أدب

قراءة في رواية الفتيان أحبك يا شادي للأديبة الدكتورة علياء إبراهيم

بقلم هناء عبيد| أمريكا

صدرت رواية الفتيان “أنا أحبك يا شادي” للدكتورة علياء ابراهيم عن دار الإبداع في الإسكندرية عام ٢٠٢١ وقد جاءت الرواية في ٧٢ صفحة من الحجم المتوسط، قام برسم الشخصيات الفنانة عبير جقميري، وأعد الجرافيك والتجهيز الفني الأستاذ علاء الدين القصار.

الإهداء
جاء إهداء الدكتورة علياء ابراهيم بأمل إلى كل طفل اختطفت الحروب طفولته وبراءته وأحلامه. وهي لفتة طيبة لتوجيه عناية المسؤولين إلى الطفولة المذبوحة والبراءة المقتولة في ظل الأحداث الإجرامية الّتي تتعرض لها.

شكر خاص
كما شكرت الدكتورة علياء من كان له الأثر الطيب في حياتها فقالت:
إلى من هي بالنسبة لي كل الحياة..أمي
إلى معلمتي الأولى..جدتي
إلى صديقة العمر ورفيقة الدرب
د. سائدة عفانة
إلى أخي العزيز الكاتب المبدع
الأستاذ أيمن فرماوي

ثيمة الرواية

نعيش مع شادي الشخصية المحورية في الرواية ويومه الروتيني الّذي يبدأه بتقبيل يديّ والدته ثم نزوله عن درج البيت الآيل للسقوط، وتوجهه إلى بقالة العم جابر، ليبدأ سؤاله الدائم عن أم فارس والأستاذ فارس..نتعرف على أخلاق فارس الطيبة الّذي يرسل لشادي قطعة حلوى تتمثل في كتاب؛ فلعله يلتحق بالمدرسة ويصبح كما حلم والده ووالدته بأن يصبح مهندسًا في يوم ما مثل عمه خالد..نجوب معه في الشوارع وهو يحمل عبوات المياه والمناديل إلى عمله متجنبًا النظر إلى الفتية في مثل عمره وهم يحملون هواتفهم وحقائبهم وكأنه بتجنب النظر اليهم يختفي عن أنظارهم، ثم نتعرف على صديقته الكلبة لاسي التّي يعطيها لفافة تحتوي على بقايا من قطع اللانشون الّتي تحبها..نشارك شادي الّذي ابتعد وأسرته عن وطنه في تساؤلاته المستمرة، هل سيعيش كغيره حياة طبيعية، وهل سيكمل تعليمه مثل أترابه؟
ثم نعيش مع ذكرياته وصديقه فادي ورسمه للكنيسة الّتي كان يصلي فيها مع أسرته الّتي تمثل أبهى صور التعايش السلمي بين الأديان..نستشعر الحنين في ذاكرة شادي الّذي لا يستطيع الهروب من وجعها، إذ فقد العديد من أصدقائه في الحرب، تتوالى الأحداث، يلتقي شادي بالصحفية أمل وابنها عمر ويسعد بروحهما الجميلة، ثم نتعرف على عمل شادي الجديد، وعلى موهبته في الرسم الّتي لاقت تشجيع السيدة أمل.

البعد النفسي

راعت الكاتبة الجوانب والأبعاد النفسية في كل شخصية، واستطاعت سبر أغوارها بدقة، ففي الصفحة ١٥ مثلًا، نستنتج مدى إدراكها للجانب النفسي عند شادي حينما كان يتجنب النظر إلى الفتية الّذين بعمره، قد يعود ذلك إلى انكسار نفسه، فمن هو بعمره يكون في المدارس ومتوفرة له كل سبل الحياة، بينما كان هو يعاني من ثقل الحياة الّتي أرهقته قبل الأوان حيث تقول الكاتبة:“يتجنب النظر إلى بعض الفتية السائرين في عمره الّذين يحملون هواتفهم وحقائبهم الأنيقة خلف ظهورهم وعلى أكتافهم، وكأنه بتجنب النظر إليهم يختفي عن أنظارهم، فلا يشعرون بوجوده”.
وهي هنا تدرك مشاعر شادي، حيث الإحراج الّذي يواجهه والتوقعات الّتي يخمنها حين لا ينظر إلى الفتية، فهو يعتقد بأنهم لن يلاحظوا وجوده، وكأنه يتمنى في تلك اللحظات الاختفاء عن الأنظار بسبب الخذلان الّذي يشعره بسبب وضعه غير المتكافئ معهم..أيضا تظهر لنا الكاتبة مدى الشعور الإنساني الّذي يتمتع به شادي، فمن يرفق بالحيوان، فلا بد أن يكون صاحب قلب رحيم، ها هو يعطف على الكلبة لاسي ويحضر لها الطعام وهي بالمقابل تبادله الحب وتعبر له عن حبها بهز ذيلها. وتتجلى معنى الكرامة والكبرياء في أخلاق شادي، وذلك من خلال سلوكه فقد رفض شادي النقود الّتي أعطته له السيدة أمل وابنها من خلال رده عليهما: “لست متسولًا، أنا بائع متجول”.
استطاعت الكاتبة أيضا أن تطلعنا على مدى الامتنان الّذي يستشعره الشخص السوي حينما يجد الاحترام والحنان من الآخرين، وذلك من خلال سلوك شادي الّذي كان ينتظر السيدة أمل وابنها عمر بشوق كبير؛ ليبادلهما الاحترام، كذلك امتنان والدة شادي لهدية أمل، فقد صنعت لها القفازات كهدية بالمقابل. قد تكون هذه الأمور بسيطة للبعض، لكنها لها أهميتها الكبيرة في كشف البعد النفسي للشخصيات من زاوية ورؤية الكاتبة..أيضًا تبين لنا مشاعر السعادة عند لقاء شادي بعمر، وتظهر الكثير من العاطفة الّتي افتقدناها في هذا العالم.

الزمان والمكان

لم تحدد الكاتبة الزمن والمكان في الرواية، ربما لتجعلها تناسب كل الأمكنة والأزمنة.

الشخصيات

شادي؛ الشخصية المحورية في الرواية؛ الفتى الّذي يحاول الاجتهاد قدر الإمكان؛ حتى يستطيع العيش ومواصلة تعليمه الّذي انقطع عنه بسبب هجرته عن وطنه بفعل الحروب، وهي شخصية ذات خلق عالٍ، تتسم بالعاطفة والمشاعر الرقيقة/أم شادي، لم يكن لها دورها الكبير في الأحداث لكن تأثير شخصيتها ونبل أخلاقها وحنانها انعكس على شخصية أبنائها، وهي الأم الحنون الّتي تغدق بحبها على أبنائها/الصحفية أمل؛ ذات الأخلاق الراقية والناشطة الاجتماعية الّتي تحاول دومًا مساعدة الأطفال للحصول على حقوقهم، وقد كان لها دورها الكبير في انتشال شادي من وضعه الصعب، كما شجعته على ممارسة هوايته في الرسم/عمر ابن السيدة أمل الّذي أصبح صديق شادي/جد شادي ودوره الطيب في الرواية.

كان هناك أيضًا بعض الشخصيات الثانوية الّتي لم يكن لها دورًا كبيرًا في الأحداث، إنما كان لها أثرها العميق في حياة شادي منها مثلًا؛ والد شادي الّذي توفي في الحرب، رامي شقيق شادي، خالة شادي الّتي كانت تعيش معه، العم جابر صاحب البقالة الطيب الّذي كان له دور كبير في عمل شادي، فارس؛ معلم الرياضيات في المدرسة الإعدادية والّذي كان يشجع شادي على الدراسة، أم فارس وغيرهم.

تقنية السرد واللغة

قسمت الكاتبة الرواية إلى أجزاء؛ لكل جزء عنوانه الخاص به، وقد بدأت الرواية بعنوان يوم جديد، حيث استرسلت الكاتبه فيه بالأحداث لنتعرف على الروتين اليومي لشادي،ثم جاء جزء بعنوان سيارة شادي،من خلاله نرافق شادي في عمله ومقابلته الكلبة لاسي. وفي الجزء المعنون بأمل، نتعرف على ذكريات شادي مع والده ومعلمة الرسم، ونرافقه في لقائه مع السيدة أمل وابنها عمر ونتعرف على أثر هذا اللقاء عليه. تحت الجزء المعنون “بعد ثلاثة أيام” نتعرف على الهدية الّتي قدمتها أمل لشادي والهدية الّتي أرسلتها لها أمه بالمقابل، كما نتعرف على عمل شادي في دكان العم جابر.

في الجزء المعنون “في منزل عمر” نرافق عمر في رحلة مرضه، كما نتعرف على جده المحب لمساعدة الأطفال، ووالدته أمل الصحفية الّتي تعتني بالأطفال وتنتشلهم من ظروفهم الصعبة، كذلك نتعرف على والد عمر الطبيب الّذي يعمل ضمن فريق إغاثة إنساني ويجوب بعض البلدان الإفريقية الّتي يموت فيها الأطفال من الفقر والمرض وسوء التغذية.. في الجزء “فرصة أخيرة” نرافق شادي في البحث عن صديقه عمر، وتحت عنوان “كرتونة شادي” نرافق شادي في إحدى رسوماته الّتي اختار أن تكون لطفل مع أمه.

في “محاولة أخرى” نرافق السيدة أمل وابنها عمر في مهمة البحث عن شادي ولقائهما مع السائق الّذي دلهما على عنوان شادي. أما الجزء المعنون “اللقاء” فنتعرف من خلاله عن كيفية التقاء شادي بعمر ووالدته. وقد وضعت الكاتبة بين فصل وآخر عبارات دلالية لها علاقة بأحداث كل جزء، وكل عبارة منها تشير إلى حكمة أو موعظة ذات بعد فكري عميق. ونظرًا لأهمية هذه العبارات آثرت أن أدرجها هنا كما جاءت بترتيبها في الرواية.

“كثيرة هي محطات الحياة..محطةٌ يعاني فيها الإنسان من الحزن الّذي يكاد يعتصر قلبه وأعماق نفسه ألمًا. وإذا بفرحة تجعل نفس هذا الإنسان الّذي كان حزينًا بالأمس، يكاد اليوم يطير فرحًا وكأنه سيلامس السماء بسبب حدث مفاجئ منحه الأمل”. “ترى من يحيا داخل من؟ الوطن هو من يحيا فينا أم نحن من نحيا داخله؟ أم أننا نبعد عن أرض الوطن جسدًا؟ ونبقى فيه روحُا وفكرًا، حبًّا وانتماءً وولاءً؟”

ثم تقول في عبارة أخرى:
“من منا لا يحتاج أن يحب وأن يشعر بحب الآخرين له؟ إنه الحب إكسير الحياة.” “حياة كل منا لا تخلو من لحظات حلوة وأخرى مرة، ولحظات ألم ولحظات أمل.” “خلقنا الله نتشارك في الإنسانية لنتعاون ونتكامل ونتعاون بالرغم من كل اختلافاتنا وخلافاتنا.” “لا تسمح لليأس أن يجد ثغرة ينفذ منها إلى قلبك. إذا ضبطت نفسك متلبسًا بالشعور بالإحباط، فلا تستسلم.” “ما أجمل أن تدرب نفسك على مهارة التنقيب عن الأمل حتى في أحلك الظروف!” “الوطن ليس فقط مكانًا يحتل موقعًا جغرافيًا على خارطة العالم، إنه مكان وزمان يحتل ما شاء من مساحات على خارطة القلوب.”

عنصر التشويق كان طاغيًا، بحيث يشد القارئ إلى آخر حرف في الرواية دون ملل، السرد كان كثيف الأحداث في البداية ولم يتطرق إلى التفاصيل؛ الأمر الّذي يحث على مواصلة القراءة حتى النهاية، وإعطاء الفرصة لطرح العديد من الأسئلة، مثل، من هو عم شادي “خالد” الّذي أراد أن يصبح مهندسًا مثله؟ لماذا ترك شادي المدرسة؟ وأين وطنه الّذي غادره ولماذا غادره، أية حرب خاضتها بلاده؟ وبهذا تتصاعد الأسئلة في فكر القارئ وتزيد من فضوله للتعرف على بقية الأحداث دون ملل. ولا شك أن الكاتبة لديها خيال واسع؛ رغم أن القصة تستند على أحداث قد تكون واقعية، إذ استطاعت التعمق ببراعة في سير الأحداث وسبر أعماق الشخصيات وخلق سيناريوهات وحوارات متخيلة محتملة.

العبرة والدروس المستقاه من الرواية

استطاعت الكاتبة أن تصل إلى أهم ما يمكن طرحة من خلال أحداث الرواية؛ وهو بث الرسالة الّتي يمكن إيصالها إلى الفتيان والّتي كان من أهمها؛ زرع الأمل في النفوس، وعدم فقده مهما تكالبت على الإنسان الظروف السيئة، تعزيز أهمية الثقة بالله، التركيز على الروح الإنسانية، فالإنسان إنسان ولا يهم من أي البلاد أتى وتستشهد بأغنية الفنان محمد منير ” يهمني الإنسان، ولو ملوش عنوان”.
كما تؤكد على أن الإنسان يمكن أن يفتح آفاق الأمل وأبواب النجاح للآخرين كما فعل الأستاذ فارس والسيدة أمل مع شادي.
تعزز الرواية التمسك بالصبر، وعدم اليأس من رحمة الله، وتبين بأن التعاون مطلوب من الأغنياء لإنقاذ الطفولة، وقد اتضح لنا ذلك من خلال الخطوات الّتي اتخذتها السيدة أمل ووالدها وعملهما على التواصل مع المؤسسات المختصة لإنقاذ الأطفال من التسول في الشوارع بما في ذلك مساعدة شادي في دراسته.
كما أشارت إلى أهمية التطوع من خلال تسليط الضوء على اللمسة الإنسانية الّتي امتاز بها أبو عمر الّذي يعمل طبيبًا في الإغاثة لمساعدة المرضى والفقراء.
كما أكدت الرواية على أهمية القيام بمساعدة الآخرين والابتعاد عن التمركز نحو الذات والنرجسية. وبينت الكاتبة أيضًا مدى أهمية
التشجيع على ممارسة الهوايات كالموسيقا كما هو الحال مع عمر والرسم عند شادي. وحثت أيضًا على وجوب العناية بالطفولة والاهتمام بصحة الطفل النفسية. أيضًا نبذت الأنانية وحثت على حب الخير للآخرين، وقد لمسنا ذلك من خلال السيدة أمل الّتي شجعت شادي على دخول مسابقة الرسم في إحدى المجلات.
وضحت أيضًا أن كل شخص في هذا العالم لا بد أن يكون له دوره في إصلاح المجتمع وأن تكون له رسالة ذات قيمة تنهض بها الأمم؛ قد تكون من خلال الرسم أو الكتابة أو التطوع.

لغة الرواية كانت سهلة ممتنعة، وتشمل مفردات تثري معجم القارئ. كما أن الرسومات كانت متوافقة مع سير الأحداث، الخط جاء واضحًا ومناسبًا في الحجم.
تعتبر الرواية إضافة قيمة إلى رفوف المكتبات العربية في مجال روايات الفتيان، وهي تحمل رسائل تربوية مهمة إلى البشرية جمعاء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى