الحياة الشخصية والحياة المهنية.. توازن وتفاعل
محمد عبدالله المرزوقي
باحث دكتوراه- الإمارات العربية المتحدة
تعد عملية تنمية الموارد البشرية وتطويرها من أهم محاور التخطيط الاقتصادي والاجتماعي في الدول المتقدمة، ومن ثم فقد زاد اهتمام المسؤولين بتلك الدول بأساليب تنمية قدرات القوى العاملة مع مراعاة العوامل النفسية والاجتماعية، وذلك بهدف تحسين الأداء الوظيفي للعاملين. كما اهتمت الإدارات بطرائق تحفيز العاملين وإثارة دوافع العمل لديهم لتحقيق الرضا الوظيفي وتنمية مشاعر الانتماء لديهم.
ونتيجة لتطور الحياة والتزاماتها مهنياً وأسرياً؛ فقد ظهرت تحديات كثيرة من أبرزها إشباع الحاجات الشخصية والمهنية المتعددة والمتنوعة، ولاشك أن تحقيق الرضا الذاتي يؤثر على الحياة الشخصية للفرد، وهذا يعني أن نجاح الموظف في الوفاء بمتطلبات العمل، وقدرته على إشباع التزاماته الأسرية يسهم في إحداث التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية. وفي غياب هذا التوازن، تضطرب الحياة المهنية عند الموظف، وتنعكس سلباً على حياته الشخصية والأسرية، وبالتالي يفقد القدرة على الوفاء بمتطلبات المهنة ومتطلبات الحياة الشخصية.
ومن أسباب عدم قدرة الفرد على عمل توازن بين ما هو مكلف به من عمل وظيفي، وما هو مكلف به من أدوار اجتماعية هو ما يلاقيه من ضغوط في عمله وحياته، وذلك ناتج عن العمل ذاته، أو لأسباب خارجه عن إرادته، مثل عدم تقبل الموظف لمعاملة رئيسه، أو عدم تقبله لوضعه لوظيفي، أو لضعف راتبه، كما أن هناك أسباباً أخرى مثل الظروف المعيشية الصعبة التي تنهك كاهل الفرد أو الفوضى أو الضوضاء أو التنافس والخلافات الشخصية والعائلية.
وقد جاءت فكرة التوازن بين الحاجات الأساسية للفرد بناء على ما أشار إليه “ما سلو” في هرمه، حيث أشار إلى عدد من الحاجات الأساسية التي يسعى الفرد إلى إشباعها، ومن بينها الحاجات الاجتماعية من صداقة وعلاقات أسرية (الحياة الشخصية)، والحاجة إلى التقدير وتحقيق الذات (الحياة المهنية).
وإحداث التوازن بين الحياتين غاية في الأهمية؛ ففي غياب هذا التوازن ستتحول حياة الشخص إلى جحيم لا يطاق، فلا راحة في عمله، ولا راحة في بيته، مما يشكل ضغطاً عصبياً ونفسياً، وقد عرّف المختصون الضغوط بأنها: عملية تعارض تفسد على الفرد سعادته وصحته النفسية والبدنية، وتحدث عندما يطالب الفرد بعمل يفوق إمكاناته العادية.
والضغوط التي تأتى من عدم التوازن تكون سبباً مهما من أسباب رغبة الشخص في إحداثه، لأن الشخص يعد كل هذه الضغوطات النفسية والعصبية لابد أن يتعرض لعدد من الأمراض الجسدية والنفسية، ومن أهمها كما يقول علماء النفس سرعة الغضب والانفعال حيال المشاكل البسيطة، بالإضافة لضعف طاقته وقلة إنجازاته، وفقدان السيطرة على الأمور والمتطلبات التي تفوق قدرته على التحمل. أيضا تحدث للشخص ردود فعل جسدية غير مرغوب فيها كسرعة خفقان قلبه، واهتياج معدته، وتصبب عرقه، والرجفة والصداع والطفح الجلدي وانخفاض قدرته على التركيز، وعلى إصدار القرارات.
كما أن عدم القدرة على إحداث التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية يؤدي إلى الاحتراق النفسي، وهي حالة الإحباط والتعب الناتجة عن الإنهاك في نمط الحياة أو علاقة تفشل في إنتاج العوائد المتوقعة، كما يمكن اعتباره إفراط الفرد في استخدام طاقاته حتى يستطيع تلبية متطلبات العمل الزائدة عن قدرته.
من أجل هذا كله جاء كتاب “الحياةالشخصيةوالحياةالمهنية.. توازن وتفاعل” ليعرض لهذه القضية، ويضع الحلول الممكنة التي تسهم في إحداث التوازن بين الحياة الشخصية والحياة المهنية، مما يقود إلى تحسين الأداء الوظيفي للموظف،وينعكس إيجاباً على تطوير القطاع الإداري في المؤسسات الحكومية والخاصة في الدول الساعية لذلك.