سياسة

البطل في انتخابات مجالس المحافظات

مسألتان تبعث على السخرية والاستهجان في مهزلة الانتخابات التي نُظمت في ١٨ كانون الأول ٢٠٢٣

سمير عادل| العراق

الأولى هو البحث عن البطل في هذه الانتخابات، وليست معرفة من هو المنتصر فيها ومن هو الرابح، لأنه في جميع الانتخابات التي أجريت وصُدعت بها رؤوس الاحياء في العراق خلال ما يقارب عقدين من الزمن، كان الرابح والمنتصر معروف سلفا حتى قبل اجراء الانتخابات، والحمقى وحدهم كانوا ينتظرون فتح صناديق الانتخابات، وبعكس جميع الانتخابات التي تجري في بلدان العالم، فمن يشكل الحكومة سواء كانت مركزية او محلية، ليس صناديق الانتخابات ولا الرابح ولا الخاسر، إنما من يسرع في فتح تلك الصناديق.

وهنا لابد الكشف عن اسم البطل، ليس حزب تقدم الذي تمثله جماعة الحلبوسي ولا دولة القانون المتمثلة بجماعة المالكي او قائمة جماعة هادي العامري التي تتقاسم السلطة والثروات فيما بينها، إنما البطل هو المفوضية المستقلة للانتخابات، فهي من أعلنت ان نسبة المشاركة ٤١٪، ولن يكترث أحد لما تشير ارقام أخرى أن نسب المشاركة لا تتجاوز ١٧٪ وأطراف أخرى تشير أن نسبة المشاركة لا تتجاوز ٩٪، فمن يمنح الشرعية هي النسب التي تعلنها المفوضية للفائزين والخاسرين وكل العملية الانتخابية.

وبمنطق بسيط إذا كانت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في ٢٠١٨ و٢٠٢١ لم تتجاوز عتبة ١٢٪ وباعتراف مراقبي الاتحاد الأوروبي حينها الذين عبروا عن أسفهم عن عزوف الجماهير عن الانتخابات، وفي هذه الانتخابات قاطعها التيار الصدري والجماعات القومية مثل اياد علاوي وغيرهم، إضافة لم تحدث اية تغييرات لصالح الجماهير بعد تلك الانتخابات كي يتجدد عندها الامل بالتغير عبر الية الانتخاب، فكيف تمت مشاركة ٤١٪ من جماهير العراق في هذه الانتخابات، فبالتأكيد العلم عند المفوضية!

اذن ان وظيفة المفوضية غير المستقلة للانتخابات ليس فقط الاشراف على الانتخابات فحسب، بل وظيفتها الاصلية هي إخفاء حقيقة نسبة المشاركة، وبهذا تعتبر بطل هذه الانتخابات بامتياز دون أي منافس آخر.

ان اجراء هذه الانتخابات وبغض النظر عن عدم شرعيتها بسبب قرار مسبق للبرلمان على المصادقة على برنامج حكومة السوداني في إجراء انتخابات مبكرة خلال سنة، هو عملية التسابق مع الزمن، ومسعى من المساعي لطي صفحة الصراعات التي ألقت بظلها على المشهد السياسي منذ انتفاضة أكتوبر ٢٠١٩ وحتى نتائج انتخابات ٢٠٢١ والتي أقصى فيها الرابح الأكبر وهو التيار الصدري وتوج الخاسر الأكبر وهو تحالف الأحزاب والمليشيات الإسلامية الموالية لإيران لتشكيل الحكومة.

وهنا تأتي المسالة الثانية، او المهزلة او السخرية الأخرى في هذه الانتخابات، فتحالف الأحزاب والمليشيات الإسلامية المتجمعة بالاطار التنسيقي، بدأت تتفاوض او تتحاور لا مع الأطراف الفائزة في الانتخابات بل مع التيار الصدري الذي قاطع الانتخابات، وتحاول استمالته عبر إبقاء المحافظين او رؤساء الحكومات المحلية الذين ينتمون الى التيار الصدري مثل النجف والعمارة وغيرها من التي تحتفظ بحصة الأسد في مجالس المحافظات، للحيلولة دون تعكير صفو خطتها في تصفية آثار انتفاضة أكتوبر، واثبات مصداقيتها واهليتها أمام تنفيذ مشاريع المؤسسات الدولية سواء المالية منها او السياسية. وهذا يثبت ما ذهبنا اليه ان الانتخابات هي عملية شكلية لطمأنة المؤسسات الدولية من جهة، ومن جهة أخرى مسعى لترسيخ سلطة هذه الجماعات. وتعكس هذه المساعي ان المشاركة في الانتخابات ليس هدفها تحقيق برنامج سياسي وخدمي للجماهير بل هو محاولة لتوسيع مساحة السرقة والنهب على صعيد الحكومات المحلية بعد أن استتب أمرها في الحكومة المركزية.

وعلى الجانب الاخر هناك محاولة حثيثة لوضع جماهير العراق في دوامة سياسية، كان لها اول، عندما تم غزو واحتلال العراق وتنصيب هذه الجماعات عليها، ولكن ليس لها اخر، عبر المسرحيات الانتخابية التي تنظمها بين الفينة والأخرى، وانتزاع اية إرادة ثورية بالتغيير عبر أسرها في إطار بديلها.

الا ان (الحقيقة المرة) في المقاطعة العظيمة للجماهير في هذه الانتخابات، بالنسبة للنخب التي تتباهى بثقافتها وتضع نفسها بخانة المثقفين وتصنف نفسها بالليبراليين والمدنيين والديمقراطيين، فشلت بجر الجماهير الى بحر اوهامها الغارقة فيها هي قبل غيرها، وفشلت في جرها أيضا الى مستنقع العملية السياسية ولعبتها الهزيلة التي تسمى بالانتخابات، وفي نفس الوقت وبموازاتها فشلت الماكنة الدعائية والإعلامية والمليشياتية لجماعات الإسلام السياسي التي نظمت المناسبات الدينية وأنفقت على فضائياتها وكل إعلامها بنشر الخرافات والخزعبلات في المجتمع، والجماعات القومية في خداع جماهير العراق مرة أخرى كي تكون جزء من مشاريعها الطائفية والقومية، وبنفس القدر فشل المشروع الذي وضع عليه يافطة كبيرة وهو “الديمقراطية” التي اختبرتها جماهير العراق بانها ليست أكثر من لعبة لإدامة استمرار سلطة نفس الجماعات.

ان مسالة التغيير جزء من مسعى الانسان، وأن كل ما تفعله هذه القوى الطائفية والقومية المقيتة، وما تنظمه من مسرحيات مختلفة سواء كانت انتخابات او إطلاق العنان لميليشياتها أو رفع الرايات المزورة حول تحرير فلسطين او نشر الأكاذيب والتضليل حول تخفيض الدولار، لن تستطيع ان تسكت او تقف امام عجلة ذلك المسعى، فمن أشعل فتيل انتفاضة أكتوبر، بإمكانه اشعال شرارة عملية التغيير الجذرية، وهي ليست الا مسألة وقت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى