شهد الذاكرة

 

وليدة محمد عنتابي | شاعرة وكاتبة سورية

قصة  قصيرة

.من أقصى الحلم الممتد على مساحة وعيها الموقوف في فسحة البرهة الآفلة تراءى لها الجدار الماثل أمام انعتاقها الروحي أفقاً يمتد وينأى إلى فضاءات لامنتهية ….. قفزت من سريرها تعدو باتجاه أشجار الحور والصفصاف , وقد نوَّست أغصانها المثقلة بماء الحياة على ضفتيّ بردى الذي انساب متمايداً في إيقاع يسرنم الحواس , مجسّداً أسطورة الفردوس الذي كان ……..وقفت تحت ظلّ شجرة أخذت شكل أم تحتضن الفراغ بعد أن رشد بنوها , منفضّين عنها إلى محاضن مختلفة …بارتعاش أناملها تحسست الجذع المتقشر لسنوات اختلستها من ذاكرة الزمن الغافية على قارعة العمر …..اقتربت أكثر ..اشتدت ضربات القلب.. احتمَّ الجسد … انخطفت الروح …. التحمت والجزع .. تماهت فيه .. غابت في الوجد … ممشوقاً كالرمح انتصب أمام الحلقة, يقطر صوته سائلاً سحرياً ..أخذت ترشفه قطرة.. قطرة………………………………………… الثورة الفرنسية وسياستها المسرحية …… يجب أن يسهم المسرح في الثقافة القومية …..على أيّ حال لم ينتج عهد الثورة شاعره …………….).

حلّقت على أجنحة الحلم في فضاءات الصوت …إلى عوالم تنتصب على بعد منها يستحيل اختراقه ..أمعنت أكثر في شفافية الرؤى المتدفقة من ثراء ينابيعها المتجددة على الدوام ………….لفيف من الدارسات والدارسين استقطبه الألق المشّع من هالته التي تراها أحاطت بذلك الرأس العجيب ملقية على الوجه سحراً تعجز رقى العلم عن إبطاله …. انتبذت مكاناً أقصى جلست على راحة كفها تتأمل ذاتها الملتفة كطائر مقصوص الجناحين..

همست: (لا ..لن أقف أمامه ..لن أكلمه مثلهنّ ..لن آخذ منه عنواناً ….أو حتى توقيعاً للذكرى …لا جدوى ..لا جدوى…) …………………….:(ولاء ..ما بك ؟؟ ما هذا الشكل التعس ؟؟ هيّا قومي تعالي …انظري …لقد أخذت عنوان الأستاذ أسعد.. سأراسله ..لقد وعدني أن ينشر لي قصة من قصصي الساخرة)…………………………………………….وأمام حجرية ولاء وجمود ملامحها التمثالية ….صرخت سهى….:(أنت ..أنت… أنت لست هنا …أراهن أنك مع الخطيب الآن صح ؟ ..)

……………………….. أطرقت ولاء , كانت الأرض تميد تحتها, والمشاهد والصور تختلط في اهتزاز ضبابي , فجأة فقدت سيطرتها على الأشياء .صرخت بصوت المنشار الذي أتى على قطعة الحطب ..:(اتركيني أرجوك …لا أريد أن أسمعع شيئاً …لاأريد …لا أريد….)…………………………

 تراجعت سهى إلى الوراء قليلاً …اتسعت انفراجة شفتيها …من قبضتها المتراخية اساقطت وريقة معروقة , استسلمت لغرابة أطوار صديقتها مشدوهة ..ثم انتفضت متخذة هيئة اللامبالاة :(طيب ..كما تشائين ..إلى اللقاء )…ابتعدت عنها مذهولة لحالها , وسرعان ما التقطت ولاء الوريقة ودستها في جيبها بسرعة البرق , وما إن توارت سهى حتى أخرجتها وقرأت فيها عنوان ا لمحاضر الذي تقمصَّ هيئة ساحر متسلّط ,تضرب بأجنحتها عبثاً جدران دائرته التي طوقتها …………………

دسّت الوريقة في جيبها مجدداً ….لملمت تبعثرها النفسي ..نهضت تماسكت حملقت في بياض الجدار الأصمّ …لمست انصقاله البارد …انزلقت كفها على جلد أفعى …هرعت إلى مكتبها أمسكت القلم سطّرت عبارة السيد الأديب ……ارتعشت أناملها …ارتجفت برداءً..اصطكت أشجانها ,…لاذت بالحمّام …تحت القطرات الدافئة أخذت حمّاها بالانحسار …..أكملت خطابها الموقوت..

انتظرت يوماً ..يومين ..وألقت نفسها بين قطبين متنافرين كلٌّ منهما يجذبها في اتجاه مغاير للآخر بذات القوة …..انطلق صوتها رغماً عنها _:(لماذا أراسله بعد ربع قرن ؟؟؟أتره يذكر تلك النائية المتحاشية المنزوية ؟؟) ……..كانت عيناه ترصدان بقلق نوعي خروجها عن المجموعة …:( لا …لا ..لن أرسل هذا الخطاب ..سأحتفظ به للذكرى ….) .

كانت تردد الكلمات بصوت مسموع بينما كانت أناملها تضع الخطاب في مغلّف وتخط عليه العنوان الجديد الذي التقطته من إحدى الصحف لم تعرف أبداً كيف أسقطت يدها المغلف داخل صندوق البريد ؟ ياللهول ما هذا الجنون ؟؟

ليتها تستطيع استخراجه واستعادته ….لا جدوى ..لا جدوى …وأُسقِط في عقلها ……………..أمضت اياماً أربعة طريحة وساوسها وهواجسها القاتلة وشعورها بفقدان اتزانها …حاولت أن تتجاهل الأمر …لعل الخطاب لم يصل …لعل العنوان غير مكتمل ….رجاؤها ألاّ يجيب ……فجأة اهتزّت جدران اكتئابها لرنين الهاتف …كان صوته على الطرف الآخر يمطرها بالدهشة .. وفتات الفرح …وقطرات السّكر …بينما يعرش ربيع الذاكرة على نوافذها التي اشرأبّت من أقصى النسيان …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى