الشاعر الكوردي السوري علي موللا نعسان في حوار مع جريدة عالم الثقافة
حاوره: ناصر أبو عون – النرويج
علي موللا نعسان شاعر و كاتب و مترجم كردي من سورية، وُلِدَ في مدينة عفرين بناحية بلبل في 19 آذار عام 1969 من أسرة كردية ذات منبت ديني فكنيته تعود لوالد جده من أبيه الشيخ الأستاذ موللا نعسان محمد الذي درَّس في ثلاثينيات وعشرينيات القرن العشرين في مدارس مدينة كلّس الواقعة حالياً في تركيا وقد عرف عنه الصلاح وسعة العلم والاطلاع.
عاش الأستاذ علي في مدينة دمشق وترعرع فيها ودرس بمدارسها وثانوياتها وجامعتها.. بدأ نبوغه يظهر في فن الخطابة منذ الصف الرابع والخامس الابتدائي من خلال اهتمامه باللغة العربية وآدابها منذ الصغر فكان يواظب على قراءة القصص والقرآن والشعر وسير الأعلام و كانت أول محاولة كتابية شعرية له في الصف الثاني الإعدادي عبر قصيدة أسماها (الوطن البعيد) حيث بدأت لواعِجُ الغربة الفكرية،الانسانية، القومية والاجتماعية تظهر في دائرة تفكيره العقلي والابداعي.. درس اللغة الفرنسية في معهد اعداد المدرسين للغات قسم اللغة الفرنسية عام 1988 وفور تخرجه من المعهد عام 1990 عُيِّن مدرساً للغة الفرنسية في محافظة ريف دمشق بمدينة الزبداني وبعد الانتهاء من الخدمة الالزامية درَّس اللغة الفرنسية في ريف دمشق في بلدة بدا التابعة لناحية صيدناياi.
درَّس اللغة الفرنسية في مدينة دمشق منذ عام 1994 حتى عام 2014… شغف بتعلم اللغات وآدابها منذ الصغر فبدأ تعلم اللغة الفارسية بجهده الشخصي وشغف أيضاً بحب السينما والموسيقا إذ كان يحضر الأفلام السينمائية باللغات الثلاث العربية والفرنسية والفارسية في مراكزها الثقافية إلى جانب أنه أكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية و تخرج منها عام 2014.. قام بترجمة بعض القصائد الشعرية التي تحمل طابعاً تعليمياً للأطفال من اللغة العربية إلى الفرنسية عام 2007 و التي كانت قد ألَّفَتْها الشاعرة الأديبة والمربِّية الفاضلة مريم يوسف فرج.. قام بترجمة قصيدتين من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية واللتان تتسمان بالقيم الانسانية الإسلامية النبيلة( فتاة استوقفتني، فتاة سورية لبنانية).
قام بترجمة بعض القصائد للشاعر الفرنسي الكبير شارل بودلير من اللغة الفرنسية إلى العربية (نشيد للجمال، الشعلة الحية) في ربيع عام 2013 ونُشِرت في مجلة الآداب العالمية الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق.. نشر بعضاً من قصائده باللغة العربية في عدة مواقع الكترونية كالحوار المتمدن، واحة الفكر، جريدة عالم الثقافة، مجلة الثقافة الجزائرية، مجلة مصر صحافة من أجل الوطن ومجلة القلم الجديد الصادرة عن اتحاد الصحفيين الكرد في أوروبا (pênûsa nû) ويعمل على إصدار أول ديوان له باللغة العربية قريباً.. كتب عدة قصائد باللغة الفرنسية والكردية ولم ينشرها بعد ويعمل على تنسيقها لترى النور عما قريب.. نشط في اللغة والموسيقا فهو ناشط ثقافي موسيقي يعمل على إحياء الثقافة الموسيقية والشعرية بعدة لغات الكردية والعربية والفرنسية.. مدرس لغة فرنسية سابقاً في دمشق و عضو في نقابة المعلمين السوريين منذ عام 1990.. غادر سوريا الوطن عام 2014 إلى تركيا التي أقام فيها وقام بتدريس اللغة الفرنسية خلال عام 2015 ومن ثم غادرها إلى النرويج حيث يقيم في أوسلو عاصمة النرويج و يعمل مدرساً للغة الفرنسية.. الموقع الفرعي في الحوار المتمدن: https://www.ahewar.org/m.asp?i=12489
س١- عودة إلى البدايات.. متى اكتشفت قارة الشعر المفقودة داخل جغرافية روحك المتوثبة ؟ وكيف ولجت إلى أبواب القصيدة؟
البدايات الأولى تعود إلى أيام الدراسة؛
-ففي المرحلة الابتدائية،وعندما كنت تلميذاً في الصف الخامس الابتدائي ،أذكر أنني كنت أحب الخطابة والشعر والإِلقاء وكان المعلم يوزع علينا أدوار الشخصيات المسرحية المناسبة لقراءة النصوص مع ارتجال الصوت المناسب للشخصية وبعدها بدأت أكتب المواضيع التعبيرية بأسلوب مختلف عن بقية التلاميذ،وحيث كنت قد اشتريت كتاباً عنوانه الإنشاء الواضح في التعبير للكاتب علي رضا وقد ساعدني هذا الكتاب كثيراً لتنمية مهاراتي التعبيرية اللغوية في صياغة الموضوع الإنشائي .
-في مرحلة الدراسة الإعدادية تبلور شغفي التعبيري بحب مادة اللغة العربية وكذلك الفرنسية حيث كنت أهوى تعلم اللغات وأستمتع لدى سماع المفردات من أية لغة كانت فكنت أحفظ القصائد العربية والحوارات باللغة الفرنسية ولا أنساها بل تخطى الأمر أمدرس اللغة العربية كان يطلب مني تصحيح نصوص الطلاب على مستوى الإملاء والتشكيل ووضع علامة مناسبة للنص.و في الصف الثاني الإعدادي كتبت أول قصيدة عنوانها ( الوطن البعيد) والتي قصدت فيها الأرض الكردية الضائعة بين عدة دول فقد تبلور لدي شعور جديد ينم عن الفوضى الاجتماعية والسياسية التي حدت بالواقع السوري المعاش بين سائر الأطياف وخاصة فيما يخص الأكراد و عزلتهم وتفرقهم عن كيانهم الضائع أسوة بالأمم الأخرى. وكتبت بنفس الوقت قصيدة باللغة الكردية عنوانها ( lê şêrînê were vir)
-في مرحلة الدراسة الثانوية كتبت عدة قصائد وطنية وحتى أنني ألقيت إحداها بعنوان (بطل تشرين) في احتفال على مسرح اتحاد شبيبة الثورة في دمشق في إحدى حفلاتها وقد شجعوني كثيراً و احتفوا بإلقائي الشعري.
-في مرحلة الدراسة الجامعية في معهد إعداد المدرسين، كتبت عدة قصائد رومانسية تتحدث عن الطبيعة و الحب ولم أنشر أية قصيدة في تلك المراحل في الجرائد أو المجلات.
-في مرحلة ممارسة التعليم و التدريس للغة الفرنسية، ترجمت بعض القصائد العربية إلى اللغة الفرنسية بأسلوب شعري فرنسي منمق و جميل حيث أنني كنت قد اشتريت كتاباً عنوانه (مختار الشعر الفرنسي الحديث) للكاتب اللبناني المترجم رواد طربيه و الذي كان قد ترجم النصوص الشعرية الفرنسية إلى العربية بأسلوب متميز عن أقرانه من المترجمين وقد نهلت الخبرة في الترجمة من هذا الكتاب إلى جانب الدراسة الجامعية في قسم الأدب الفرنسي في جامعة دمشق وإلى جانب المواظبة على ارتياد المركز الثقافي الفرنسي .
وفي هذه المرحلة ترجمت نصوصاً شعرية للأطفال من العربية إلى الفرنسية للكاتبة الأديبة مريم يوسف فرج وقَدْ أنشدت النصوص الفرنسية نجمة ستار أكاديمي زينة أفتيموس . كما قمت بترجمة نصوص شعرية للشاعر الفرنسي بودلير و نشرتها في مجلة الثقافة العالمية الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق في ربيع عام ٢٠١٣ .
-وهنا في بلاد الاغتراب (النرويج) شاركت في النشاطات الموسيقية في المكتبات ومراكز تعليم اللغات و حتى أنني ألقيت قصيدة باللغة الكردية في جامعة أوسلو .
-وهاجسي الشعري ظل يرافقني و يبلور اهتماماتي و ثابرت على الكتابة وبدأت أنشرفي المواقع الالكترونية كالحوار المتمدن و جريدة عالم الثقافة ومجلة الثقافة المغربية وآفاق حرة للثقافة وغيرها من المجلات الاكترونية كما كتبت عدة قصائد باللغة الكردية والفرنسية ولدي محاولة باللغة النرويجية و لم أنشرها بعد و لحّنت بعض القصائد.
– وقمت بالإشراف على انطلاقة كتاب الكتروني بعنوان مرايا الروح و الذي يضم قصائداً لإثنا وأربعين كاتباً، ومن خلال العزم على المثابرة في صقل المواهب الشابة وتنميتها في الوصول إلى ملكة الكتابة و الإبداع الأدبي المحكم بضوابط راقية الفكر، ساهمت في رفد الطاقات الشابة المبدعة برؤية تنموية و توعوية لماهية الثقافة الشعرية المترعة بأريج ورود الإحساس ورونق الصياغة الجمالية التعبيرية في الاستخدام الأنيق للغة وللصياغة الأدبية المفعمة بالصورة الشعرية الدرامية المفعمة بالتصوير التخيلي،
و ذلك بدا من خلال إضفاء قيم جمالية تصويرية متجددة مستمدة من همم الشباب وإبداعاتهم الخاصة عبر الكتاب المشترك الذي تابعت فيه دعم الشباب المثقف في كسب دور مهم للثقافة للوصول الى نتائج مرضية .
-و حالياً أنا بصدد نشر ديواني الشعري الأول بعنوان دروب متعرشة و الذي سيصدر عن دار الأمل الجديدة في دمشق .
س٢- تعريف الشعر بعيدا عن الأدلجة والخطابين القومي والعقائدي بما يدعم مرتكزات الهوية الثقافية؟
-تعريف الشعر: الشّعْرُ كلمة مأخوذة من كَلِمةِ الشُّعورِ أي الإدراك والإحساس بحالةٍ عاطفيةٍ مُعَبّرةٍ عنْ نزعةٍ أو ميلٍ أو شَغَفٍ ومن الناحية اللغويةِ تعني الصِّياغة الفكرية والدلالية لنصٍ أدبي موزون الايقاعِ والجِرْسِ بالكلماتِ والحُروف والأحاسيسِ والعِبْراتِ في قالَبٍ مُفْعَمٍ بالعَواطِفِ الجَيَّاشةِ والمَعاني المُعَبّرَة والمَغْزى المُراد في جوّ تَصويري لُغَوي يَأْسِرُ الألْبابَ ويُسْعِدُ القرَّاءَ .
– وفي خضمِّ المشاعر المُعتلجة والأفكار المتوشّحة عبر دروب المعرفة والثقافة والأمل يسعى الشعر إلى إيصال رسالة إنسانية ترصدُ الواقع الاجتماعي ومستجداتِه على استقرار المجتمعاتِ البشرية من خلال إبراز الخصال الحميدة والمواقف البطولية التي تساهم في درء النزاع ومكافحة الشر والسعي نحو الفضيلة فالحروب المستعرة والنزاعات في شتى بقاع العالم أضحت موضوعاً دسماً لرؤية شعرية جديدة المعالم والقيم وداعمة لظهور إبداعات دفينة لدى الشعراء و الكتاب .
س٣- يُطْعَنُ في الحداثة بوصفها إنجازًا غربيًّا، وهي كذلك بالفعل، أليس من حداثة عربية وكيف يسهم الشعر في تأصيلها؟
الشعر هو مادة أدبية فنية متجددة بطبيعتها لأنها تعبر عما يفيض بالخاطر من أفكار وأحاسيس فلكل زمان شعراؤه و رجاله و أناسه فالحداثة قائمة إن شئنا أم أبينا فالشعر يتجدد مع الأحداث الاجتماعية و السياسية و وفقاً لتطور الوسائل السمعية و المرئية مروراً بالظروف السياسية المتاخمة في التأثير على الثقافات المتعددة في المجتمعات و وصولاً إلى الغايات المنشودة في الحياة و الاستقرار والتطور فلا جديد بدون تغيير أو لا حداثة بدون تجديد وإن الاهتمام بوسائل التعبير الحديثة حدت بالقيود و الروابط و القواعد الشعرية إلى السعي للانخراط في أجواء شعرية متجددة متناسبة وفقاً لمعايير تتأقلم مع واقع التطور و التغيير الضروري المكافئ للروح الجمالية الشعرية و التصويرية المستمدة من تطور فن الصورة و التخيل .
وإن البعد الفلسفي العميق لمفهوم الإبداع و ماهية الجمال عزَّز الحبكة الدرامية للصورة الشعرية و التصّور الإدراكي للصور البديعة الممزوجة بضوابط العقل والإحساس بما يتفق مع متطلبات العصر ودواعيه، وما الجوازات الشعرية في البحور إلا تعبير عن واقع حداثي متجدد لكل عصر وما المقامات الشعرية إلا تعبير عن الخروج من إطار الالتزام بقواعد الشعر العمودي وهكذا دواليك فلكل زمان أفكاره وتعبيراته وأدواته وسماته فكلما تغيرت الأدوات المعيشية والمظاهر الحياتية والظروف الاجتماعية السياسية التي اتسمت الحضارة الجديدة المتجددة بها من وسائل ترفيه أو توعية أو تهذيب أو بناء وإعمار أو حتى وسائل التدريس، نتج عنها آليات جديدة ومتعددة في تطوير الملكات الفكرية والقدرات العقلية لدى الإنسان للسير بطريق التطور. فالتطور قائم ومتجدد بحد ذاته في كل النواحي المجتمعية وبهذا المعنى يكون دور الشعر أيضاً متطور مع التحديث في ظروف الحياة المعيشية الإنسانية و الفكرية التعبيرية ومن هنا نشأت المذاهب الإبداعية في الأدب والشعر .
س٤-رزح الشعراء العرب في العقود الثلاثة الأخير تحت نير العديد من المتغيرّات السياسية والاجتماعية محاطين بسياج اقتصادي شائك مما خلّف آثارًا خطيرةً على الإبداع.. كيف يمكننا الانفلات من هذه الأزمة والخروج بأقل كلفة من الخسائر؟
المعوقات الثلاث؛ أما عن التغيرات السياسية التي طالت المجتمعات العالمية برمتها نحو تأطير عولمة فكرية سياسية ترصد وتتابع سائر التغيرات الاقليمية و الدولية فقد نتج الكثير من تشعبات في البنى الاجتماعية للبلدان في سائر بقاع الأرض نتيجة للتصادم الثقافي والحضاري الممزوج بإرضاء الكيان الأقوى الذي يهيمن على بقاع الأرض. وقد تأثرت مجتمعات الشرق بشتى طوائفها وأعراقها من عرب و كرد وعجم و ترك و فرس بمظاهر العولمة وسياسة القطب الواحد الذي نجم عن سطوته الآن المزيد من الحروب والكوارث البشرية
أما عن التغيرات الاجتماعية و الاقتصادية فهي ترتبط أيضاً بالسياسة إلى حد بعيد و تؤدي إلى شروخ في الطبقات الاجتماعية وهيمنة البعض على إدارات الدولة الواحدة أو المنظومة الواحدة على حساب الآخر مروراً بإعادة النظر مرة بعد أخرى للوصول إلى سدة الأمان ومرفأ السلامة ومن هنا برزت النزاعات والخيانات والمخاصمات والثورات بكافة أشكالها وكلها نجمت عن الضيق الاجتماعي والواقع المعيشي الصعب الغير متناسب مع المستلزمات الأولية لأفراد المجتمع الواحد و عدم الانفتاح الثقافي الحضاري الواجب توخيه ومداراته بعين المراعاة و عقل المؤاخاة و إحساس المؤازرة بين سائر أبناء المجتمع الواحد.
وحتى نتخلص من السياج الاقتصادي الشائك المانع عنا دخول الأروقة الشعرية والمنتديات الثقافية، يجب علينا أن ندعم بعضنا البعض من خلال مساهمات داعمة للنهوض مجدداً بماهية الرسالة الإنسانية الملقاة على عاتقنا كطبقة مثقفين ملتزمة للذود عن حياض الثقافة والأدب بكل ما نملك من قدرات بنّاءة للفكر و المجتمع على حد سواء .
س٥- ما أبرز ملامح قصيدتك الشعرية دونما التَّماس مع تجربة جيلك الإبداعي؟ وكيف يتحقق الشاعر في ظل تداخل السياسي الإقصائي مع الإبداعي الديموقراطي وتجاذبات الشللية المقيتة التي تستقطب أنصاف المبدعين والمتعلمين؟
إن لكل قصيدة شعرية موضوع أساسي تقوم عليه القصيدة في سائر جسم القصيدة فكراً ورؤية وتصويراً وحتى اختيار اللغة التعبيرية بمفرداتها اللفظية والجرسية ذات المعاني الدلالية العبقة بجودة الإحساس والتصوير الدرامي.
وبالنسبة لي، إن القصيدة مثل كائن بشري يحتاج إلى مقومات الروح الجمالية شكلاً ومضموناً وبنية فهي تختال بجمالها وصراحتها وصدقها وعفوية مفرداتها مثل العروس الجميلة التي تختار مكياجاً دون آخر يجمّل وجهها و ترتدي فستاناً يستر مفاتن سائر جسدها وتتعطر من الروائح الجذابة بطيبها وشذاها ملهمةً الحضور برونق جاذبيتها وأناقتها والموسيقا تهذب ايقاع القصيدة بتناغم وانسجام يؤثر على لب السامع كما أن شكل المفردات الحاوية على الأحرف بلفظها و مضمونها، لديه أيضاً الدور البارز لاستفزاز مجامع الإحساس لدى القارئ و السامع و من هنا يظهر دور الموسيقا الحسية للغة التي قد تستفز آذان سامع قد لا يعرف لغة القصيدة المكتوبة وإنما قد يصل إليه الإحساس من خلال اللفظ و الارتقاء بالإلقاء. فالإلقاء الشعري أيضاً ينعش المتلقي مثل أية أغنية أجنبية يُطرب لها دون أن يعرف معانيها فالموسيقى تساعد الإحساس على التجلي و التحلي وإن لكل شاعر نفس خاص به يختلف عن أقرانه بالممارسة المستمرة و المتابعة و الفطرة السليمة التي تنمي الذائقة الشعرية و تمضي بها نحو الأفضل.
فالممارس يغلب الفارس حتى إن كان الفارس لديه ذائقة متميزة . فلكل مهنة أو هواية أو شغف مزايا خاصة ومن يواظب و يستمر بتطوير نفسه ومواكبة الحداثة في الشعر والأدب سيصل إلى أغراض جديدة في المواضيع و ربما إيجاد تشبيهات و صور بديعية جديدة يصوغ منها قصائداً جديدة الطرح و المعنى و الرسالة الإنسانية العميقة بالخلق الإبداعي والبعد الوجداني الصاهل بالتعبير الخلّاق و الفكر النمّاء .
س٦-لم يعد الشعر العربي يطرح أسئلة وجودية.. ما السبب؟ ولماذا صارت صارت “أسئلة الشعر حائرة بين منجزه التراثي، ووظيفته الاجتماعية والحياتية، وبين طارئ خلخل قواعد التعاطي الشعري العربي، بانفتاحه على التجديد والتطور الشعري” وفق تعبير عثمان حسن.
إن لكل مرحلة عمرية أو اجتماعية سياسية لها آثارها وسماتها في بناء الشخصية الإنسانية فما أدراك بالشخصية الشعرية المبدعة التي يجسد الشاعر من خلالها فكراً هادفاً و متطوراً و موهبة مصقلة بوظيفة الشعر المفعمة بالإحساس و الإبداع الواعي الذي يميز التصوير الرديء من الجيد و التعبير الصارخ الملهم للنفس الوثابة نحو العطاء عن التعبير العادي الاعتباطي المتكرر مروراً بالثقافة الحضارية الإنسانية والموهبة الكامنة لدى كل شاعر يبحث عن ذاته بين الذوات الأخرى لتلبية منابع الشغف الجمالي الفياض بالروح الجمالية التي يدير بها فكره الاستراتيجي التصويري للصورة الشعرية الدرامية من خلال النصوص التي يختار مواضيعها بعناية فائقة وفقاً لثقافته وبلاغته الكلامية ومقدراته العقلية على التصور والإدراك. فالوجودية عند كل شاعر ترتبط بملكاته اللغوية وأدواته التعبيرية التي تعينه على صياغة القصيدة المحبكة بقالب درامي تصويري أخاذ . وإن الشعر يحمل في طياته رسالة إنسانية فلسفية على محمل الصواب و الحكمة فاللغة التعبيرية القائمة على أساس فكري منمق ومموسق يثري القصيدة شكلاً ومضموناً ويحملها إلى آفاق بعيدة ومن هنا يأتي دور الأديب الشاعر الملتزم بالقضايا الإنسانية الهادفة إلى إقامة جسور علاقات من المودة والمحبة الجياشة بالعاطفة تجاه سائر الشعوب والأمم والمجتمعات.
فالثقافة لها مسؤولية يتحملها العلماء والشعراء والمثقفين وكل من يضفي علمه بالفضيلة والحكمة مثل رجال الدين والفلسفة و السياسة فهم أيضاً لديهم مسؤولية جسيمة في إرساء بنية المجتمعات.وإن المجتمعات العربية تحتاج إلى ظهور منابر شعرية جديدة تكتحل بها العيون وتتلذّذ بالإصغاء إليها الآذان و ينتعش بها الخيال التصويري والرؤية التّصورِية.. إن كل قصيدة تعتبر لوحة فنية شعرية أو تحفة أدبية مفعمة بالرسالة الهادفة النابضة بحقيقة إثراء منابع الثقافة و إيفائها دوراً أساسياً لتنمية المجتمعات البشرية .
٧- هل من دور و وظيفة للشعر؟ وما أهم ملامح الأزمة التي يعيشها الشعر العربي؟ في ظل غياب المؤسسات التنظيمية؟
طبعاً إن للشعر وظيفة فكرية متسمة بالمذهب الأدبي المعتمد من قبل الشاعر و أخلاقية متسمة ومرتبطة بالرزانة و التهذيب الرفيع والتربية الأسرية الاجتماعية التي جسّدت الفكر و القيم و المبادئ الإنسانية .أما عن ملامح الأزمة الشعرية القابعة تحت نير ثقافة سيطرة السياسة في المجتمعات العربية فإنها تمر في خضم المخاض العسير الولادة كما يجب أن يكون وفق المرحلة الجديدة التي تعيشها الأمة العربية فالشعر كما الإنسان يتجدد وتنمو خلاياه العصبية والحسية تبعاً لثقافة الأسرة و بيئتها المعيشية والثقافية.
فأزمة الشعر العربي المعاصر الحديث متخبطة بين الأقلام والعقول المشتتة المعرفة والتي تعيش في حال ثبات مع الواقع المأساوي المعيشي وأزمة الحروب و الصراعات والأخطار من شتى الاتجاهات و باختصار شديد فإن القريحة الشعرية لا تكتمل إلا بالإشباع من كل موائد المعرفة و اللغة و ولائم الثقافة و الأدب و حقول العلم و الفلسفة مروراً إلى ثقافة المتلقي و البيئة المناسبة والجو اللائق للقصيدة المعبر عنها وفق مقتضيات الحياة والمواضيع الحداثية المترابطة مع وسائل التواصل الاجتماعية المرئية والسمعية التي تتقاذفها القدرة الاقتصادية ذات التأثير البالغ في أروقة الدول و السياسات المتبعة بصيحة القطب الأقوى .
وتكاد البيئة الشعرية غزيرة المواضيع ولكن الشعراء كل على ليلاه و طبائعه في التفكير والإبداع وهنا مكمن الجمال الإبداعي التصويري فطالما هناك إحساس بالتعبير فهناك إبداع وجودة تقييم للتحفة الشعرية ذات النهج المعرفي المفعم بثقافة اللغة البلاغية التصويرية التي تجسد التعبير عن الذات بصدق و بأبهى صورة شعرية تستفز لب السامع و القارئ .
س٨-تكاد القطيعة ما بين القارئ والشعر العربي الحديث أن تصبح شاملة.. ما العوامل التي أدت إلى هذه الأزمة؟
برأيي أن القطيعة بين القارئ المتلقي وبين الشعر العربي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحالة الاجتماعية المتردية لدى المتعلمين والمثقفين و أفراد المجتمع الواحد من جهة ومن جهة أخرى ترتبط باللامبالاة في صفوف أفراد المجتمع الذين يولون الاهتمام بمواضيع أقل شأناً من الشعر و لكن أكثر فائدة مادية ومن هنا بدأ الانصهار الفكري الانتهازي النفعي بمواضيع قد تكون تافهة أو أقل شأناً من غيرها بسبب تردي الأوضاع المعيشية وتفشي الجهل المستقر وسط البيئة الثقافية الغير متجددة فالثقافة ومواضيعها والتي من بينها الشعر تتطور وفقاً لتطور المناهج والمعرفة ومن كان لزاماً على المثقف أن يقترب من عقلية المتلقي ومن ثم رفع مستواه الفكري بدرجات متفاوتة مع الحاجة المرجوة للتعبير فلكل مقام مقال ولكل قصيدة جمهورها و قراءها وسامعوها تبعاً لاهتماماتهم الأدبية والمعرفية ومن هنا يبدأ دور الشعر بالبحث عن الوسائل المناسبة لذوق المتلقي دون الإساءة لجوهر بنية النص و شكله المعهود .
٩- كثير من الأصوات تبشر بعودة القصيدة العمودية لتتسيّد المناطق المضيئة في المشهد الشعري العربي.. هل تعتقد أن هذه بشارة أم خسارة في ظل أزمة النمطيّة والتكرار في الرؤية واللغة والصورة والإيقاع التي أصابت قصيدة التفعيلة خاصة، في إطار حركة الشعر العربي المعاصر، منذ ستينيات القرن الماضي، إلى حالة من السأم و”الإرهاق الجمالي”.
الشعر العربي العمودي كان ولا يزال سيد المشهد الحضاري الراسخ في بنية القصيدة العربية القائمة في ساحة الإبداع العربي.
وأعتقد أن كل نص أدبي له سمات إبداعية مؤثرة و مدهشة ومثيرة للقريحة التعبيرية بغض النظر عن المحتوى الدلالي الذي يميزه، فالأدب العربي على مر العصور مرّ بمراحل عديدة في إثراء طريقه والشعر كمادة أساسية من مواده الإبداعية وزناً وقافيةً وموضوعاً كان ملازماً للفكر العربي بكل تطوراته و نظرياته الأدبية ذات العلاقة المواكبة باستمرار مع نبض قلب الشعر .
ومروراً بحالات التجديد بين الفينة والأخرى،تظهر أصوات شعرية جديدة تحاكي المتلقي وتشغل خياله وتؤنس اللغة والصورة المرفقة بجمال روحي مرهف الحس وبليغ التعبير.
وإن قصيدة التفعيلة لها سحرها الخاص الذي يميز بعض شعرائها عن غيرهم من خلال فهمهم واستلهامهم لبنية هذا النمط من القصائد وإثرائه بالصور الشعرية المستغرقة للتفكير بأنغام الايقاع الداخلي الكامن والمعتلي سلم القصيدة بمشاعر تنتاب إحساس الشاعر باللحظات التأملية .
إن لكل مرحلة من مراحل التلاحم الشعري الثقافي مسوغات ومبررات يلوذ إليها الشاعر وفق ماهية مقتضيات الشعور وخاصة بعدما نتج أسلوب جديد في الشعر ألا وهو الشعر المنثور المتجدد الذي نتج عن الأشعار المترجمة إلى العربية كنمط دخيل متناسب مع ايقاع اللغة و الدلالة الاستدلالية للحس الشعري ضمن الترجمة.
إن لكل لغة عالمية مواضيع وتعابير واصطلاحات تميزها عن غيرها من الأخريات وكذلك النموذج الشعري في كل لغة تختلف أدواته وتعابيره حسب الزمان والمكان وحسب الملكة الشعرية والقدرة الإبداعية لكل ذائقة أدبية تشحذ الهمة الدلالية لدى الشاعر في إجلاء التصويرات والتعابير المتجددة وفقاً لثقافة المجتمع الذي يعيش فيه القراء والمستمعون وإن الأجناس الأدبية المتطورة تنجم عن إرهاصات إبداعية تجيش في منابع الفكر الجمالي الباحث عن استجلاء كل ما هو جميل و مفيد في الظاهرة الشعرية .
١٠-هناك فشل للنظريات النقدية الغربية التي تمّ شِتْلُها في البيئة العربية وبتعبير فخري صالح (لا تتجذَّر في الواقع الثقافي وظلت مجرد أيقونات ثقافية نخبوية لا تتصل بحاجات حقيقية للثقافة العربية..ما تقييمك للمنتج النقدي العربي المشتت بين الأكاديمي والصحفي الانطباعي؟
لاشك أن النظريات النقدية هادفة إلى إيضاح الرؤية الشعرية و الانطباعات المؤثرة والمتأثرة نتيجة لظهور المذاهب الأدبية بشتى أسمائها كالاتباعية و الكلاسيكية والواقعية والرمزية إلى ما هنالك من مذاهب فجميعها طالت مواضيع يتقاذفها الشعر وفق ثقافة الشاعر والمتلقي وحسب البيئة التي يعيشون فيها ومن هنا كان لزاماً علينا أن نستفيد من النظريات النقدية من أية جهة كانت سواء العربية أوالغربية أو الأمريكية أوحتى الفارسية والهندية فلكل لغة تحليل نقدي خاص بها كالانسان الذي يختلف بصورته وشكله وطبعه ولسانه ولكن الجوهر بينهم جميعاً واحد فهم أخوة في الإنسانية والتفكير و السعي نحو التطوير .
فالأدب يحتاج اليوم لناقد حاذق و خبير ومنصف، والناقد المثقف لغوياً و فكرياً يستمد الإبداع وجودة النقد من خلال إحساسه العميق بالقدرة على تحليل معطيات و مقتضيات الثقافة.
فالنقد الأدبي يرفع من سوية التحفة الأدبية و يجعلها كقلادة على عنق امرأة جميلة تمتاز بجمالها و روحها اللاهثة بالابتسام لكل مشهد تعبيري جميل يدحض في البنيان التصويري للشعر و الأدب.
١١-في ظل اتساع حرية التعبير على مواقع الإنترنت، وتحطيم جدار الاحتكار داخل الصحافة الورقية وظهور مصطلحات من قبيل: (المواطن الصحفي)، وشعراء (الفضاء الأزرق)، و(المؤسسات والصحف الإلكترونية)، و(الجوائز وشهادات الدكتوراه الفخرية) التي تتطاير في الفضاء.. ما ملامح مستقبل صناعة النشر.
إن حرية النشر والتعبير ضرورة ملحة على تأمين وسط ثقافي متعاون يستوعب النشر بين الورق والإنترنت فلنشر الورقي تضرر كثيرا، وتراجع كثيرا بسبب تطور الوسائل التقنية والتكنولوجية والتي استطاعت أن تظهر لنا آفاقاً جديدة للتواصل والتلاقي الأدبي بين شتى بلدان المعمورة. والكتاب الاكتروني سمح للقراء باكتساب خبرات جديدة سباقة في مجالات عديدة و لا سيما في موضوع الشعر فأضحت الدواوين متاحة بشكل كثيف و موثقة ومؤرشفة.
وربما الطباعة الورقية قد تضررت و لكن لا يمكن الاستغناء عن النشر الورقي فلكل قارئ شغفه الخاص بالقراءة بالطريقة التي يعتادها ولكل مستمع احساس خاص بالطريقة التي يسمع بها الشعر أو الأدب،أي تعددت وسائل النشاط ولكن الغاية المرجوة التثقيفية واحدة فكل إنسان يبحث عن ضالته وفق شغفه الإدراكي .
وهنا أستطيع أن أقول: إن ما أضرَّ بحقوق النشر و الطباعة الورقية التي تواجه تحديات موجعة ليس فقط بسبب المزاحمة من قبل النشر الالكتروني ولكن أيضاً الظروف الاجتماعية المعيشية المتفاقمة في المجتمعات التي جعلت أرباب الأسر والثقافة منشغلين عنها للصالح المعيشي فلقمة العيش باتت أهم من جرعة الفكر والشعر فالثقافة أصبحت وجهة منفعية فالبعض أصبحوا شعراء نتيجة لتراكم النقود في جيوبهم والبعض أصبح خارج إطار الفطرة الثقافية نتيجة الانحلال والفساد الاجتماعي وعدم الاكتراث بالواقع المنشود، فأصبحت الثقافة حكراً على طبقات وأناس دون آخرين.وهكذا فإن الإصدارات الورقية تبقى أنجع وأنفع للمتلقي لأن الكتاب شيء يستحوذ التفكير والإدراك على طريقة التعبير (الملموس والمحسوس والمجرد والمجسّد) فالقريب منا نشعر به والبعيد يضيع وسط غياهب الفكر والتخيل علماً أن ضرورة التفكير ترتبط بماهية وجود الأشياء تبعاً لقوة الترويج و الإعلان فالتسويق الورقي يدعم الانتشار ويثري الفكر الموشى بحاضر المعاني و الأماني . فلكل نشر رؤيته الخاصة وبيئته المناسبة تماشياً مع الواقع السياسي و يبقى الشاعر أحد أركان حال الثقافة المتطورة أو المتردية وفقاً للحرية التعبيرية المتاحة بين ثنايا أفكاره و مآرب شفافية الروح .