فكر

أن تكون شيئاً مذكورا

أ.د.محمد سعيد حسب النبي| أكاديمي مصري
في قصة للكاتب الكبير والأديب الروسي “مكسيم جوركي” وردت عبارة على لسان البطل جاء فيها: “ما أجمل أن يكون الإنسان شيئاً مذكوراً في هذه الأرض وبين هؤلاء الناس”. والفكرة التي عبر عنها البطل لطالما شغلت الإنسان، حيث لا ينتهي بحثه عن البقاء وتحقيق الذات، وذلك وفقاً للحاجات الأساسية التي أشار إليها عالم النفس المرموق “ماسلو”. وتحقيق الذات يأخذ صوراً متعددة، منها ما هو غريزي يتمثل في رغبة البقاء والاستمرار من خلال الأبناء؛ فهم الامتداد الطبيعي لحياة الإنسان الذي يسعى لتحقيق ذاته في أبنائه، وتعويض ما فاته في نسله وذريته.
ومن الصور الشائعة في تحقيق الذات ما نراه في الرغبة في اعتراف الآخر بوجود الإنسان، وذلك من خلال الإقرار بعمل من أعماله، ومدحه والثناء عليه. واعتراف الآخر بإنجاز الإنسان لون من ألوان الشعور بالرضا عن النفس، والشعور بالوجود وتأكيد ذلك من خلال الآخر.
والشخصيات الرائدة في التاريخ والتي حققت ذاتها ذابت في أعمالها، مؤمنة بما تقوم به. لقد تعودت على العطاء والعمل الجاد، وقد حرمت نفسها في سبيل مجدها من كثير من رغبات النفس المعتادة، وزهدت مما في أيدي العاديين من الناس. ومن هؤلاء الروائي الروسي “دستويفسكي” والذي كان من أبدع كتاب عصره، وستبقى أعماله نبعاً لا ينضب للمعرفة الإنسانية، وتحليل نزعاتها المختلفة، واستكشاف أبعادها النفسية المتغايرة. وبإطلالة متعمقة لحياة “دستويفسكي” سنلحظ أنه عاش حياة قاسية لا حنان فيها ولا استقرار، وقد طاردته الضغوط النفسية والديون الثقيلة، إنها ضريبة المجد والشهرة والمكانة الأدبية والقيمة المعنوية بين الناس.
ومن اللافت هنا أن بعض الناس يسعى إلى الشهرة فيجعلونها هدفاً في حد ذاته، وهؤلاء لا يصلون إلى شيء غير البريق الزائف والضوء الخاطف الذي لا يلبث أن يزول ويذهب جفاء ورماداً تذروه الرياح، وأما ما ينفع الناس وما يصلح أحوالهم فيمكث راسخاً في الأرض وبين صفحات التاريخ.
وبناء المجتمعات على أسس رصينة يحتاج إلى هؤلاء المخلصين الراغبين في العمل والبناء، الذين لا يبحثون عن ظهور زائف، وإنما يتنازلون عن فرديتهم وذاتيتهم ونزعاتهم الشخصية، يبذلون الكثير من الجهد، ويحرمون أنفسهم من متع الحياة على اختلافها، وقد تشبعت نفوسهم بطموح النهوض بالمجتمع، يصارعون رغباتهم النفسية، ويواجهون عقبات لا تنتهي في الحياة، عقبات قد تبدو أحياناً منظورة، وفي كثير من الأحيان غير واضحة ولا منظورة. إن تحقيق الذات عند هؤلاء يكمن في رخاء المجتمع وتطوره وأمنه وازدهاره، وتنمية قدرته على مواجهة المستقبل بإمكانيات متفردة. إنهم أصحاب المبادئ العليا والأهداف السامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى