أدب

الغراب البليد

قصة قصيرة

د. آمنة يوسف/ أكاديمية من اليمن
في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، كانت الرحلة، وكنتُ أظن أن هذه الرحلة ستطفئ لهيب ظمأي العاطفي وتُنسيني عذاباتي، وطيش أحلامي وأنني أنثى لها سنُّها الثلاثيني، الممكن، آنذاك لإقامة علاقة عاطفية كالتي كانت تنتشي بها وهي تتابع الأفلام المصرية القديمة والتي كان في مقدمة أبطالها المُحبّبين إلي… عبد الحليم حافظ وعمر الشريف وشكري سرحان…من الذكور وشادية وزبيدة ثروت وفاتن حمامة من الإناث…. والقائمة تطول.
*
وصلنا ليلاً بالباص السياحي من القاهرة إلى شرم الشيخ، وألقينا بأنفسنا على أسرَّة الغرف في أحد الفنادق السياحية التي كان القائمون على الرحلة قد حجزوها لنا.
*
في الصباح دخلت أنا وصديقتي إلى البوفيه المفتوح لتناول وجبة الإفطار التي أحيتها فرقة موسيقية يتصدرها شاب بدا لي أنه وسيم جداً، أنا التي كنت أرتدي حجابا لغطاء الشعر حسب أوامر القائمين على الرحلة.
فجأةً وجدت الشاب الوسيم الذي بدا لي أنه قائد هذه الفرقة أثناء عزفه على آلة الجيتار…يحدِّق بي، فطرتُ فرحاً، لم أكن واهمة لسببين : صديقتي التي كانت تجلس معي أمام الطاولة قالت لي مشدوهةً : انظري انظري، إنه يحدّق بك ويبتسم، فارتبكت في البداية ثم تلفَّتُ من حولي إلى الحضور فوجدتهم على اختلاف جنسياتهم غير العربية ( كما بدوا لي ) يبتسمون بحب لهذا المشهد الرومانسي فزاد فرحي حتى إنني نسيت الخجل وما يقتضيه ارتداء الحجاب من ( الحشمة المفتعلة !! ) وأخذت أصفق بحرارة وأبادله الابتسام وأحلق في سماوات العاطفة البريئة والفياضة كما بدت لي وللحاضرين …إلى أن أنهى عزفه على الجيتار ثم خرج من البوفيه المفتوح فوجدتني ( أنا المحجبة الخجولة ) ألحق به وأستوقفه، قلت له : كنتَ رائعاً في عزفك !!
وإذا بي أواجه صفعة شديدة الحرارة من يد القدر لأكتشف أنني كنتُ واهمة، واهمة للغاية !! وأن عازف الجيتار كان ديكورا في البوفيه المفتوح لأنه وسط الأضواء وبابتعاده عني ظننت أنه قد يكون صورة لعبد الحليم حافظ أو حتى فريد الأطرش، لكن هذا الذي لحقت به كان شيئاً مختلفا، عرفت ذلك حين اقتربت منه وحين سألني بصوت أجش، خشن وبكلماتٍ مُكسَّرة وبلكنة تعجُّ بالخشونة : من أين أنتِ ؟!! فأجبته وأنا أرغب في الفرار من هذا الصوت البشع : أنا يمنية !! فرد علي : يا با نية ؟؟؟!!! فصعقني سمعه الضئيل، لكنني تماسكت وأنا أوضح له أنني من دولة عربية اسمها : ا ل ي م ن !!!
تقع في جنوب الجزيرة العربية، فلم يفهم كلامي ولم أرغب في المزيد من التحدث إلى هذا الغراب البليد !!
وعدتُ نعم عدتُ إلى صديقتي مكسورة الخاطر وأنا أحكي لها عن وهمي الذي رافقني منذ أن كنت في مرحلة المراهقة التي من المفترض لها ( في عام هذه الذكرى ) أن تكون قد انتهت وأنني قد تجاوزتها تماما.

اليمن / صنعاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى