أدب

شهوات وأحلام.. قراءة في نصوص علي سرمد (طحالب الميتافيزيقيا)

بقلم: قيس كاظم الجنابي
-1-
تستحوذ فكرة الشهوة والشهوات على نصوص علي سرمد (طحالب الميتافيزيقيا) الصادرة عام 2019م، من خلال الكثير من الجمل الشاعرية وصورها، والتي غالباً ما تقرن الشهوة بالأحلام/ الكوابيس/ السراب/ الخيال؛ في إشارة الى خيالات شهوية تذكرنا بالشاعر موسى شهوات، فثمة (شهوة للنار، شهوة الفاجر، شهوة الحب، شهوة الحياة، شهوة الموت ،شهوة الليل)،فضلاً عن مشتهيات الماء ،وبريق الشهوة، وشهوتك الخفية ، والاشياء اشتهي؛ ولربما ذكر تكر ذلك أكثر من مرة.
أما الأحلام، فقد جاءت بألفاظ وصور وعبارات عديدة، عبر بيان لغوي واضح ،من أجل ايثار العلاقة بين المعنى في الحلم والمعنى في تأويل الحلم، أو في مرآة الكلام وأخيلة الجنون؛ بوصف الحلم صورة من صور الاساطير وتجلياتها ، كما في (أسبق الحلم، خيط الاساطير ، الاحلام كضوء، نروف أحلامنا، أمام المرآة، رماد الاساطير، الجنون، أحلامي شرع، تقايض أحلامنا، مرآة الدم، الظل ، المرايا، الظلال، تماثيل الصباح، الميتافيزيقيا، سديم النص، خطوط التأويل، الكوابيس ، عشبة الخلود( عشبة جلجامش)، هذيان الموت، السراب، سلالة المعنى، جزر المعنى..).
يتكون العنوان من كلمتين : طحالب ،وهي نبات يغمره الماء ،وصورته تشبه صورة الحلم في المنام، وهو يطوف تحت سطح الماء، وكأنه يتسلل من وراء زجاج النوم ،أما الميتافيزيقيا فهي علم ما وراء الطبيعة ،ولربما يتعلق هنا بما وراء السرد أو الكلام، أو سرد الاحلام؛ مما يشير الى مستويين من الكتابة الشعرية :
الأولى، الشعر غير الميتافيزيقي ،أو غير الفلسفي.
والثاني، الشعر الما ورائي/الفلسفي، كما هو حال شعر خليل حاوي الشاعر والفيلسوف، يكون فيه هذا النوع من الشعر فيما وراء الواقع، بحيث ينسحب من واقعه الى واقع آخر ، أو في فضاء آخر تأويلي أو حلمي.
ومن هنا عبرت هذه النصوص تعبيراً واضحاً عن حكاية الشاعر الحالم الذي يصاب بالدهشة مما يجري من حوله، في الواقع حيث يجري تدمير الصلة بالآخر، وفقدان الثقة بالمستقبل لهذا آثر الحلم على الواقع/ما وراء الحكاية / ما وراء النص؛ بينما يحاول الجانب الآخر الضغط عليه لإيثار الشهوات حتى وان كانت شهوة الفناء/الموت.
-2-
تراوحت النصوص موضوع الدراسة بين الومضة المقتضبة السريعة الإيقاع، وبين النص المتسع ،ولكنه متعلق بها وخاضع لقدراتها، فالتركيز على اللمحة/ الإشارة / العلامة السريعة يبرز عبر الجملة المركزة المسبوكة بعناية ودقة، وهوما تتمحور عليه مجمل النصوص؛ كما يكشف عن ذلك الاستهلال الذي يتكون من ومضتين (1-2)، وفكرته الإضاءة لباقي النصوص، من خلال لعبة الضوء/الشمس والظل ،وهي لعبة لها صلة بالمشهد السينمائي ، كما في قوله:
الضوء
الذي يدخل من ذاكرة الفراغ
لن يكون أكثر
حرية من الظلام[ص7/ دار روافد، القاهرة 2019م]
من المفارقة هنا أن الضوء لا يستطيع ان يؤدي دوره ؛ فالظلام يهيمن على الحياة، أما النص الثاني فالشموس تسهم في إشاعة رائحة الموتى فيه.
يتشكل نص (منذ ألف عام) من عدة ومضات متتالية ترتبط جميعاً مثل ارتباط جمل الومضة بعضها مع البعض، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال اقتطاع مشاهد قصيرة من النص، ولتلافي هذا النوع من الخلل، جعل لكل مشهد لازمة (منذ ألف عام)،وهي لازمة مستقاة من عنوان النص، وان تلاشى ذلك في نهايات النص، وان بقي مضمرا بعض الأحيان، بحيث يبدو بناء النص عبر سلسلة من الإستذكارات والاسئلة والتنبيهات، مثل ( منذ ألف عام، ألم تر كيف، ها هو الطريق، وحدها الصحراء )، وفي نهاية النص يقول:
يبس الموت في محرابي
وتكسّر نصلُ الهواء في خاصرتي
وشدني خيط الاساطير نحو خطيئة النسيان
فلا شمس تدور
ولا أنا واقف[ ص12-13]
ثم يقول:
وترثي مضاجع العظام
لئلا أحلم أنا الآخر بمقبرةٍ
أشيدها عرشاً لأحلامي [ص13]
لعله يحلم بمقبرة أو بعالم ما وراء الطبيعة ، عالم الموت، فهو لا يحلم بشجرة أو بين أو مدرسة؛ فقد تحطمت أحلامه وتلاشت. وفي نصه (خارج التكوين) وغالب النصوص الطويلة يبدو فيها أقرب الى سلسة مترابطة ، كبلورة/ فص يرتبط بفص آخر مثل حبات المسبحة، حيث يقول في بدايتها:
حين كنت أستعيد شهوة النار
واستنزف الأسئلة
وأتسلل مثل الضباب الى سديم الكلمات
حاصرني الغزاة،
رموا كل بنادقهم في فضاء الحرف
وأخرجوا سهام الوقت من أنفاسهم [ص15]
ما يلاحظ على هذا النص أنه نص زمني، يبدأ بظرف زمان ( حين)، ثم تتوالى فيه الأفعال (كنت، أستعيد، استنزف ،أتسلل ، حاصرني ، رموا، أخرجوا)؛ فيتعانق الماضي بالحاضر لخلق صورة تستلهم (شهوة النار)، في إحالة الى نار الحروب التي يشعلها الغزاة، مما يعبر عن تعلق الزمن بالحدث.
وفي نهاية نصه (عورة الخلق) يقول:
ها أنتم تستدرجون أبواب السماء
واحداً واحداً
ولا تفشوا سرّكم لهواء الليل
فحور العين ما زالت أمام المرآة تهيئ جسدها كاملاً
لاحتضان المني. [ص18]
وهنا تتكشف شهوة النار، التي هي شهوة الجسد لأن كلمة شهوة تتعلق بالجمال الانثوي الذي ارتبط بنوع من الخيال والأحلام(المرآة أحياناً)، حيث يجري اسقاط الملامح الفردوسية على ملامح الواقع، فيتم الانتقال من الشهوة الى الحلم/السرّ/ الخيال، فيحاول كل مقطع أو ومضة ترميم نفسه بنفسه.
😚
اذا كانت بعض النصوص تحاول استحضار بعض الاساطير ، فإن الغالب عليها هو الأسطرة؛ أي خلق معادل اسطوري لموازاة الواقع ،ولربما أسطرة الواقع نفسه بحيث يصبح الموت جزءاً من تحولات وتصورات الحياة برمتها، أو تحولات برومثيوس سارق النار، أو سارق الشهوات كما في (جريح الماء):
أيها السارق الملعون
أعدْ تلك الشعلة الى مآثمها
لدينا من النار ما يكفي
لغلي جهنم بالوقت وجنّات الرمل
فلا عذابٌ نذيرٌ
ولا كبدٌ ينمو.
هذا زمن يتعلّم فيه الانسان
كيف يولدُ من الكلمات. [ص27]
تبدو الصور مرتبطة بالأسماء والنفي والجمل الانشائية التي لا تحلق في الخيال، فيرسم صورة عن اللصوص الذي لا يخشون من النار؛ بينما يرسم صورة أكثر كثافة في مخيلتين فقط في نصه (توحد):( مثل فراشةٍ تغزل خيوط الفجر/ وتبعثر الشمس غابةً من الظلام)[ص31]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى