الثّقافة وتفريغ المبدعين

جميل السلحوت | فلسطيم المحتلة
كتب الشّهيد ماجد أبو شرار مجموعة قصصيّة بعنوان “الخبز المرّ” وكتب الرّاحل المغربي محمد شكري “الخبز الحافي”، وإن اختلفت منطلقات كليهما باختلاف بيئتيهما وظروف معيشتهما واهتمامات كلّ منهما، إلا أنّهما توحّدا أمام رغيف الخبز، وذات يوم من عام مضت عليه عقود، كان عدد من الأدباء في ضيافة أديب مصريّ كبير، وبينما هم جلوس في صالة الضّيافة يتحاورون في أمور شتّى، دخلت طفلة المضيف بنت السّنوات الثلاثة، ووقفت فوق كنبة ترقص مقلّدة راقصة رأتها في أغنية على التّلفاز، فقال لها أبوها الأديب مازحا:”ارقصي يا بنت الكلب حتّى تعيشي، فدخل راقصة في الليلة الواحدة يزيد على دخل والدك طيلة حياته” ونحن هنا لا نقلّل من قيمة الرّقص الفنّيّ الملتزم وليس الخليع، إنّما نورد هذا المثال لتبيان الوضع الاقتصاديّ المتردّي للأدباء في بلاد العربان، في حين أنّ أقرانهم في بلدان ناهضة يملكون الملايين ويعيشون ترف الحياة، ويزدادون إبداعا، لذا فإنّنا ومن باب خداع الذّات نجد بين ظهرانينا من يُنَظِّر “بأنّ الحرمان يلد ويفجّر الإبداع” وكأنّ حرمان الأدباء العرب من حقّ العيش الكريم شرط لإبداعهم، ودون الالتفات إلى أنّ مئات ملايين المحرومين عندنا وعند غيرنا لم يبدعوا، لأنّ الفقر أساس المصائب كلّها.
ونحن هنا بصدد واقع المبدعين ومنهم الأدباء، فجزء من مبدعينا يعاقب على إبداعه بدلا من مكافأته، وأحد الشّعراء العرب حُكم عام 2013 خمسة عشر عاما؛ لأنّه كتب قصيدة تعرّض فيها لسياسة رأس السّلطة في بلاده، وكثيرون من المبدعين محرومون من العمل في وظائف رسميّة، لأنّه مشكوك بولائهم للنّظام، ومن يستلم وظيفة فإنّه غالبا لا يحصل على دخل يوفّر له حياة كريمة. وفي الأحوال كلّها فإنّه لا يجري تفريغ المبدعين وتوفير دخل لائق لهم، كي يتفرغوا لتنمية قدراتهم ومواهبهم الإبداعيّة، وبالتّالي سينتجون إبداعا لائقا.
وعندنا في فلسطين فنّانون مسرحيّون وكتّاب وفنّانون تشكيليّون…إلخ، مبدعون يعانون البطالة والعوز، ويمارسون أعمالا لا تليق بمواهبهم وقدراتهم للحصول على رغيف “الخبز المرّ”، فأحد الفنّانين المسرحيّين “يبيع الكعك” متجوّلا في شوارع مدينة القدس على سبيل المثال، وأحد الشّعراء يدخن”الهيشي” لأنّه لا يملك ثمن علبة سجائر….إلخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى