أدب

محطات فنية في رواية مفاتيح البهجة للكاتب عمر حمش

بقلم: عبد المجيد جابر

1.افتتاحية الرواية:

تُقاس افتتاحيّة الرواية استناداً إلى وظيفتها، وهي إدخال القارئ عالم الرواية التخييلي بأبعاده كلها، من خلال تقديم الخلفيّة العامة لهذا العالم والخلفيّة الخاصّة بكل شخصية ليستطيع ربط الخيوط والأحداث التي ستُنسج بعدُ.

وهذا يعني أن الافتتاحيّة وحدة وظيفيّة أساسيّة من وحدات الرواية، تُمهِّد لما سيأتي بعدها وتفعل فعلها فيه، فضلاً عن أنها تُقدِّم للقارئ المسوغات التخييليّة للحوادث اللاحقة في المجتمع الروائي.وتشير الروايات ذات البناء المتماسك إلى أن الاكتفاء بفقرة صغيرة في عدد قليل من الأسطر لا يستطيع الراوي خلالها تجسيد وظيفة الافتتاحيّة، ما يعني أن الافتتاحيّة تحتاج إلى شيء من التفصيل يتيح للروائي فرصة بناء نص ذي وحدة وظيفيّة أساسيّة.وكلمة “وظيفيّة” تشير هنا إلى وظيفة هذه الوحدات على نحو مباشر في إطار بناء العمل، دون أن يكون القصد من التحليل الانتهاء لا أن يكون لكل عمل أدبي وحداته المستقلّة عن الأعمال الأدبيـة الأخرى، بل القصد هو الوصول إلى وحدات وظيفية أساسية يمكن استخدامها في تحليل الأعمال الأدبية قديمها وحديثها على السواء. وقد اجتهد البنيويون في هذا الاتجاه، والعمل القصصي يضمُّ أربع وحدات وظيفيّة، هي: الخروج والعقد والاختبار والانفصال عن المجتمع والاتصال به. ويهمني القـول هنا إن وحدة الخروج تبرز بجلاء في افتتاحية الرواية الجيِّدة، وتغيم أو تتلاشى في الروايات الضعيفة.

 ففي رواية (مفاتيح البهجة) نرى أن الشخصيات الرئيسة كالراوي ووالدته وأمه وجدته وأبا عازي وكل الشخوص وأهل مجدل عسقلان كلهم قد خرجوا مرتين وبين المرتين عادوا لمرابعهم وأوطانهم وهذا كله يبرز في الافتتاحيّة. خرجوا ولجئوا مرتين بفعل النكبة حماية على أنفسهم وأعراضهم إلى مخيمات اللجوء وما بين المرتين عادوا مرة واحدة لأوطانهم .

الوحدة الوظيفيّة دليل على جودة افتتاحيّة الرواية وتماسكها، وأن بناء هذه الوحدة يحتاج إلى عدد وافر من الصفحات الروائية. فالوحدة الوظيفيّة، مهما يكن شكلها، قادرة على تحديد مسار الرواية، وطبيعة السرد فيها، فضلاً عن إثارتها شغف القارئ وحفزه إلى القراءة، والتمهيد لبناء الشخصيات واختراق الأمكنة الروائيّة.

2.وتبرز في الرواية ظاهرة المفارقة، بين كل من العز والمجد ويسر الحياة ونعيمها في الوطن قبل النكبة وبين حياة المخيم وشظف العيش والعوز والفقر والإهانات وطبيخ العدس.وقد تنبّه كثير من النّقاد والفلاسفة إلى أهميّة المفارقة ودرسوا فاعليّتها في العمل الأدبيّ.

يقول “توماس مان”: “إنّ المفارقة هي ذرّة الملح التي وحدها تجعل الطّعام مقبول المذاق”ويؤكد “كيركيغارد، فيقول: “أن ليس من حياة بشريّة أصيلة ممكنة من دون مفارقة” ويرى أناتول فرانس”: “إنّ عالماً بلا مفارقة يشبه غابة بلا طيور”

بعض هذه الأقوال، تكشف مجتمعة ما للمفارقة من دور وتأثير في مجالات الإبداع والحياة معاً. والمفارقة  “تمنحنا فرصة التأمّل فيما تقع عليه أعيننا،

أو يتنبّه إليه إدراكنا ممّا يحيط بنا من مظاهر التّناقض والتّغاير، فيدفعنا للتّبصّر به، والبحث عن العلاقات التي تجمع عناصر المتشكّل أمامنا، وما بينهما من اتّساق أو تنافر”

فإنّ “أهميّة المفارقة في الأدب مسألة لا تحتمل الجدل، إنّ الأدب الجيّد يجب أن يتّصف بالمفارقة. وما على المرء إلا أن يسرد أسماء مشاهير الكتّاب الذين تتميّز أعمالهم بوجود المفارقة فيها، مثل: هوميروس، وآيسخيلوس، ويوريبيديس..إلخ” والمفارقة هنا تجسم هول المأساة والظلم الذي حاق بالفلسطينيين.

  1. طاقية أبو غازي تمثل أن فلسطين وحضارتها متجذرتين بعمق التاريخ

جاء في الرواية:أبو غازي كان كسعفة، يأتي كلّ عصرٍ؛ ليمصّ الدّخان، والآخرون يحدّقون في طاقيته، وهو يحرِّكها، ويروي حكاية وقد جلبها من حانو ِت سوق الدير بيافا، ؛والطاقية تستجيب  فتميل ذات اليمين، وذات الشمال؛ متسقةً مع ما تطلقُه عقيرتُه من حديثٍ أو غناء.

ففي يافا وغيرها من المدن الفلسطينية حضارة، والطاقية تشهد وتنفي بشدة مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، هو إدعاء قام بالترويج له زعماء الحركة الصهيونية مثل إسرائيل زانجويل و ثيودور هيرتزل نتج عن هذا الإدعاء إحدى أهم الكوارث الإنسانية التي حدثت في القرن العشرين ألا و هو ترحيل الفلسطينيين.

3.بالنسبة لعنصر الزمن فقد وظّف الراوي التقنيات التالية:

ا.تقنية الاسترجاع

يعني الاسترجاع كل تذكُّر لما حدث قبل اللحظة الزمنية التي وصل إليها الحكي، وهو وجه من وجوه الترتيب، ويتشكل بالقياس إلى الحكاية التي يندرج فيها، حين تتم العودة إلى ماضٍ لاحق لبداية الرواية والاسترجاع هو ترك الروائي مستوى القص الأول، ليعود إلى أحداث ماضية سابقة فيرويها في لحظة لاحقة لحدوثها، وهو تقنية فنية تتمثل في إيقاف السارد لمجرى تطور أحداثه ليعود لاستحضار أو استذكار أحداث ماضية، كما أنها تقنية سردية يتطلبها ترتيب القص في الرواية لربط حادثة بسلسلة من الحوادث السابقة المماثلة لها والتي لم تذكر، ويعود السارد إلى الوراء ليصاحب الشخصية مراعيا الالتحام بالنص، الأمر الذي ينجي النص من التفكك والتشتت، في مخالفة لسير السرد تقوم على عودة الراوي إلى حدث سابق كما إنه يسلط الضوء على ما فات من حياة الشخصية أو على ما وقع لها خلال غيابها عن السرد . 

وفي الصفحة الثانية للرواية يسأل الراوي أمه عن مواسمهم في مجدل عسقلان قبل النكبة واللجوء فتجبه بثلاث صفحات ونصف عن ماضيهم الزاهر في وظنهم.

     ويوظف الراوي تقنية الاسترجاع لما للاسترجاع من أهمية كبيرة في النص الروائي، لا بل إن له حكم إيقاف اللحظة السردية والعودة بالزمن للوراء ليكون محدِّثاً، مناقشًا 

وبهذا فإن الاسترجاع يقوم على إعادة التوهج وبث الحياة للنص السردي ويجعله حدثًا حاضرًا، فضلاً عن أنه يعين الشخصية التي تسرد على ترتيب أفكارها عن نفسها، أما فيما يخص الكاتب فهذه التقنية تتيح له ربط أحداث القصة إذا ما تداخلت مع “المخالفة الزمنية” عن طريق استرجاع الأحداث بأزمنتها الماضية والحاضرة والمتوقعة ويقصد بالمخالفة الزمنية “هي نظرة خاطفة تستشرف الأحداث التي تروى لاحقًا وقد تكون على شكل حلم أو تنبؤ أو افتراض متوقع بشأن حدث ما في المستقبل”(10)  إن الرواية وفقًا لتقنية الاسترجاع تضعنا أمام نهايتها منذ البداية فيبدأ الزمن بالتراجع كاشفًا ملابسات وإشكالات وتوضيحات تثمر نتاجًا أفتتح به النص السردي . 

، وفي الصفحة الثانية عشرة يعود الراوي لتوظيف تقنية الاسترجاع مرة أحرى  فتحدث الأم ابنها الراوي عن هجرة جده إلى الخليل ورجوعه إلى غزة بعد مرضه، وتعود الجدة متحدثة عن احتلال اليهود لمجدل  شمس ومعاناة الأهالي هناك وقتل اليهود لخالي الراوي وهجرتهم الثانية من مجدل عسقلان ويستمر الاسترجاع بحز والد الراوي على الربابة والتغني بالتغريبة الهلالية .. ويستمر الاسترجاع فيسأل الراوي والده عن هجرتهم الثانية فيحدثه الوالد عنها  ويتذكر الراوي ما قاله الوالد عن عزهم في المجدل واحترافه لمهنة النسيج  وعن مجدهم الذي زال باحتلال الوطن ويحدثه عن هزيمة الجيش المصري ومحاصرة اليهود لهم في الفالوجة ويستمر السرد ألاسترجاعي على لسان كل من الأب والأم الى ص 29 

ب. تقنية الاستباق

أما تقنية الاستباق فقد عرفها جيرار جينيت “بأنها حركة سردية تقوم على أن يروى الراوي بحدث لاحق أو يذكره مقدما” فالاستباق وهو من تقنيات المفارقة الزمنية وهو استشراف أو استعادة حين يرام إلى تقديم الأحداث اللاحقة والمتحققة حتمًا فبامتداد بنية السرد الروائي على العكس من التوقع الذي قد يتحقق وقد لا يتحقق، فالتوقع يحافظ على بنية التشويق والمفاجأة وهو جار في مضمار الرواية الحديثة في حين أن الاستباق الذي يجيء عادة في بنية الرواية التقليدية يؤثر سلبًا على عنصري المفاجأة والتشويق الفنيين، حين يعلن الراوي التقليدي عن الأحداث اللاحقة قبل وقوعها. 

ومن الاستباق والتوقع عنوان الرواية المتمثل بالبهجة والنصر والعودة المظفرة للوطن، ومنه أيضا في الرواية ما جاء عندما علموا بقرب وقوع حرب عام 1967  

وقد جاء ص 76 على لسان السلال كما يرويه الراوي: على الطريق جاء السلال؛ يصفع مؤخرة حماره، وأخذ يصيح: – ليش الخنادق .. حا .. حضروا متاعكم .. حا. وتباعد صوته؛ وهو يقهقه: مَن مِن يافا؛ إلى يافا  حا مَن ِمن المجدل؛ إلى المجدل. حا. -. حا .. وهنا استباق بالأحداث وتوقع النصر والعودة.

ج.الحذف  

تقوم هذه التقنية على اختصار زمن طويل من أحداث الرواية، فيقوم بتجاوز شهور وسنوات ومن ضمنها اختصار لأحداث كثيرة في القصة للوصول إلى الحدث المُراد الحديث عنه وتصويره في ذهن القارئ، وتدخل هذه التقنية ضمن أنواع السرد المتقطع.ومن الحذف في الرواية أن الراوي لم يقم بالحديث عن حرب الاستنزاف التي أعقبت نكسة حزيران.

د.التلخيص:

ويعتمد الكاتب هذه التقنية عندما يقوم باختصار أحداث كثيرة وطويلة في كلمات معدودة، كتلخيص سيرة ذاتية لإحدى شخصيات الرواية، ويكون التلخيص مكثَّف الأحداث، ويؤدي إلى تسريع أحداث السرد وحركتها للابتعاد عن السأم والملل الذي قد يصيب القارئ.

ولقد اختصر الراوي أحداث ما قبل حرب حزيران وما تلاها في أربع صفحات من ص 75 إلى ص 79 .

  1. حرص الراوي على استخدام التشبيهات والاستعارات والتجسيم والكنايات والمجاز والانزياح بمختلف أنواعه والصور الأدبية مما أوقعه في غالب الأمر بالتكلف والابتعاد عن البديهة وعفو الخاطر.   
  2. أرجو تصويب الأخطاء التالية:

حّول المؤشر إلى صوت العرب؛ فأتي بالنشيِد ص 12 والصواب فأتى بالنشيد.. ألف مقصورة وليس ياء.

فأعود لوحدي أسترجع: ص23  والصواب فأعود وحدي… وحدي حال لا يقترن به الام.

كّل ما أدريه؛ أنني وقعت؛ وكانت هي لبوةً؛ تقضُم ص27 والصواب: فكانت لبؤة.

ولايخطي ُء في تصويب  الأرغفة والصواب ولا يخطئ فيجب استبدال الياء المتطرفة بألف مقصورة تحمل الهمزة ولا تكون الهمزة المتطرف على السطر منفردة. 

فتعبيء جرارهّن، ص 31  والصواب: تعبئ فالهمزة لا تكتب هنا منفردة بل مع الألف المقصورة.  

وأفرغ خزنته طلقةً من بعد طلقة، وحضنه الهّوار ّي ص 38 والصواب: فاحتضنه التي تفيد المشاركة.كلما رأيتها .. كانت تشهُر سيفا،  39. كلّما رآه؛ يتمتم 71

عد ُت أدراجي؛ يصحبني طيف الفدائي سرحان تمثَّل وصار يخطو، يشحُب في تارةٍ، وفي أخرى يبتسُم ص81 والصواب: فيّ تارة وليس في الصواب: يشحُب فيَّ تارةً وفي أخرى يبتسُم. دفقت أزقةُ المخيم بالنساء، وصلن؛ يصرخن، وهن يلْوحن ص 88 والصواب يُلَوِّحن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى