فكر

ما ظنكم برب العالمين

بقلم: د. محمد السيد السكي

استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي مصري

فى وجهة نظري إن معضلة الأقدار وعطاء البعض وحرمان الآخرين ستظل قائمة لكي تكون كأطوار القمر فيراها البعض بدرا متلألا ويراها الآخرون محاقا خافتا ذابلا ..
لابد أن يكون الشك قائما واتهام الله بظلم بعض خلقه مشتعلا وهذه سنته فيتدخل بالتدخل اللطيف ولا يكشف عن تدخله فلا يشعر به إلا أولو الألباب و لا يتدخل التدخل الصارخ حرصا على استمرار تجربة الاختبار الأعظم في الحياة.. وليقدم مشهد البركة الضحلة التي تتلطخ عقول البعض من شركها ويذهبوا في طريق الشك في عدل الله البر الرحمن..
وفى هذا أطرح بعض النقاط :
– الدنيا دار اختبار و هي دار يتعرف فيها الخلق من خلال تفاعلات الحزن والفرح والإحساس بالغبن والتفرقة في الحظوظ وغيرها على الله كمحاولة تقريبية للكشف عن ذاته المكنون.. “إنه اضحك وأبكى”
– عطايا الله ونعمه لا تحصى فلن تستطيع بالتفصيل أن تضع يدك عليها ومن ثم فإن حكمك على الأشخاص بأنهم أخذوا أو منعوا هو حكم قاصر..
– المتعة سر إلهي هو وحده يملك مفاتيحه ولتعلم أن كل متعة دنيوية هو مالك لنصابها فتظن أنك ملكت صهوة جوادها وأنت مخدوع مخدوع..
وكل منا مرت به لحظات في حياته ينكشف له منها إن المتعة نسبية وقد يختلف مقدارها من لحظة لأخرى مع تحقق نفس بواعثها ومدخلاتها ..
– وكما إن المتعة نسبية فإن العذاب نسبي مثلهم كجميع الصفات المعنوية الغير معدودة والتي يمكن معرفة مقدارها بالمقارنة والمعايرة..
– اعلم أنك لو عشت طول حياتك في شقاء وعناء فإن لحظة واحدة يمن الله عليك فيها برضاه فإنها ستزيل عنك كل شقاء ومنقصة و إذلال فالله هو الجبار الذي يجبر كسرك ويسمع أنينك ولا يظلم العباد..
– نرى في الدنيا ملامحا كثيرة تدل ظاهريا على أن الخلق في أرزاقهم لم يحظوا بنفس المقدار فليس كل إنسان يأخذ كما يقولون الأربع والعشرين قيراطا وهذه معضلة لن تجد أحدا يجيبك عليها لأنه في طياتها أحد الأسئلة المهمة لك في تجربة امتحانك في الحياة والتي هي عبارة عن سؤال مهم ألا وهو: ماظنكم برب العالمين؟! ..
سبحان الله ربي العدل اللطيف الذي جعل نفسه قيما على نفسه ولا يرضى الظلم لخلقه ولا يظلم الناس شيئا وتحضرني هنا بعض القصص التي ربما تجد في مغزاها ما يجعلك تتعرف على معضلة الأقدار وبركة العقول القاصرة..
القصة الأولى:
لقد كان الإمام مالك يؤمن بأن الرزق مقدر لك وسيأتيك حتى ولو بدون حركة وكان تلميذه الشافعي يرى وجوب الحركة للحصول على الرزق. وذات مرة طلبت سيدة من الشافعي أن يحمل لها جوالا من التمر فأعانها وكانت مكافأته أن تعطيه المرأة كيسا من التمر ففرح الشافعي وذهب لأستاذه مالك وأعطاه بعض التمرات وأخبره بالقصة وقال الشافعي: لولا الحركة لم تكن هناك تمرات نأكلها!!
فضحك مالك وقال: تحركت أنت لإدراك رزقك ولم أتحرك أنا فأتيت لي برزقي!!
القصة الثانية:
كان العارف بالله إبراهيم بن أدهم من كبار التجار وذات يوم وهو فى رحلة تجارة رأى طائرا جريحا في الصحراء فانتطر بمقربة منه لمعرفة مصيره؟ فلم تمض ساعة حتى أتى طائر وأطعم الطير الجريح، ومن لحظتها ترك إبراهيم الدنيا وتجارته ولازم الخلوة والجبال وصار من كبار الزهاد فسأله مرة أحد المفكرين:
لماذا تركت يا إبراهيم تجارتك؟
فأخبره إبراهيم بالقصة.. فقال الرجل: أرضيت أن تكون الطير الجريح ولم ترض أن تكون الطير المطعم؟!
وهكذا ستظل معضلة الأقدار وسيظل حسن الظن بالله وسيظل فيض النور من الله على عباده الحكماء وستظل بركة الطين تلطخ عقول البلهاء.
لقد أكرم الله طه حسين بزوجة داعمة له ولولاها لاختلف ناتج طه حسين الدنيوي، ولقد مرض ستيفن هوكنج بعد حصوله على الدكتوراه ولو مرض مبكرا لما عرفنا إبداع الرجل ولا الثقوب السوداء. فالله مدبر للأمور ولتعلم أن لطف الله يحلّق فوق رؤوس أهل البلاء فلا تراه عينك ولا تعرف له مكان..
ولتعلم أن هناك فارق بين عدم الثقة فى قدرة الله العزيز على تغيير الأمور والأحوال فى خلقه، ومابين توهم الإنسان وسوء ظنه! من عدم تغيير أحواله؟ فمن ينكر قدرة الله هو أحمق جاهل عميت بصيرته عن رؤية تدخل الله الرحيم، وهو جاحد معطل لصفات الله الجليل، أما الآخر المتشائم القلق المحبط فلربما أرهقه التعطيل، ولربما لم يسترجع فى صحيفة حياته سوى الألم والكدر والضيق، فتكدرت سماء دنياه بغيوم الظن والأنين !..
ولكن الله البر الرحيم يأبى إلا وأن يكشف عن كل محزون ضيقه، وعن كل صاحب هم همه، ولا يتركه لنفسه ودنياه وظنونه أسيرا..

فتبارك الله صاحب التدخل اللطيف الرحمن الرحيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى