة لروحه. وانطلاقه لآفاق جديدة وآمال يحيكها بكلتا يديه. ويلسم لها كفوح العبير فهو المقود والمحرك لهذه الروح الانسانية يصقل جوهرها ويسمو بها إلى العلياء الشعراء هم الفاتحون لنا أبواب الحياة على مصراعيها والقائدون دفتها بحب لهذا الوجود وببساطة ينثرون عطورهم لتنعش الناس وتأخذ بيدهم إلى كوى الضياء.
الشاعر الكبير سامر كحل من أهم الشعراء السوريين الذي قاد دفة الشعر إلى طلائع الحياة الراقية والناعمة بهذا الوجود الإنساني المفعم بالحب للمكان والناس والأرض والانتماء. كرم سورياً وعربياً عضو اتحاد الكتاب العرب إصداراته الشعرية مهمة ولها بصمتها فقد أجرينا معه هذا الحوار حول الشعر :
الشاعر سامر كحل ماهي اصداراتك الشعرية وأين تجد نفسك بها أو بالأحرى أي هذه الدواوين حقق لك ماتطمح إليه؟
لدي سبعة أعمال منها مطبوع ومنها قيد الطباعة،المطبوع بالتسلسل:
١_ أطلال الجسد _ وزارة الثقافة ١٩٩٨م

٢_ صداح أناشيد للأطفال ١٩٩٩م

٣_ مايقلق الريح دار الينابيع ٢٠٠٥م

٤_ مائدة الوقت الهيئة العامة السورية للكتاب ٢٠١٥م

٥_حين أولد في المرة القادمة دار الينابيع ٢٠٢١م
٦_ هزات ارتدادية الهيئةالسورية للكتاب قيد الصدور
٧_ فاتح العدم قيد الصدور
لا أرى أن الشعر قادر على أن يفصل بين مجموعاته الشعرية فلدي رابطة روحية تشدني إلى كل ماكتبته من قديمه وحديثه وبخاصة أنني كنت متريث جداً في الطباعة والنشر ولم يكن الكم له أهمية لدي في يوم من الأيام ولكن لابد من الاشارة إلى ما يصدر حديثا له أهمية خاصة كونه يحمل أسلوبية مختلفة عن المجموعات الأولى من حيث شكل القصيدة النثرية وبنيتها. إذ أن المجموعتين قيد الصدور تحمل هذا الصنف وهو جديد على تجربتي ومختلف.

بدأت بقصيدة التفعيلة فما هو صداها بما يكتب اليوم من حداثوي ونثري ؟
قصيدة التفعيلة لها جذورها الفنية الرصينة والهامة ولها حداثتها فنياً ولغوياً فهي قصيدة تتحمل التكثيف مثلما تتحمل أيضاً النفس الملحمي ولا أعتقد في يوم من الأيام ستكون محض فني كلاسيكي لأشكال الشعر كما حال القصيدة العمودية كمفهوم ولكن أعتقد حتى القصيدة العمودية يمكنها أن تجايل الحداثة وتحتويها وتكتب بنفس جديد وحداثوي كما هي تجارب بعض الشعراء في هذا الشكل الكلاسيكي من الشعر وأذكر على سبيل المثال شاعرين مهمين محمد علي شمس الدين في مجموعته ” منازل النرد” وصقر عليشي في مجموعته ” الغزال” .
أما قصيدة النثر فهي أخطر نوع من أنواع الشعر لأنها تقوم على التجريد واظهار روح الشعر دون الالتفات الى الثوب الايقاعي الخارجي للقصيدة. وهي لا تتحمل المراوغة أو الحشو أة الاطالة. ولعل من أكثر الأخطاء التي وقع بها عدد لا يستهان به ممن يكتبون نصوص نثرية يوهمون بأنهم يكتبون قصيدة نثرية وهم أبعد ما يمكن عن الشعر.
برأيك قصيدة الومضة حققت هذه الغاية؟
قصيدة الومضة قصيدة تستحق الوقوف عندها مطولا إذ أنها أكثر ماتشبه انزلاق شهب أو هزة روحية وعليها أن تكون بنفس هذه الصفات في تأثيرها بالقارئ وإلا ستكون محط لغة باردة لا تحمل أهم عنصرين يكونانها ” الدهشة والمفاجأة” أي قصيدة الصدمة.
قصيدة النثر لم تأتِ من فراغ من هم الشعراء المؤسسين لهذه المدرسة في الشعر وما مدى تأثيرهم فيما نجده اليوم؟
هناك شعراء لقصيدة النثر خلقوا ليكونوا شعراء هذا الصنف من أصناف الشعر للقصيدة النثرية واكبر مثال على ذلك محمد الماغوط الشاعر الذي كان ينفي عن كتاباته في البداية صفة الشعر وكان الشاعر يقول: أنا أكتب النص النثري لأن مفهوم الشعر بالنسبة له القصيدة الموزونة سواء أكانت عمودية أو تفعيلة غير أنه بالفعل كان من أهم رواد قصيدة النثر وصاحب الصوت الواضح والخاص في هذا المجال وهناك تجارب هامة وكبيرة مثل أدونيس وأنسي الحاج وسليم بركات ومحمد عمران وآخرون .. وقد ازدهر هذا الشكل من الشعر علي أيدي شعراء مجلة شعر اللبنانية ومن بعدها شعراء مجلة ألف التي ضمت كثيرا من شعراء قصيدة النثر ومنهم أسامة اسبر وعهد فاضل وغيرهم أما بخصوص ما يكتب اليوم وينشر سواء في المؤسسات العامة أو الخاصة أو على وسائل التواصل الاجتماعي فيه الكثير من المغالطة في فهم ماهية قصيدة النثر وبنيتها ولغتها شكلا ومضمونا فكل تلك الوسائل سهلت مفهوم الاستسهال واللامسؤولية والجهل والاساءة لمفهوم الشعر العربي بشكل عام والقصيدة النثرية بشكل خاص ومن حق أي شاعر يحترم ذاته أن يتهم في الدرجة الأولى المؤسسات العامة الغير مسؤولة في تسهيل نشر مثل هذه التجارب بكثافة ملفتة للانتباه والذي يقع على عاتق قراء هذه المؤسسات ولا يغيب عن البال الاشارة إلى تقاعس النقد والنقاد جول رسم خطوط عريضة لمفهوم تلك القصيدة التي لايستهان بأهميتها وعدم الاكتراث إلى الانحدار الذي وصل إليه الشعر وليس هذا فحسب بل إنهم أي النقاد لهم دور كبير في تقويض بعض التجارب من خلال العلاقات الخاصة على حساب هذا البناء الفني للقصيدة.
ما هو مفهوم قصيدة النثر وبنيتها ولغتها شكلا ومضمونا وكيف يمكن الاساءة إليها برأيك ؟.
قصيدة النثر تقوم بالدرجة الأولى على تكثيف النص لغويا فهي لاتحتمل الاطالة وتعتمد بشكل رئيسي على عنصري الدهشةوالمفاجأة بالإضافة للانزياح والصورة تلك العناصر التي من الممكن أن تشكل جوهر قصيدة النثر بأي ولعل الأقدر على رسم ماهية القصيدة النثرية بلا شك هو النقد الجاد والبناء المغيب والذي أساءةإلل مفهومها حتى وصلنا الى هذا الانحطاط الذي لا يخفى على أحد في الشعر.
 أشرت في جوابك السابق أن قصيدة النثر لا تحتمل الاطالة غير أننا نجد في كثير من القصائد النثرية لشعراء لهم تجربتهم الناجزة في ان الاطالة تتجاوز ماذهبت إليه به في اجابتك ممكن توضيح ذلك؟
الاطالة لا تعني طول النص أو قصره إنما هو تكثيف الجملة الشعرية أوالقطعة وضمن النص فهناك من الاعمال النثرية في الشعر ماهو ملحمة متل قصيدة الطين لمحمد عمران التي تجاوزت مئة صفحة فالاطالة تعني هنا التهويم حول الفكرة والحشو . هذا ماقصدته بالاطالة فالشاعر عندما يخرج عن الفضاء الشعري للقصيدة فهو يتحول إلى نص نثري لايقارب الساحة الشعورية أو الشعر والخيال الشعري وهنا تصبح القصيدة تشكو الركاكة.
ولعل كتاب قصيدة النثر للناقدة الفرنسية سوزان برنار هو أهم مرجع نقدي لتجربة القصيدة النثرية العالمية. لأنها قائمة بالدرجة الاولى على الحسي والجمالي.
ماذا تريد أن تقول للجيل القادم من الشعراء المبتدئين بالنسبة للقصيدة بشكل عام والنثر الحداثوي بشكل خاص ؟
أول مايمكن أن أقوله كشاعر يجب أن يقرأ مستقبل تجارب هامة لأصدقاء مازالوا في البداية هو أن الشعر بالدرجة الأولى مصداقية بين روح الشاعر والنص فالقصيدة يجب أن تهز كيان الشاعر أولا وبالتالي تنعكس باهتزازاتها على المتلقي أي التمكن من هذا الفن من خلال القراءة الكثيفة وعدم التسرع في النشر فالثقافة هي الوحيدة القادرة على صقل الموهبة ووضعها على المسار الصحيح. اضافة لقراءة الموروث الشعري لما له من أهمية في معرفة جذور القصيدة العربية وتدرج حداثتها من الكلاسيكي إلى التفعيلة
إلى النثري وأنصح بالتمكن من كتابة جميع هذه الأشكال لأن القصيدة في غالب الأحيان هي التي تفرض شكلها أما المضمون الفني فهو يندرج على كل أشكال الشعر إذا كان الشاع يمتلك أدواته حيث لا أظن ان ماقيل ان الشكل العمودي والتفعيلة يحملان قيودا أمام الشاعر صحيحا وانما هو ليس إلا هروب واضح لعدم تمكن الشاعر من أدواته لأن أدوات القصيدة النثرية وضوابطها أصعب بكثير من ضوابط سابقاتها. وللشاعر سامر كحل نصين أوقصيدتين الأولى تفعيلة من
ديوان مايقلق الريح بعنوان ورد الكلام ..
منذ خمسين ربيعا
وهو يرتاد المنازل
يعجن الاشعار
حناء الجدائلْ
.. ..

منذ خمسين انهيار
وهو يلقي عن ضلوع الشام
غزوات القبائلْ
.. ..
ويناجي مصرف الليل
ويبكي في النهار
فوق صدر الشرق
كي ترجع بابل
.. ..
منذ خمسين هزيمة
وهو يرمي خفقه
فوق الأكف
ويخفّ
حافيَّ العينين
يستقرئ آثار الجريمة
.. ..
بعد خمسين احتضار
أطبق الشاعر جفنيه
على الحلم .. ونامْ
.. ..
تاركا ورد الكلام
فوق ثغر الريح
يزهو جلنار
.. ..

والثانية نثرية بعنوان :

المذراة
…………..

سالَ
عن لقمتي
السمن ..
ولم يَعُدْ لطَعمِهِ
السُّكّر ..
مذ هربَت بنعلي الصغير
الطٍّريقُ التّرابيةُ
أمامَ جرْافةِ رئيسِ البلديّةِ …
تلك التي كنا نُعبّدُها
بضحكاتِنا ..
وبالركضِ
خلفَ قاطراتِ أكداسِ الحنطه ..
دونَ أن ننتبه
لما يتساقطُ خلفَنا من سنابلِ البهجةِ
التي سرعانَ ما كنستها الزوابعُ ..
و أذرت في عيوني
ترابَ الطريقِ
التي هربت بنعلي..

يومها..
كان ما يزالُ الصباحُ
يُطلُّ من شرقيّ”السّهوة”
على ظَهرِ الفجر ..
والشمس
تلبَسُ طربوشَها المُشنشل
وتخرج بكامل حليّها
وحدها ..
دون أن تتلفّت ..
كان صوت الصافرةِ
للطّاحونةِ
وليس للرعب ..
والمناجلُ
للحصاد ..
وليست للشعارات ..
والقهوة المُرّةُ في المضافاتِ
للغانمينَ بالكرامةِ ..
وليست في مكاتب العقارات
لتجّار الأعراض والأوطان ..
والمجاز
لقدمي أُمّي
حيث تخطرُ في أرضِ الدارِ
وخلفَ خُطوتِها
تُرندحُ ازهارُ البابونجِ
بمواويلِ الطيب ..
ولم يكن الإنزياحُ
حكراً على اللغةِ ..
لردِّ الغُرّةِ على الجبين
أيضاً ..
وبَرمِ المغازلِ
على الأفخاذ ..
لدلقِ الماء
من ثغور الجرارِ
على أكتاف الصبايا ..
بعد ان يملأنها من نافورةِ الضّيعةِ
التي تفسّرُ لكلٍّ منهنّ حلمها
وهي تُدلي لها بالحديث
في جرتها ..
كان الهمُّ أيضاً
يُحملُ على الأكتاف ..
كم كنا نحلمُ أن ينزلَ لحظةً
لنحتلّ مكانهُ على أكتافِ أبي ..
إلى أن نام
في زاوية روحه
تحت شجرة الجرنك التي
ما تزال تقصُّ عمر اليباس
في أحداقه
وتفسره لي بصمتها الأبدي
بعدهُ ..
وامتناعها عن النَّبْسِ ببنتِ زهرةٍ
أو عقدِ أحاديثٍ مثمرة ..
ها هو النهار ..
يظلُّ نائماً حتى الظُّهر
ملتحفاً ضُحاه ..
والديوكُ ..
نكّست أعرافها
ولم تعد تكترث
لنشاز ِالفجر .
والنمالُ
تعود من فتوحاتها
خائبةً ..
بعد أن أذرت حالها
المذراة ..
ونزلت عن لوحها العاطل عن الدوران
في”الصيّافةِ”
أغاني الدّواريس ..
جفّ حلقُ الماء ..
وكفّ السنديانُ
عن ذكرِ الرّيح ..
وأنا ..
ما زلتُ أستذكرُ
طعمَ مضغةِ السّكّر ..
وأنظرُ إلى بقعةِ السمنِ
التي ما زالت متفشيةً
على قميصِ روحيَ
المهترئ ..

………………..
” السهوة “: قرية الشاعر في الجنوب السوري
“الصّيّافه “: ملعب الطفوله .. وبيادر القريه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى