أدب

لعنة العالم

قصة قصيرة: فاطمة البسريني | المغرب
ما أوسع الزمن وما أضيق فرحي بك.
عندما تتألق عيناك، ينشر إلي وميضهما، أحدس أحزانك الهفهافة، وها أنا أمشي على هذا الرصيف، شجرة ولوعة، يسكن صدرها الحب الأبيض واللهفة، ولكنها بقدر ما تحبك تكرهك.
هذه أغصاني وفروعي الملتفة حولي، صنعتها لنفسي بنفسي، وقلبي يرتعش تحت الشمس العارية.
من ألوف الأعوام، عرفت مدى أحزانك السرية، ومدى توقك لاعتناقي، لكن عينيك المتوهجتين أطفأتهما آلاف النساء قبلي وما حبنا البائس إلا صورة احتجاج على زمن يلوي قمة الشجرة الصابرة، المكابرة، ويقضم بأسنانه الكريهة كلماتها ومواقفها، ويكتم صوتها المخنوق في عالم مظلم حالك، وينزع أغصانها، أطفالها.
هاذي الشجرة ترقد على منضدة، وهذا رجل بشري، يفسر لها:
ــالسعر غير مرتفع، يجب أن تتخلصي مما تحملينه هذا الأسبوع على الأكثر، لا تنسي أنك شجرة أمها الوحيدة التعاسة، وهذا زمن مفاجئ، وهنا في رحمك، يكبر شيء ما…
ــ عودي إلينا وسط الأسبوع..
في ذلك الشتاء الحزين تضم أغصانها بزهو وشقاء بديع..
وسارت إلى الرصيف، وهي منكسة الرأس، تحس بالذل ينخر صدرها، على قارعة الطريق صارت شجرة معبأة بالهوان والانتهاك..وفي ذلك اليوم الخاص من وسط الأسبوع، كانت المشارط تعمل في رحم الشجرة بقوة الريح العاصفة وكان دمها ودم طفلها يسيل …
ــ 2 ـــ
كانت الشجرة تسبح في غيبوبتها الناتجة عن المخدر الذي وضعته تلك المرأة السمينة، القاسية الملامح في ذراعها، كانت تعرف أنها تنشطر بين ماض ومستقبل.. وكانت خارج الحاضر أيضا.. وفتح الرجل الماهر، الذي لا يبتسم، أغصان الشجرة وربطها بقوة بعيدا بأشرطة بيضاء.. وكانت هناك مشارط وسكاكين، وكان سيوف وقنابل وزلازل وتحطيم وتدمير وتهشيم، و انتزاع من الحياة إلى الموت.
وسمعت الشجرة قهقهة الموت وأصابها دوار عنيف يقترب من جدعها بكل طقطقة الحديد.. وفتحت عينيها أخيرا، لترى نهاية القهقهة الكبيرة على فم الرجل الحجري الصلب، الذي لا يرتاع لمنظر كتل اللحم الصغيرة والدم الممزق في طبق من الألومنيوم .
انتهى كل شيء أيتها الشجرة، فعودي بهدوء إلى الرصيف المعهود وانتظري بجدع خال، مقفر إلا من رياح همجية تجول وتصول فيه ولتحل بك لعنة هذا العالم العليل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى