د. أمل سلمان| أكاديمية وناقدة عراقية
في الحقيقة لفت انتباهي مقال منشور في جريدة الصباح الثقافي، يوم أمس الجمعة المصادف ٩ شباط ٢٠٢٤، بقلم الكاتب أحمد عبد الحسين عنونه بـ(عملية تجميل فاشلة)، في إشارة منه للمجموعة الشعرية الكاملة للشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد، التي اعلنتْ دار سطور للنشر والتوزيع في بغداد عن نيتها في إصدارها مطلع هذا العام، هذه المجموعة الشّعرية الكاملة في ثلاث أجزاء، إعداد ومراجعة، عبد الرزاق الربيعي وعلاء الفريجي، وتحقيق عروضي لكريم راهي، حاول القائمون على إخراج هذه المجموعة رفع كل ما يتعلق بقصائد المدح لصدام حسين ونظام البعث، وهذا بلا شك من متطلبات المرحلة التي نحياها.
إلا أن السيد الكاتب أحمد عبد الحسين، عدّها عملية تجميل فاشلة وتزويرا في وثيقة مهمة ومحاولة لخلق نسخة جديدة نظيفة من عبدالرزاق عبد الواحد – على حد تعبيره – معتبرا إياه:” أمثولة على انحطاط الشعر ومثالا على ما يفعله غياب الموقف السوي بصاحبه ” وعدّ صدور هذه المجموعة، استيلاد عبدالرزاق عبد الواحد جديدا، غضّا مُبرِّئا من دنس جرائمه، وانهال طعنا في شاعر القرنين، بقوله:”عبد الرزاق عبد الواحد من دون شوارب صدام سيبقى ناقصا”.
وأنا أقول للكاتب الكريم، ما هكذا تؤخذ الأبل يا أستاذ؟!، فأنت أصبت الحقيقة في جانب وابتعدت عنها في جوانب كثيرة، فلك الحق أن تعترض على رفع القصائد البعثية والمدحية، فهي تمثل شطرا من منجز الشاعر، لكنّي أرى طبيعة المرحلة والنظام السياسي الذي نعيشه يتطلبان ذلك، لكنك في الوقت ذاته قسيت جدا في جلد الشاعر وتعذيبه من دون أي موضوعية، ولي عليك تحفظات كثيرة، أرجو من صدرك أن يتسع لي في مناقشتها وهي على النحو الآتي:
أولا: مسألة سلوكيات الشّاعر مع السّلطة،مسألة موجودة على مراحل التأريخ المختلفة، بدأتْ منذ تبلور السّلطة في أشكالها المختلفة، وإن وقفنا على شواهدها فسيطول الحديث، ففي العصر الجاهلي نجد النابغة الذبياني الذي لقب بشاعر البلاط، على الرغم من كونه سيدا في قبيلته ، فإذا ما وقفنا عند العصر الأموي، فسنجد أنّ كلّ حزبٍ سياسي اتخذ شاعرا ينطق باسمه، وهل تخفى شخصية جرير الذي عَدّ عبد الملك بن مروان، أكرم الناس وأشجعهم وقال فيه بيته المشهور:
ألستُم خيرَ من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راحٍ
وفي العصر العباسي حدث ولا حرج، وقصّة المتنبي مع سيف الدولة والبحتري مع المتوكل وأبي تمام مع المعتصموغيرهم الكثير، وليتهم وقفوا عند هذا الحد فقط، إذ نجد الازدواجية والمواقف المتناقضة في ذم سلطة ومدح اخرى، أو مدح السلطة ثم الانقلاب عليها، وقد استمرت الخطابات الموجهة لأصحاب الشأن إلى يومنا هذا.
أيغفرُ التأريخ لكلّ هؤلاء ونجلد الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، كلّما سنحتْ لنا الفرصة؟
ثم أراني اعتقد أن الشّاعر عبد الرزاق كان أستاذا لصدام حسين فهو أعظم مقاما وأعلى شأنا من جميع النواحي، الاجتماعية والثقافية والفكرية، وكان الرئيس نفسه مدركا هذه الحقيقة.
ثانيا: في لقاء بثته إحدى القنوات الخليجية مع الشاعر عبد الرزاق، بعد الاحتلال الأمريكي، عندما سُؤل الشاعر، من هو سيف دولتك الآن؟ فأجاب: كُسِرَ
قال: كان لدي وكسر، لم يبق لدي سيف دولة الآن ، كنت أعتقد الرئيس العراقي الراحل كان سيف دولتي وفعلا كتبتُ له وأسقطتُ حلمي بالبطولة عليه مثلما أسقط المتنبي حلمه بالبطولة على سيف الدولة، فموقف عبدالرزاق عبد الواحد لا يختلف عن موقف المتنبي وغيره، فلماذا لا نقبل من عبد الرزاق ما نقبله من المتنبي، أين يكمن الخلل؟!
يقول: عبد الرزاق عبد الواحد:
مَنْ يعرفُ العراق ؟
يعرفُ كيف تلتقي السُّهول والجبالْ
الضّوء والظِّلالْ
الواقع والخيالْ
والممكن والمُحال ..؟
هو العراقُ، سليلُ المَجدِ والحَسب
هو الذي كلّ من فيه حفيد نبي !
فيا سيادة الكاتب، أدعوك لتأمل قصيدته هذه (سِفر التكوين) وحدها فستغفر ربُّما، وإذا أردت الاستزادة فتأمل مسرحيته الحُرّ الرياحي، وقف قليلا في رحاب قصيدته الحسين فربّما يُزال عن عينيك غبش الحقد والكراهية.
ثالثا: المجموعة إن صدرتْ بإذن الله، فهي من جمع وإعداد، شاعر معروف وأديب متمكن وصحفي كان ممّن عاصر الشاعر، وهو عبدالرزاق الربيعي، وأنا كلي ثقة بعمله هذا الذي سيجتهد هو وفريقه على إخراجه بأبهى صورة وأجمل حلّة، فالمطالبة بتهميش شاعر بمنزلة عبدالرزاق عبد الواحد وتحجيمه ما هو إلا شكل من أشكال الديكتاتورية.
رابعا: إذا كنت يا أستاذ أحمد حريصا على إخراج ما تبقى من شعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي قاله في مدح الرئيس السابق ونظام البعث، انتصارا للتأريخ وحتى يكون شاهدا على تلك المرحلة مثلما تدعي فمن السهولة أن تجمعه وتخرجه في مجموعة خاصة بذلك فليس في الأمر أيّ حرج ٍ، وستحسب خطوة مباركة لك.
دمت أصيلة راقية تنشر صحائف الحب والتسامح
أحييك دكتورتنا المثابرة والناقدة المبدعة
دمت أصيلة راقية تنشر صحائف الحب والتسامح
أحييك دكتورتنا المثابرة والناقدة المبدعة