فكر

قوة الإيحاء

أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري

      قرأت قصة عن رجل ذهب لرؤية عرّافة شهيرة في الهند، وطلب إليها أن تستطلع مستقبله؛ فأخبرته العرّافة بأن قلبه ضعيف، وأنه سيموت عند اكتمال القمر. شعر الرجل بفزع شديد، وتواصل مع عائلته كلها ليخبرها بهذه النبوءة، ثم ذهب إلى المحامي ليكتب وصيته، ولم تفلح محاولات المقربين منه لإقناعه بأن ما قالته العرّافة هو محض افتراء، حيث كان موقناً بأن العرّافة مشهورة بقدراتها التنبؤية ومعرفتها بما غاب في القدر.

     ومع اقتراب القمر من اكتماله صار الرجل منسحباً وغير مقبل على الحياة، وقد تلاشت سعادته وصحته وعافيته التي كان يتمتع بها قبل زيارتهللعرّافة. وما إن اكتمل القمر حتى أصيب بأزمة قلبية لتنتهي حياته نهاية مؤلمة مؤسفة.

    والقصة تتشابه مع قصص كثيرة قرأناها وسمعناها عن القوى الخفية في العالم والتي من بينها قوة الإيحاء، وهي القوة التي تخترق العقل الباطن وتؤثر فيه التأثير الذي قد يؤدي إلى الوفاة كما حدث مع هذا الرجل. وقد صار من المعروف الآن أن العقل الباطن يصدق ما يصل إليه من العقل الواعي ويعمل على أساسه. ولقد استقبل الرجل إيحاءً سلبياً؛ فما لبث أن استسلم له العقل الباطن وصار ينمي مخاوفه ليصيبه بالخوف والذعر الذي سلمه للموت.

    ومن المؤكد أن العرّافة لا تملك قوة غيبية ولكنها تملك قوة الإيحاء الذي يؤثر في نفوس مستقبليه بشكل مُلفت، ولا يسلم من التأثير إلا من فهم قوانين العقل الباطن، ورفض الاستسلام للإيحاء السلبي ولم ينتبه له. وأظن أن الرجل لو رفض الإيحاء وحصن نفسه بالتفكير الإيجابي، وتمتع بالوعي والإدراك اللازمين لمقاومة هذا النوع من الإيحاءات؛ لكانت حاله مختلفة ومآله إلى غير ما انتهى إليه.

    إن الإيحاءات الخارجية لا تملك قوة في حد ذاتها؛ وإنما تستمد قوتها من داخل النفس، ومن نوع التفكير الذي يتفاعل معها ويستسلم لها، وكذلك من إيمان العقل الباطن بها وبمضمونها.

     ولو تأملنا عناوين ما ينتشر في وسائل الإعلام على اختلافها لاستطلعنا عشرات الموضوعات التي تبث الخوف والقلق والتوتر والإخفاق، وفي كثير من الأحيان يقتنع بها القراء، ويستسلمون لإيحاءاتها السلبية والتي تقود لكراهية الذات والحياة. ولا يسلم من تأثيراتها إلا القادر على تغذية عقله الباطن بإيحاءات إيجابية متفائلة تقاوم الأفكار السلبية وتبطل عملها وتمحو آثارها.

    إن الإيحاءات السلبية صارت شائعة على نحو ملحوظ في هذه الأيام، والتي تهدف أحياناً إلى التحكم في أفكار الناس ومشاعرهم وسلوكياتهم، وإن قليلاً من الوعي بعمل العقل الباطن يُخلّص من التأثير السلبي للإيحاءات التي تشوه حياة الناس الشخصية والاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى