وقفة أمام رواية الليلة الأولى للكاتب جميل السلحوت
الكاتب جميل السلحوت يطلق صرخته المتصدية للدّجل والشعوذة والجهل
بقلم: أسمهان خلايلة| الجليل الفلسطيني
استوقفتني رواية الليلة الأولى للأديب المقدسي جميل السلحوت، الصادرة هذا العام عن مكتبة كل شيء في حيفا، ببدايتها المشوقة التي تحث القارئ على اللهاث، يتعجل ان تنال مبروكة عقابها.. عمل روائي متسارع الوقع فهو الموضوع المتكرر الذي يكتنفه الجهل، يغذيه الجبن ويغلفه التدخل في خصوصيات الآخر، تحت شعار الأبوية التي تمنح الأهل والأقارب حق هذا التدخل.
تعتبر هذه الرواية من الأعمال التي يرتكز المجال العام فيها على تكرار واضح لقضية اجتماعية حساسة ومصيرية، فنرى الكاتب يشق بقلمه طريقا وعرا وسط زحام الجهل والأفكار المنزرعة عميقا في جذور الثقافة الشعبية السطحية المؤمنة بالخرافة، التي لا تربطها بنا سوى رابط خلقه المحتال الذكي، الذي وظف قدراته وحاسته القوية في استقراء الأفكار ولغة الجسد؛ لينصب شباكه حول ضحاياه، ينهب مشاعرهم إلى درجة الإحباط، ويمتص طاقاتهم ويهدر أموالهم. ومبروكة “وأ بو ربيع ” يشكلان هذا المحور الثابت في الصراع مع المثقف والواعي الرافض لهيمنة التجهيل والجهل، ويقف فراس قريب العريس موسى، فيجاهد في الحوارات ومحاولات إقناع أهل موسى بأن الله قد خلق الداء والدواء، ويجادلهم بالتي هي أحسن بحوارات يسيطر عليها المنطق والعلم، وقد شاركت في هذا الرفض للدجل العروس ليلى، التي كانت أكثر جرأة من عريسها موسى، فأبت الاستسلام والرضوخ لجلسات مبروكة وشعوذتها.
ثم يتدخل عمر الشاب الجامعي وهو شقيق ليلى؛ ليؤدب مبروكة بالتهديد والضرب حين اكتشف فسادها وفجورها، أمّا غادة فكانت مثال الشابة المتمردة على مقولة ابن العم بنزل عن الفرس، وعملت بذكاء مستخدمة أسلوب أهلها مستغلة إيّاه؛ لتنجو من مكيدة الزواج بابن عمها، فكانت فقرة محبوكة بعناية ودقة من المؤلف؛ ليوجه شخوص الرواية نحو الوعي، وفتح البصيرة على ما يجري حولهم. مبروكة وأبو ربيع نموذجان للاستغلال يسرحان ويمرحان بسبب: الأهل الذين ضخموا صورة الخرافة، فآمنوا بالحجب والجن والمندل، فهم أي الأهل يخشون تحطيم القيد الأسري الاجتماعي المتداول كرؤية دم العذرية وانتظار فتوحات العريس، العريس الذي يشعر بورطة المسؤولية بأن ينجز عمله في ليلة الدخلة بسرعة ودقة، وكأنه في امتحان مصيري.
الكاتب جميل السلحوت اتخذ من مبروكة التي لا تحمل من اسمها سوى حروفه، ولا نصيب لها منه؛ لأنها عكس معنى اسمها ..فهي العاهرة الاجتماعية وقد عمد الكاتب الى ايجاد عنصر مؤثر يثير غضب القارئ المتلقي واحتجاجه ورغبته في تحطيم هذه الأصنام التي يقدمون لها القرابين والأموال.
كان رفض ليلى وغادة وعمر تلبية لتخطيط الكاتب فضح دجل وكذب مبروكة وأبو ربيع، فتحولا من عائق وعنصر سلبي في الرواية إلى جمرة أشعلت نار الاحتجاج وفضح الاستغلال والاستهبال.. كان الكاتب شاهدا على أحداث عاصرها ورآها، وقد وظف روايته الليلة الأولى لتكون عملا أدبيا يحمل وظيفة أخلاقية اجتماعية توعوية، وقد أفلح في الانتماء الى حركة تحرر اجتماعية بل ووطنية وبقوة.
استند السلحوت الى الحديث النبوي ورفض الدين لهذا الدجل: “من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد”. وجميعنا يعرف الوازع الديني المؤثر بقوة على مجتمعنا. وكانت العبارة التي اختصرت الكثير حين قال الشيخ لوالد ليلى الذي اقتنع بضرب ليلى لإخراج الجن المزعوم منها، وهذا حسب توصية مبروكة قال الشيخ : لا تقع في الحرام يا حاج . ص 131. لاحظت تذييلا في نهاية الرواية بتنويه: نهاية الجزء الأول ويبدو أن كاتبنا يمتلك مخزونا كثيرا يحتاج توزيعه إلى جزء آخر ونحن بالانتظار.
مبارك إصداركم الجريء الشجاع الداعي الى نبذ العقائد الواهية والكاذبة واقصاء كل دجال كاذب