أدب
جرن الغياب.. قصة قصيرة

ھدى حجاجي أحمد| مصر
هذه الأرض خصبةٌ بالحب.
حبٌّ ينبت كالياسمين على أكتاف الكلام،
وحبٌّ يتسلّل إلى الليل كقطرةِ نبيذٍ ضالّةٍ في فمِ عاشقة،
وحبٌّ شوكيٌّ جارح، لكنّ رائحته تُسكر الجسدَ بالحنين.
ثمّة حبٌّ ورثتُه عن أمي.
كانت تدقّه في جرن الغياب،
تضيف إليه دمعتين وذرّة سُكّر،
وتقول لي: اشربيهِ، سيطهّركِ من الحزن.
كنتُ أظنّها تمزح،
لكنّي حين كبرتُ، أدركتُ أنّ الحزن لا يزول،
بل يتحوّل إلى طعمٍ حلوٍ في الذاكرة،
كقهوةٍ مُرّةٍ تعلّمكِ الصبر.
الليلة، حين اشتدّ البرد،
فتحتُ الجرنَ القديم،
كانت فيه رائحةُ أمي،
ورجفةُ قلبٍ أحبَّ العالمَ كلّهُ ولم يأخذ منه سوى الدعاء.
وحين سكبتُ الحُبَّ في فنجاني،
سمعتُها تهمس من بعيد:
“لا تخافي من الوجع يا ابنتي، فكلّ ما يُوجعكِ يعلّمكِ كيف تُحبّين.”




