المتنمّر مريض

محمد علي مفتي | المملكة العربية السعودية
التنمّر ليس قوة، ولا جرأة، ولا فهلوة كما يظن بعض المرضى؛ بل هو علامة واضحة على خللٍ نفسي وسوء خُلُق وضعف داخلي يحاول صاحبه إخفاءه بالصوت العالي والسخرية. المتنمّر في الغالب شخص مهزوز، لم يتربَّ على الاحترام ولا على تقبّل الآخرين، فيبحث عن فريسة سهلة ليشعر بلحظة تفوق زائفة تعوّض عقده المتراكمة.
ولهذا يتجه غالبًا إلى الأشخاص الهادئين، أصحاب التربية الرفيعة الذين لا يفضلون النزول إلى المستنقعات، ولا يجيدون السباحة في القذارة اللفظية والسلوكيات المنحطة. هؤلاء النبلاء يعتقدون أن الصمت أحيانًا احترام للنفس، لكن المتنمّر يظنّه خوفًا، فيتمادى وهو لا يدري أنه يفضح نفسه أكثر مما يؤذي غيره.
يمارس سخريته على هذا، ويستهزئ بذاك، ويمشي بين الناس بنبرةٍ فارغة يظنّها حضورًا وقوة، بينما الحقيقة أنه يصرخ من الداخل ليغطي هشاشته. لكن الزمن كفيل بأن يقدّم له الدرس الذي يستحقه، فالمتنمّر لا يتوقف إلا حين يواجه من يضعه في حجمه الطبيعي، ويُعيده إلى واقعه بكلمة أقوى، وردٍّ أذكى، وسخريةٍ أكبر من سخريته. هنا فقط يعرف المتنمّر أنه لم يكن مخيفًا يومًا، وأن صورته التي صنعها لنفسه تنهار أمام أول من يرفض الخضوع له.
ليس الهدف أن يتحوّل الإنسان الراقي إلى متنمّر مضاد، بل أن يثبت لنفسه ولغيره أن الصمت ليس ضعفًا، وأن الحياء لا يعني الهروب، وأن الردّ القوي ليس تنازلاً عن الأخلاق، بل هو أحيانًا ضرورة لردع من يعتقد أن الناس صامتون لأنهم عاجزون.
فالمتنمّر يعيش وهْم القوة حتى يأتي شخص واحد فقط ليضع المرآة أمامه، فيرى الحقيقة كاملة: أنه لم يكن سوى ظلٍّ هشّ، يكبر فقط في أعين من يمنحونه قيمة لا يستحقّها.




