أدب

قراءة في رواية “مفاتيح البهجة” للكاتب: عمر حمش

بقلم: رفيقة عثمان

      سرد الكاتب روايته على غرار التّغريبة الفلسطينيّة، واصفًا المأساة الّتي عانى منها الفلسطينيّون في حقبة زمنيّة ابتداءً من النّكبة عام 1948، والتّهجير القسري للفلسطينيين المُهجّرين من مجدل عسقلان؛ إلى المحيّمات الفلسطينيّة مثل: خان يونس، وجباليا في قطاع غزّة؛ كذلك فترة 1970؛ ولغاية استلام الهويّات الزّرقاء، المدغومة بنجمة داوود الحمراء.

  تطرّق الكاتب بسرده حول الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة للّاجئين الفلسطينيين، أثناء حرب النّكسة، وفي أعقابها؛ وسرد اشكال المقاومة ومحاولات יلتّصدّي للقوّات المُحتلّة؛ ومن الممكن أن يكون رأي الكاتب وتوجيه التفكير حول وجه المقاومة، وطرق الانتصار والخسارة.

    تنحى الرّواية منحى الجنس الأدبي الواقعي والتّأريخي؛ مستخدمًا لغة عربيّة فصيحة، بليغة ومكثّفة بعيدة عن الاستطراد فقلّت الصّفحات؛ لاعتماده على الرّمزية في التّعبير والسّرد.

  هذا السّرد الرّمزي المُكثّف، حضر لصالح الرّواية، وإن دلّ على شيئ فهو دليل على مهارة الكاتب؛ بتوصيل فكره في صفحات محدودة ؛ لكنّها تحمل المعاني والرّموز العديدة.

  من المُلفت للإنتباه، هو استخدام الكاتب حمش للأسلوب المُضحك المُبكي ” الكوميديا السّاخرة” أو “الإيروني”؛ عكست الفكر النّاقد للكاتب في سرده لأحداث الحرب والمآسي؛ كما ورد صفحة 91 ” وصلت خصّة فوجدت الحمار عاد وبال، وبوله سبح إلى جهاز الترانزيستور الّذي انكفأ. جملة أخرى صفحة 53 ” أقص شيبتي إن رجعتوا للبلاد” بالإضافة للتعبير الهزلي حول صوت العرب عندما كان يعلن الأخبار أثناء حرب النكسة عام 1967

 “طائرات العدو تتساقط كالذّباب” صفحة 86. نهج الكاتب هذا اأسلوب بالعديد من الافكار والأحداث.

  لا شكّ بأنّ استخدام الأسلوب (المُضحك المُبكي) ساهم في عرض النقد السّياسي والاجتماعي اللّاذع؛ لإدخال البهجة في قلوب القرّاء، ممّا أضفى تشويقًا ومتعةً؛ لقراءة نصوص السّرد بطريقة متواصلة حتّى نهاية الرّواية.

  ربّما قصد الكاتب بهذا الأسلوب النّاقد، بما احتواه العنوان، والّذي اختاره  لروايته، “مفاتيح البهجة”. كدعوة للنّهضة والتّوعيّة نحو حق العودة، ومعرفة الحقوق لكل مواطن فلسطيني.

  ربّما أيضًا هذه النصيحة الّتي وردت في الرّواية ” إسمع لا تنظر أحدًا خارج حدودنا، تناسلوا فقط. ملؤها من البحر إلى النّهر. زوّجوا بناتكم بصبيانكم، وسلّموهم الطّابور والمفاتيح إلى يوم؛ يقضي فيه الله بيننا”. من هنا أيضًا عنوان الرّواية “مفاتيح البهجة” ينبع الأمل بالبهجة والفرح، من تلك المفاتيح المعلّقة على صدور المُهجّرين لأبواب بيوتهم المُهجّرة والمهجورة، هي رمز للأمل والفرح بالعودة؛ للأجيال القادمة، عليها استلام المسؤوليّة نحو هذا الهدف السّامي.

  نظرة الكاتب عمر حمّش تبعث الأمل والبهجة في النّفوس، على الرّغم من الألم والمعاناة، وقسوة التّهجير في الشّتات، ومحاولات طمس القضيّة الفلسطينيّة؛ وتجاهل حق العودة للّاجئين الفلسطينيين.

  سرد الكاتب روايته بضمير “الأنا”، ممّا أضفى مصداقيّة للأحداث، وتُدخل القارئ في حالة تقمّص وتعاطف مع كل المواقف؛ المُعبّرة، ولها بالغ التأثير على العاطفة. فهذا مؤشّر لتصنيف الرّواية تحت مسمذى السذيرة الذّاتيّة.

  طعّم الكاتب روايته باقتباس بعض الأغاني الشّعبيّة، للزّجال الشّعبي الفلسطيي “يوسف الحسّون”؛ كذلك والأهازيج الفلسطينيّة؛ للتّراث الفلسطيني من أصوات النّساء.

  هذه الأغاني توثّق الحضارة الفلسطينيّة على مر العصور، ممّا أضافت تشويقًا لأحداث الرّواية. كما ورد صفحة 39 “مين قالوا مضى على فلسطين وراحت عليها”. كذلك “معدومين وحقوقنا كلها بترجع معاها”. كذلك صفحة 91 “سايق عليكو الله تحمّوها السّحجة شويّة… ويافا عربيّة، وانا دخيلو الله… يا يافا يا نوّارة…  يا زينة القوّارة”.

  خلاصة القول: رواية مفاتيح البهجة رواية جميلة، ويصلح تمثيلها سينمائيًّا، رواية تستحق التّرجمة للغات أجنبيّة مختلفة؛ واقتانئها بالمكتبات العربيّة والفلسطينيّة خاصّةً؛ وأرشفتها.

  هنيئًا للكاتب على هذا الإبداع المتميّز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى