كالبحرِ يمشي حافياً

وسام عبد الحق العاني | العراق

الريحُ حَنجرةٌ من الفولاذِ تقترفُ العويلْ

كالموتِ تطعنُ ما تشاءُ مِنَ القُلوعْ

بِصدورِها البيضاءَ إلا منْ جراحاتِ الحبالْ

وعَباءةٌ سوداءُ تفترشُ المدى

وتُطوّقُ القمرَ النحيلْ

تُلقي بهِ في حضنِ باخرةٍ

تُفتشُ في بَقايا الموجِ عنْ عُكّازِها

وعَلى رُؤوسِ أصابعٍ ثَكلى

يَجرُّ البحرُ أنجمَهُ ويَمشي حافياً

فوقَ الرمالِ على الخليجْ

يَنسلُّ منْ بين الزوارقِ عارياً مثلَ المطرْ

فهناكَ نزفٌ منْ خُطى الماضينَ يرتجلُ المسافةَ والنشيجْ

قُدُسٌ تُعبّدُهُ العيونُ بما ذَرفْنَ لَدى الوداعْ

ونَحيبُ أُغنيةٍ تَيبّسَ لحنُها حزناً على القمرِ المُضاعْ

البحرُ دونكَ يا غريبْ

يمشي على آثارِ ضَوئكَ حين ينسكبُ الظلامُ على الدروبْ

فالليلُ يَخطَفُ كلَّ بحرٍ لا يؤوبْ

كمْ كان يُفزعُكَ الحنينُ إذا ادْلَهَمَّ معَ الغيابْ

والآنَ يأكلُكَ الغيابْ

الآنَ تَحزِمُكَ الحقائبُ للرحيلْ

قَمَراً عراقيَّ الملامحِ سوفَ يَفْخَرُهُ اشْتعالُ الذكرياتْ

ماذا كتبتَ كآخرِ الكلماتِ عنكَ سِوى عراقْ

ماذا ستحملُ منْ رمادِ الأغنياتِ سِوى عراقْ

ماذا سيحملُ عُمرُكَ الخَشَبيُّ منْ زمنِ (الطُّفوفِ)

سِوى البُكاءِ وحَفنةٍ منْ (كربلاءْ)

ورصاصةٍ ربَضتْ بظرفٍ أسودٍ  حاكَتْهُ أظفارُ الظلامْ

عمياءَ تختصرُ الحقيقةَ … والسلامْ

ماذا تُخبّىءُ تحتَ جلدِكَ غيرَ جُرحِكَ والدُّموعْ

أمْ غيرَ حُزنِكَ حين تَنشُرُهُ الرياحُ على القُلوعْ

إنشودةً سمراءَ يحفظُها المطرْ

(ما مرَّ عامٌ والعراقُ بغيرِ جُوعْ)

ماذا ستذكُرُ عنْ صديقِ العمرِ (أنكيدو)

سِوى صدرٍ تعفّرَ بالدماءِ وبالترابْ

أَتَركْتَ جُثّتَهُ هُناكْ؟

ومَضيتَ تبحثُ عنكَ .. عنْ وطنٍ .. يُلَمْلِمُ ما تَبدّدَ منْ عُراكْ

حتى وصلتَ إلى السرابِ كزورقٍ قدْ قُدَّ منْ خشبٍ قديمْ

ووَقفْتَ في المرسى المُخضّبِ بالدموعِ وبالدعاءْ

جسَداً مِنَ الإسمنتِ يَنحتُهُ السوادْ

تَرنو إلى الغادينَ منْ حقلِ المنافيَ مُتعبينْ

تركوا سِلالَ القمحِ في كفِّ الرياحْ

لا ملحَ في خبزِ المنافيَ

لا مواسمَ في الحقولْ

لا الهالُ يُشرقُ من شبابيكِ المقاهيَ في الصباحْ

لا البائعونَ على الرصيفِ لهم صياحْ

الآنَ يأكلُكَ الغيابْ

الآنَ تحزِمُكَ الحقائبُ للرحيلْ

وَجهاً تضيعُ بـِطينهِ القَسَماتْ

يبِستْ ملامحُهُ العنيدةُ

مثلما يبِستْ جذوعُ النخلِ من وجعِ الفراتْ

في وجْنتَيهِ خريطةٌ غرْقى ببحرٍ منْ رمادْ

وسفينتانِ منَ الأسى

منْ طعنةِ الريحِ الغريبةِ تنزفانْ

والموتُ ميناءٌ بعيدْ

مّذْ عادَ (خِمبابا) مِنَ المَنفى

لـِ (أوروكَ) الجميلةَ

وَهْيَ تزخَرُ بالرّعودْ

وعراقُ روحِكَ صارَ أبعدَ ما يكونْ

كالبحرِ يمشي حافياً

إني لأعجبُ كيف يمشي الميتونْ!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى