أدب

جاذبية الهم أقوى

مالكة حبرشيد | المغرب
تتساقط الأوراق واحدة تلو الأخرى..تنظر إلى الريح وهي تطّاير ما تبقى منها على الملامح حرقة…حزن ودمع سيال لا يغسل دواخلها من وساخة عالم بئيس اغتصب براءتها…واغتال أجمل ما فيها…
غير بعيد من نواحها المرير… موسيقى ….تدحرج النهارات على بساط القهقهة…النكات السمجة…الكؤوس والحبوب التي تحلق بالمرء بعيدا عن الواقع …فيرى نفسه سيد الكون وكل ما ومن حوله ملك يمينه وطاعته …
تقدمت بخطا مترددة….واحدة إلى الأمام…عشرة إلى الخلف…والعيون دائما مسمرة على الريح قالت والكلمات تختنق بين شفتيها خوفا من لكمات ستنزل على وجهها وقفاها : يا ابن ام ….اشفق علي واعدني الى الحياة …ركلة منه اوقعتها في هوة سحيقة …حيث وجدت نفسها مردومة تحت سنوات من الصمت والسوط …من انسان لا تعرف من هو …أهو  شقيق او كائن من كوكب اخر…اغتصب طفولتها….افتض عفويتها وبراءتها… ما عادت تعرف نوع الصلة الرابطة بينهما …بعدما حبسها بين أربعة جدران  – والخامس جرح عميق خلفه اليتم والزمان- ….في منطقة نائية لا أحد يسمع فيها النداء…ولا النواح والبكاء ..وحده كان يعودها حين تلح عليه رغبته الوحشية …ناسيا إنه جزء منها وهي بعض منه …في الأعلى …عند فوهة الجب…حيث القاها …تتراءى لها …أو يخيل اليها…أن عيونا ترمقها تارة مشفقة…وأخرى …شامتة مقهقهة… اعتبارا انها الزوجة المتمردة التي لا تطيع الاوامر مهما أغدق عليها من حب وهدايا…هكذا كان دائما يردد كلما نهاه احد عن تعنيفها…مذ انفرد بها في هذا الربع الخالي من الاحساس والمشاعر الإنسانية…مارس عليها كل انواع الشذوذ …وانواع العنف …دون ان يرف له نبض …او تتحرك فيه أخوة أو ينتفض في عروقه  دم  …
تذكرت أخوة يوسف حين ألقوه في اليم. .كانت الذئاب أرحم … وعواؤها أقرب إلى النفس
من تلك الموسيقى المنبعثة من كوة الخوف…
مازالت تحاول تسلق التربة الهشة لتخرج من هوة الاستسلام… بين أصابعها تتفتت…تجد نفسها بعد كل محاولة عند نفس النقطة….هي وحزمة الخسائر وبعض الحجارة الصغيرة….لتقتل الرهبة ودقات الزمن التي تنقرها… تلعب بالحصوات وهي تدندن =امي يا أمي…لو تعلمين ما حل بي.. .أخبري الله إني أذنبت رغما عني…أخبريه أني لم أجد من يدافع عني…من يذوذ على براءتي وأنوثتي …بلغيه أن الذئب أكلني …واستطعم لحمي …لا يعنيه انه لحمه…وإن ما يسكر به كل ليلة هو دمه…تدندن …تدندن …فجأة وجدت نفسها تصرخ
بأعلى وجعها ….=أين أنتم يا أحباب الله … ….؟
هل خلا العالم منكم ….؟
من منح هذا الوحش الكاسر حق اعتقالي….واغتيالي ؟
لحظتها استفاقت …وجدت نفسها تمسك حبلا …
على الخد دمعة …في العيون حرقة…وفي الصدر غصة
هل كانت تحلم ؟
يأتيها الجواب صعقة …صفعة تعيدهاالى الواقع المر الذي تخجل من التفكير فيه حتى مع نفسها …وهي تمسد بطنها التي بدات تعلو …اقتربت من النافذة تتحسس قضبانها الحديدية …تلاحق خيوط الشمس بعيون تعج فيها العتمة  …تحاول الامساك بها لترتقيها نحو السماء …جاذبية الأرض أقوى …جاذبية الهم أقوى…زحمة الظلام أبقى …لن تستأنف مشوار الصبر ورحلة الصمت والخوف ….ولن تترقب الفجر كل ليلة كما تعودت دائما أن تفعل…لعل يدا تمتد لانتشالها من جب الظلم….برق الوعي يمزق كل لحظات الحلكة المهيمنة…وقد أنهكها الوقوف بين النور والظلمة…بين الحياة والموت …تمالكت نفسها …فتحت عينيهاعزمت طرد الكابوس  لتهتدي نحو الطريق بعد طول تيه بين الحيرة والخوف…بحبل الدم الذي يربطهما معا والذي اجادت فتله طوال سنوات طفولتها… صمتها ويتمها …شنقت نفسها عند قضبان النافذة التي كانت تمنحها بعض الهواء …لترتاح من وحش اغتصب انسانيتها دون  اهتمام بروابطهما الانسانية…وفصيلة الدم التي وحدتهما ذات فرحة مبتورة في رحم واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى