قراءة في رواية: باب الليل للأديب المصري وحيد الطويلة
الكتابة الحلوة لا تكبر حتى في الذاكرة.. وحيد الطويلة يعرف أنه يعرف
بقلم: رنا أبو الغيط
هل حدث ورأيت العالم العربي يتداعى.. تراه رأي العين مشدوها زائغ البصر شريد العقل منتبها في آن.. زلاته سقطاته كيف ومتى تفكك وإلى أي حال وصل؟
لم يتوانى وحيد عن ابهاري في كل مرة اقرأ له أقول لقد وصلت لذروة الانتشاء حيث لا يوجد ما هو أكثر من ذلك.. أعود لقراءته ف ينهار ما بنيته وأنتهي أنه بئر بلا قرار.
“طاولتين” حددهما وحيد مكانا للإقامة وسط مقهى عربي تونسي شاسع للاجئين الفلسطينين وكأنه يقول هذه حدودكما فلا تعتدوها.. وكأنه يقول ليس كل عربيًا عربي طالما لا يحمل نفس جواز السفر.. حصار داخل حصار وتفكيك عربي صهيوني لا دين له.
باب الليل.. كل شيء يحدث في الحمام هكذا بدأ الطويلة روايته.. مهلا.. بماذا أصفها؟ سياسية، اجتماعية، نفسيه.. حيرتني يا وحيد..
كل شيء يحدث في الحمام وينتهي بشدة سيفون.. “مقهى الأحباب” بل مقهى الأوجاع الذي جمع وجع العالم العربي كاملا.. أبواب كثيرة تكشف لنا حكاوي وأسرار وألم دس خلف مساحيق التجميل واللحم الرخيص والضحك الممزوج بطعم الغربة والتيه ووطن مسلوب الأرض والإرادة.
الجسد وطن أم الوطن جسد؟ سؤال ظل ينخر برأسي طوال فترة إقامتي فيها. حين يُسلب منا حق العودة لأوطاننا نبحث عن أي جسد نرمي فيه أرواحنا علنا نشتم رائحة يوسف فيعود إيماننا مرة أخرى ونستطيع الصمود فترة أكبر في ظل هذا الاغتراب والجوع والعجز.
باب الليل رواية السرد والمتعة وأبواب الحمامات الضيقة التي إن تلجها حتى ترى نفسك أمام أبواب شاسعة مخيفة تأخذك إلى عالم زائف ضائع مسلوب حزين. بشخصيات كثيرة كل لها حكايتها وأوجاعها. أبو شندي المناضل الفلسطيني كجيفارا الذي سلبت منه أحلامه وأرضه وقلبه وظل يناضل كما يليق بثائر حقيقي. أبو جعفر وجعفر وغسان وشادي.
نعيمة ذات القلب المخدوع الضائع التي أخذت منها أختها حبيبها فآثرت الثأر بجسدها ومنحته كهدية مغلفة بالوجع لمن يدفع أكثر.. انتقاما لقلبها المكلوم من أشباه الرجال.
درة، حلومة، باربي، ألفة وأخريات من النساء الفواتح للشهية ذوات الأحلام المبتورة والألم العنيد.. كل بجسدها تناضل، وكل على جسدها تتوجع.
“في أي شيء يمكن أن تناضل الآن؟ في الوطن؟ أي وطن!”.
وحيد الطويلة يعرف كيف يقتنص الوجع بحرفة عالية في مشهد لا يتعدى الثلاثة أسطر.. حلم طفولي” عايزة أبقى رئيس” ليقابَل بكسر قلب أب أمام الطاغية ونعته بآسف..” ولد تافه”. وحيد الطويلة حكّاء سرّيد من الدرجة الأولى شاعري يكتب بقلبه وعظمه حتى تشعر أنه عاش كل هذه الأوجاع دفعة واحدة ووضعها أمامك في قالب محلّى بلغة بديعة ساحرة فتتناوله بنهم حد الامتلاء.