الانثروبولوجيا. علم اجتماعي أم استعماري؟
د. حسام الدين فياض
الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة
قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً
بالرغم من قدم مصطلح الانثروبولوجيا في تاريخ المعرفة الإنسانية إلا أن استعمالها بدأ فعلياً مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث ازداد الاهتمام بها وبالأخص في الأوساط الثقافية الأنجلوساكسونية*، وكان هذا الاهتمام منصباً على الانثروبولوجيا البيولوجية أو الفيزيائية، أي أن الجسد كان محور اهتمامات الدراسات الانثروبولوجية ومركزها. وبعد ذلك جُمع الموضوعين كليهما في موضوع واحد سمي بالانثروبولوجيا الاجتماعية ([1]).
اصطلاحياً يرجع مفهوم الانثروبولوجيا إلى الكلمة يونانية المكونة من شقين أساسيين هما: الإنسان Anthropo وعلم Logy، وتعني علم الإنسان وهو علم من العلوم الإنسانية الذي يهتم بدراسة مظاهر حياة الإنسان دراسة كلية وشمولية، كما يهتم بدراسة الإنسان من حيث قيمه (الجمالية، الدينية، الأخلاقية، الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية) ومكتسباته الثقافية([2])، وهو علم يركز على كل ما هو بدائي وبسيط في حياة الإنسان وذلك في مجتمعات معزولة وصغيرة نسبياً أو في عصور قديمة. ولقد تعددت اهتمامات الانثروبولوجيا في الوقت الراهن ولم تعد تقتصر على دراسة المجتمعات البدائية فقط ولكن أصبحت تهتم بدراسة مشكلات المجتمع الحديث وخاصة المناطق المتخلفة.
وخلاصة القول “هو علم دراسة الإنسان في ثقافته وبنائه الاجتماعي، ويذكر جاك لومبار أن هذا العلم يهتم بدراسة المجتمعات البعيدة والغريبة، أي دراسة ” الآخر” الذي يختلف عن الإنسان الغربي في ثقافته وعاداته وتقاليده، ودرجة وعيه وتقدمه، وهذه إشارة إلى الشعوب البدائية ذات الثقافة البسيطة والتقليدية مقارنة بثقافة الإنسان الأبيض (الغربي) “([3]).أما عن أهدافها فإننا نجد أن الانثروبولوجيا تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف يمكن لنا حصرها في الأمور التالية:
- أ- وصف مظاهر الحياة البشرية والحضارية وصفاً دقيقاً، وذلك عن طريق معايشة الباحث المجموعة المدروسة، وتسجيل كل ما يقوم به أفرادها من سلوكيات في تعاملهم، في الحياة اليومية.
- ب- تصنيف مظاهر الحياة البشرية الحضارية بعد دراسة واقعية، وذلك للوصول إلى أنماط إنسانية عامة، في سياق الترتيب التطوري الحضاري العام للإنسان: (بدائي، زراعي، صناعي، معرفي، تكنولوجي).
- ت- تحديد أصول التغير الذي يحدث للإنسان، وأسباب هذا التغير وعملياته بدقة علمية. وذلك بالرجوع إلى التراث الإنساني وربطه بالحاضر من خلال المقارنة، وإيجاد عناصر التغيير المختلفة.
- ث- استنتاج المؤشرات والتوقعات لاتجاه التغير المحتمل، في الظواهر الإنسانية – الحضارية التي تتم دراستها لإمكانية التنبؤ بمستقبل الجماعة البشرية التي أجريت عليها الدراسة ([4]).
وتنقسم الانثروبولوجيا عموماً إلى انثروبولوجيا اجتماعية، انثروبولوجيا ثقافية التي تنقسم بدورها إلى (الاثنولوجيا*، اللغويات، علم الآثار القديمة – الحفريات)، وانثروبولوجيا فيزيقية (طبيعية) والفرع الأخير منها يعد أكثر ارتباطاً بالعلوم الطبيعية والبيولوجية منه بالعلوم الاجتماعية، ” فهو مجال يحاول أن يبحث في أصل الإنسان، باعتباره نوعاً ينتمي إلى الجنس، والبحث كذلك في الطبيعة وفي مفهوم التطور والأسباب والعلل التي تتحكم في الاختلافات البيولوجية عند الإنسان ومقارنته بالأنواع الأخرى من الكائنات الحية “([5]).
أما الانثروبولوجيا الاجتماعية التي هي موضوع دراستنا، فقد نشأت لكي تدرس النظم الاجتماعية والحضارية للإنسان بوصفه صانعاً للحضارة والمجتمع، ” وهي بذلك تعد أقرب صلة سواءً من حيث الموضوع أو منهج الدراسةبعلم الاجتماع “([6]).
وفيما يتعلق بظروف النشأة، نجد أن الانثروبولوجيا أقدم بكثير من علم الاجتماع، فقد ظهرت الانثروبولوجيا خلال القرنين الخامس والسادس عشر الميلادي خصوصاً بعد قيام الرحالة الجغرافيين بتجوال العالم والوصول إلى أماكن بعيدة لم يصلها الإنسان من قبل ومثل هذه الرحلات الجغرافية التي اكتشفت أراضي وقارات جديدة مهدت السبيل للانثروبولوجيين إلى دراسة شعوب هذه القارات دراسة انثروبولوجية وصفية تلقي الضوء على عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم ونظمهم الاجتماعية ومهنهم وأساليب حياتهم ومعتقداتهم وأديانهم، وقد سجل الانثروبولوجيون الأخبار والمعلومات والحقائق المفصّلة عن المعطيات المادية وغير المادية للمناطق التي درسوها وأحوال شعوبها ومعتقداتهم الدنيوية والدينية.” وهذا يعني أن للانثروبولوجيا جذورها التي تمتد إلى عصور قديمة، كما أن لها أصولها النظرية التي تشكلت عبر قرون متتالية، إلا أنها اتخذت لنفسها طابعاً أكاديمياً متخصصاً، وبدأت في بلورة موضوعاتها ومناهجها المميزة في نهاية النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين”([7]).
وعلى الرغم من وجودتشابه كبير بين علمي الانثروبولوجيا الاجتماعية وعلم الاجتماع، إلا أن أوجه الاختلاف بينهما ظل قائماً لفترات طويلة، ويمكن إرجاعه إلى اختلاف موضوع الدراسة. فقد انشغل علماء الانثروبولوجيا الاجتماعية بدراسة المجتمعات الصغيرة أي دراسة الشعوب البدائية (على الرغم من وجود استثناءات كثيرة)، والتي تختلف في طبيعتها تمام الاختلاف عن المجتمعات المتقدمة من حيث إنها لا تخضع نسبياً للتغير ولا تتوافر عنها سجلات تاريخية، وكانت المناهج المستخدمة في دراستها تتسق مع هذه الحقائق. غير أن هذا الموقف قد تغير في الوقت الراهن.
فمعظم المجتمعات البدائية قد تغيرت، وبدأ عالم الانثروبولوجيا يتجه نحو الاهتمام بنفس المشكلات القيمية التي يهتم بها عالم الاجتماع. وأصبحت النظرة إلى المجتمعات البدائية بوصفها تمثل موضوع الانثروبولوجيا الاجتماعية أخذت تختفي بصورة واضحة، كما أن انفراد عالم الاجتماع بدراسة المجتمعات المتقدمة (دراسة معالم المجتمع والثقافة الغربية) هي مسألة موضع جدل إلى حد ما.
ومع ذلك فلا تزال التفرقة قائمة بين علم الاجتماع والانثروبولوجيا في ضوء اختلاف المصطلحات، والمدخل، والمنهج، بل أحياناً ما يعتبر البعض أن تداخل نشاط العلماء في ميدان الدراسة غير صحيح منهجياً، لكن الالتقاء بين العلمين واضح برغم كل ذلك، كما تزداد الرغبة في تحقيق المزيد منه.حيث نجد أنأوجه الاتفاق بين علم الاجتماع الانثروبولوجيا الاجتماعية من حيث موضوعات البحث واهتماماته كلاهما يدرسان البناء الاجتماعي والوظائف الاجتماعية، مما دعا راد كليف بروان إلى القول بأن الانثروبولوجيا فرع من فروع علم الاجتماع المقارن،ومن الآراء ما يعتبر أن العلاقة بين علم الاجتماع والانثروبولوجيا الاجتماعية علاقة تداخلية، وذلك من منطق أن الانثروبولوجيا وهي علم الثقافة ذات صلة قوية وعميقة بعلم الاجتماع، خصوصاً إذا تم التعامل مع الثقافة من منظور واسع باعتبارها محتوى لكل الأساليب التي تصوغ كل شيء في المجتمع بما في ذلك القيم ونماذج السلوك. بذلك نجد أن هناك اتفاقاً مشتركاً بين موضوعات الدراسة في كليهما من وجهة نظر علماء المدرسة الأمريكية. أما فيما يتعلق بأوجه الاختلاف بين علم الاجتماع والانثروبولوجيا الاجتماعية. نجد أن علم الاجتماع يدرسالمجتمعات المتحضرة –المعاصرة، حيث تكون دراسة علم الاجتماع متخصصة إلى حد بعيديقتصر على دراسة نظاماً معيناً أو عملية بعينها أو ظواهر محددة ومشكلات معينة قائمة بذاتها كمشكلات: الأسرة والطلاق والجريمة والبطالة والإدمان والانتحار… إلخ.منهجياً يعتمد علم الاجتماع على افتراضات نظرية لدراسة وضع المتغيرات الاجتماعية ويحاول التحقق منها من خلال المعلومات التي يجمعها بواسطة الاستبيانات والاحصاءات وما تفرزه من بيانات كمية في معظم الأحوال. أما الانثروبولوجيا الاجتماعية تدرس الحياة الاجتماعية للمجتمعات الصغيرة البدائية – الأولية. دراسة كلية شاملة بما فيها من عادات وتقاليد ونظم والعلاقات بين الناس والأنماط السلوكية التي يمارسها المجتمع المدروس. مع تأكيد مبدأ الدراسة المتعمقة لمنطقة محددة أو مشكلة معينة. منهجياً تعتمد الانثروبولوجيا على تشخيص الظاهرة استناداً إلى فهم الواقع كما هو، من خلال الملاحظة المباشرة ومشاركة الأفراد في حياتهم العادية حيث يعيش عادة عدة شهور يراقب قدر الامكان طرق حياة الناس الذين يدرسهم أو الاستعانة ببعض الأشخاص الذين يعرفون بالإخباريين ([8]).
بناءً عليه يمكننا القول إن هناك علاقة وثيقة ومتفاعلة بين علم الاجتماع والانثروبولوجيا بشكل عام إذ يمكن القول بأن الجذور النظرية والتطبيقية لعلم الاجتماع هي جذور انثروبولوجية طالما أن المجتمع المعقد الذي يتخصص بدراسته علم الاجتماع متأصل في المجتمع البدائي البسيط الذي هو موضع دراسة علم الإنسان أو الانثروبولوجيا هذا من جهة. ومن جهة أخرى نجد أن كلاهما يهتم بدراسة المعايير، ولكن الانثروبولوجيا تركز أساساً على دراسة العلاقات بين مجموعة معينة من المعايير ومجموعة أخرى، بينما نجد علم الاجتماع يهتم بالدور الذي تلعبه المعايير في عملية التفاعل الاجتماعي.
أما عن علاقة الانثروبولوجيا بالاستعمار نعتقدأن الانثروبولوجيا نشأت كأداة فكرية لتعزيز سلطة الاستعمار، فكانت مرتبطة بشدة كبيرة بالإدارة الاستعمارية([9]).ويعني ذلك أن الدراسات الانثروبولوجية لم تقتصر على دراسة وتحليل وتفسير المجتمعات البشرية بهدف المعرفة الأكاديمية وفهم الطبيعة الإنسانية بل تم توظيفها واستخدامها لخدمة غايات استعمارية دنيئة. والدليل على ذلك أن الحركة الاستعمارية الأوروبية كانت عندئذ في حاجة إلى البحث عما يدعم هيمنتها، وإلى معرفة الخطوط العامة للسياسية التي يمكن أن تحافظ على هذه الهيمنة. فظهرت العلاقة الجدلية بين المعرفة الانثروبولوجية كنظرية، وبين السياسة الاستعمارية كواقع تاريخي، فالسياسة هنا تمد المعرفة بموضوعها وبالاتجاه الذي ينبغي أن تسير فيه، والمعرفة بدورها تمد السياسة بالمعطيات التي تساعدها على تنفيذ مشروعها وعلى تبرير مشروعيتها كما تمدها بصيغة للتعبير عن أهدافها ([10]).
بذلك ” وصمت الانثروبولوجيا كعلم من حيث النشأة والهدف بأنها علم استعماري، لأنه كان مطية الاستعمار التي مكنت الدول الغربية من استعمار دول وشعوب كثيرة من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. حدث ذلك من خلال سلسلة متتابعة من الباحثين الذي ارتدوا قناع التبشير بينما هم في حقيقة الأمر مقدمة لذلك الزحف الاستعماري الغربي الذي رزح فوق كاهل تلك الشعوب لسنوات عديدة.
عمل الباحثون (الانثروبولوجيون) من خلال مهمتهم التبشيرية المزعومة إلى جمع العديد من المعلومات حول المجتمعات المستمرة أو التي يشكل استعمارها هدفاً مستقبلياً، ومن الطبيعي أن تستغل تلك المعلومات المجموعة إما في تثبيت الاستعمار أو تهيئة المناخ المناسب له للانقضاض على ضحية جديدة للاستعمار وبأقل الخسائر الممكنة، بالنسبة للدول الاستعمارية طبعاً “([11]). ولا يستقيم ذلك إلا بمعرفة متعمقة للغاتهم، وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم، والعلوم الاجتماعية الاستعمارية ضرورية للحفاظ على هيمنتها ولضمان استمرار هذه الهيمنة ([12]). وقد تمثلت مبررات الاستعمار لإقناع وتوظيف علماء الانثروبولوجيا لدراسة تلك المستعمرات إلى غياب الكتابات الدراسات التاريخية حول هذه المجتمعات([13]).
ولم يشفع للانثروبولوجيا أن المعلومات التي جمعت حول شعوب ودول العالم الثالث والنامي، قد أذهلت العلماء والباحثين حيث اتضح لهم أن الدول المستعمَرة أو المستهدفة للاستعمار لها من النظم والحضارة والتقاليد ما يمكنها من الصمود ليس فقط في وجه الاستعمار المكشوف وإنما في وجه مختلف أشكاله المستترة. وللإجابة على التساؤل المركزي الذي يطرحه المقال” هل الانثروبولوجيا علم اجتماعي أم استعماري؟ ” نجد أن الانثروبولوجيا في حقيقة الأمر علم اجتماعي تم توظيفه من قِبل الاستعمار بواسطة العقلانية الأداتية* لتحقيق أهدافه ومصالحه وأطماعه بالسيطرة على البلدان النامية لنهب خيراته وثرواته بحجة الإعمار.فالعيب ليس بالعلم وإنما بالإنسان الذي يوظف العلم دون وجود حامل أخلاقي.
المراجع والمصادر:
* الدول الأنجلو ساكسونية هي تلك الدول الناطقة باللغة الإنكليزية أي لغتها الرسمية هي اللغة الإنكليزية، أشهرها بريطانيا وأمريكا، كما نجد دولاً ناطقة باللغة الفرنسية نسميها الدول الفرنكوفونية.
([1]) مصطفى تيلوين: مدخل عام في الانثروبولوجيا، دار الفارابي ومنشورات الاختلاف، بيروت والجزائر، ط1، 2011، ص (17).
([2]) المرجع السابق نفسه، ص (19-20).
([3]) بوحسون العربي: الاستشراق والانثروبولوجيا والاستعمار (دراسة تحليلية لطبيعة العلاقة)، مجلة الإنسان والمجتمع، العدد: الثاني، الجزء: الثاني، ديسمبر 2011، ص (45).
([4]) عيسى الشماس: مدخل إلى الإنسان (الانثروبولوجيا)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، ط1، 2004، ص (15).
*الاثنولوجيا علم الأقوام أو علم الأعراق البشرية يهتم بدراسة الشعوب وتصنيفها على أساس خصائصها، وميزاتها السلالية والثقافية، والاقتصادية، بما في ذلك من عادات ومعتقدات، وأنواع المساكن والملابس، والمثل السائدة لدى هذه الشعوب. وذلك بالاعتماد علىالاثنوغرافيا التي تعني الدراسة الوصفية لأسلوب الحياة ومجموعة التقاليد والعادات والقيم والأدوات والفنون والمأثورات الشعبية لدى جماعة معينة أو مجتمع معين. بذلك تشكل المادة الاثنوغرافية قاعدة أساسية لعمل الباحث الاثنولوجي. فالاثنوغرافيا والاثنولوجيا مرتبطتان إذ أن كل واحدة منها تكمل الأخرى. انظر: حسين فهيم: قصة الانثروبولوجيا- فصول في تاريخ علم الإنسان، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد: 98، فبراير 1986، ص(14- 15).
لمزيد من القراءة والاطلاع انظر: الفصل الأول بعنوان: (نياسة، ناسوت، إناسة) جاك لومبار: مدخل إلى الاثنولوجيا، ترجمة: حسن قبيسي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2015، ص (9- 28)
([5]) مصطفى تيلوين: مدخل عام في الانثروبولوجيا، مرجع سبق ذكره، ص (30).
([6])صلاح مصطفى الفوال: علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية (علاقات ومجالات وميادين)، عالم الكتب، القاهرة، 1982، ص (147).
([7]) حسين فهيم: قصة الانثروبولوجيا، مرجع سبق ذكره، ص (89).
([8]) بيرتي ج. بيلتو: دراسة الانثروبولوجيا – المفهوم والتاريخ، ترجمة: كاظم سعد الدين، بيت الحكمة، بغداد، العدد: 24، ط1، 2010، ص (66).
([9]) مونتجمري ماكفيت جيه دي: الانثروبولوجيا ومكافحة التمرد، مركز تنمية الفكر الاستراتيجي، 2019، ص (11).
([10]) حسين فهيم: قصة الانثروبولوجيا، مرجع سبق ذكره، ص (102).
([11]) صلاح مصطفى الفوال: علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص (177- 178).
([12]) حسين فهيم: قصة الانثروبولوجيا، مرجع سبق ذكره، ص (102).
([13]) بوحسون العربي: الاستشراق والانثروبولوجيا والاستعمار، مرجع سبق ذكره، ص (48-49).
*ظهر مفهوم العقل الأداتي في العديد من مؤلفات الفلاسفة والمفكرين السابقين على هابرماس أهمهم هوركهايمر وأدورنو في كتابهما “جدل التنوير” عام 1972، وكتاب هوركهايمر “أفول العقل” عام 1947، وكتاب هربرت ماركيوز “الإنسان ذو البعد الواحد” عام 1960. يتصف العقل الأداتي لدى هؤلاء بأنه منطق في التفكير وأسلوب في رؤية العالم، أي أن العالم الاجتماعي أصبح له طبيعة ثانية كالطبيعة غير قابل للتغيير ومستقلاً عن أفعالنا.ويرى هوركهايمر إلى أن العقل الأداتي هو العقل المهيمن في المجتمعات الرأسمالية الحديثة، التي فقد فيها العقل دوره كمملكة فكرية وتم تقليصه إلى مجرد أداة لتوفير الوسائل، وأدى ذلك إلى فقدان العقل للقدرة على إدراك الحقائق في ذاتها حيث أصبح كل شيء مجرد وسيلة. ويقصد هابرماس بالعقل الأداتي أنه يمثل العقل الغائي، فهو إما أن يكون أداتياً أو اختباراً عقلانياً أو مركب منهما. ويهتدي العقل الأداتي بالقواعد التقنية التي تقوم على معرفة تجريبية ويحقق هذا العقل أهداف محددة في ظل شروط واضحة. فيؤكد هابرماس أن مفهوم العقل الأداتي يعتبر أكبر دليل على ظاهرة التمركز حول العقل العلمي- التقني، ويبين كيف أن حركة التطور العلمي في عصر الأنوار أدت إلى ظهور هذا العقل، ويوضح الأسس التي أدت إلى ظهور العقل الأداتي منها الآليات التي وضعها وأرساها النظام الحديث أو بالأحرى المجتمع الحديث.